رواية حرب ابريل
الحلقة الأولى.....
رواية حرب ابريل...
تأليف إيهاب الوسيلة
مراجعه :قبس الفاضل
تنويه : كل الشخصيات من وحي الخيال والاحداث قد تكون مشابهة للواقع...
...... لقد مرّ شهر ابريل ومعه تلاشى أمل أن تكون هذه الحرب ليست الا كذبة أبريل، ماذا سيخسروا لو أضافوا كذبة أخرى إلى تاريخهم المحشو بالاكاذيب ولكن خطأنا الوحيد هو أننا نزرع الأمل في دواخلنا ولا نحصد إلا الألم والآن مضى شهر كامل على إندلاع الحرب في بلادي وفي الوقت الذي ينشغل فيه العالم بتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي نحن مشغولون باصطناع الجهل والتخلف والاضطلاع في حرب لا تثمن ولا تغني من جوع، يقول العرب قديماً “اذا صار الغراب دليل قومِِ فما وصل الغراب ولا وصل القوم “ ونحن دليلنا جاهل وإن وصلنا فبالتأكيد سنصل للاشيء.
نزح الجميع وزحف نحو الأقاليم فالعاصمة أصبحت خاوية إنها كقاعة الإمتحان تماماً نخرج منها واحداً تلو الآخر ولكن يبدو بأن الإمتحان اصعب من سابقته هذه المرة، انا وأمي قررنا البقاء في منزلنا ليس شجاعة منّا ولكن لا نملك وجهة نقصدها، وفي الحي الذي نقطنه تبقت بضعة أسر لا زالوا صامدين وكل منّا يكافح للبقاء في ظل قطوعات الكهرباء وشبكات التواصل وحتى مياه الشرب وكل الأشياء التي كانت ثوابت نجهل قيمتها أصبحت رفاهيات وأكبر همنا وهذا أول درس تعلمته وهو توقع أن كل الأشياء قابلة للزوال فحتى من اتخذ النجوم بوصلة في الصحراء بحجة إنها أبدية ولن تخذله ظهرت السحب والغمام واختفت النجوم وتاه في الصحراء.
هذه المفكرة التي اكتب عليها يوجد بغلافها اسمي الكامل "محمد الطريفي إبراهيم" لقد قررت تدوين كل يومياتي بها فلو اصابنا مكروه سيجدونها بين الحطام ويعلموا قصتي وإن كُتِب لنا عمر جديد سوف تصبح ذكرى؛ كما أن ليس هناك شيء افعله بهذه الاوضاع، فالحياة هنا صالحة لكل شيء عدا الحياة، كتبت في اول صفحة نبذة عني مفاداه" انا محمد الطالب الجامعي بكلية الاقتصاد في جامعة الخرطوم أبلغ من العمر عقدين ونصف بالتمام والكمال ولم اتخرج بعد لأن هذه ليست بأول كارثة ففي جامعة الخرطوم تعودنا على الإغلاق المستمر والاسباب قد تكون انهيار جبل جليدي في القطب الشمالي أو قد تُغلق بدون سبب أعيش في هذا المنزل المكون من اربعة غرف ومطبخ برفقة أمي فقط فأخي الأكبر يعمل بالمملكة العربية السعودية وابي غادر إلى رحمة مولاه قبل سنتين من الآن ".
في هذه الأيام لا فرق بين النهار والليل ننام في أي وقت ونستيقظ لنأكل او نستيقظ بسبب صوت الأعيرة النارية لنتختبئ تحت السرير، أعلم بأن السرير ليس بعازل لنا من الموت ولكنها رسالة لا إرادية من انفسنا مفاداه بأننا لا نريد أن نموت الآن.
في الحقيقة أن حيلة الاختباء تحت السرير مصدرها الطفل الذي بداخلنا فعندما كنا صغاراً نختبئ تحته حتى لا يجدنا ابوانا فيعاقبونا على فعلة ما وأحياناً ندعي أننا نصلي أو نهرب إلى المرحاض، والآن كبرنا ولازلنا على عهدنا مع علمي بأن الموت سيأتي لمن هو تحت السرير ولن يحترم خصوصية من هو بداخل المرحاض هو حتماً أتي ولكن من يُقنع الطفل الذي بداخلنا بذلك؟
إن امي هي صديقتي المقربة تعلم كل اسراري وهي كل ما املكه بهذا العالم لهذا احترم كل قرار تصدره، لقد ضحت بالكثير وكانت خير سند لابي قبل وبعد وفاته وتعودنا أن نقتسم اعمال المنزل بيننا انا اتكفل بالنظافة وهي بإعداد الطعام فقط!..
يا امي الليلة طابخه لينا شنو؟
_ عدس بس الليلة!
يا ريتني ما سألت...
_ يسلسل ضروسك اسوي ليك شنو يعني.
الليله لو الجوع يقتلني ما باكلو الصباح عدس المسا عدس ناقص تجيبي لينا مع شاي الصباح.
_ خلاص وفرت حا امشي اوزعو للجيران.
انا زاتي ماش افطر مع خطاب صحبي والله امه طباخه وصينيتهم دي مليانه وبالله عليك رجاء خاص ما توسخي العدة دي عشان انت ما قاعده تغسليها، مره حسوده خلاص.
_ محمد اقطع وشك ده مني.
اغلب نقاشاتي مع امي هكذا ولكن ولا واحدة منها كانت على محمل الجد فهي تعلم بأنني امازحها فغادرتها واتجهت صوب منزل صديقي خطاب إنه بعمري وصديق الطفولة درسنا سوياً وفرقتنا الجامعة ولكن حافظنا على تواصلنا فكلما واجهت مشكله حتى ولو كانت تافهة اذهب اليه وكذا الحال ينطبق عليه إن مشاكل هذه الدنيا أصعب من أن تحملها لوحدك فلابد من صديق تقاسمه أحزانك، انتصاراتك وهزائمك المهم يجب أن يكون لك مأوى عندما تشتد العاصفة.
يا خطاب!... خطاب... تعال افتح الباب!
_ اووو محمد ارح جيت في وقتك الفطور جاهز.
يا سلام يااخ والله انا من هناك جاي اصلا للفطور.
_ ارح والله الليلة وجبة كلها بروتينات وفوائد.
ليه عاملين شنو الليلة؟
_ عدس.
أحياناً ما تهرب منه يهرب إليك أيضاً بطريقة ما، الأمر الذي رسخ قناعتي بأن هذه الحرب كانت لتقوم في أي مكان أذهب إليه فالمرء بإستطاعته الهرب من كل شيء ولكن لن يستطيع الهرب من مصيره.
الحلقة الثانية...
رواية حرب ابريل....
انت يا خطاب العدس ده ثابت عندكم؟ يعني يومياً بتاكلوهو؟.
_ لا والله الليلة من دون الأيام اشتهيناهو ساي قلنا نعملو.
بمناسبة العدس ده تفتكر انك حتعرس متين مع الاوضاع دي؟
_ لا الجاب العدس للعرس شنو هسي وعلاقتهم شنو ببعض.
ياخ ما تركز عارفني ما بعرف افتح موضوع.
_ والله يا محمد ما فكرتا في الموضوع ده بس حتكون فترة طويلة.
طويلة؟ ااااا نسيت انت بتقرا طب، لكن ما حصل حبيت او فكرتا تحب؟
_ والله شبه حبيت!.
شبه حبيت؟ كيف يعني قلت ليها بحبك وجريت ولا شنو!
_ لالا ياخ علاقة معقدة ممكن تسميها حب من طرف تالت.
انت يا خطاب دي علاقة حب ولا عقد إيجار ياخ اتكلم عديل!.
_ يا بشر انا بحب لي بت وهي مخطوبة لود عمها وفي نفس الوقت هي بتحب واحد تاني وانا بحبها بس ما اعترفت ليها.
هسي دي شنو العوارة دي لو كان حبيت كيم كاردشيان ما كان اسهل ليك.؟
_ دي منو دي كمان.؟
ما بعرفها والله بس لقيت ليها منشور في الفيس المهم هي مشهوره ومستحيل تحبك برضو.
_ هو ده منو العاقل البحب واحدة مشهوره اصلاً ويكون جادي.
بصراحة انا، مرة حبيت بت صينية بس اكتشفت انو ده ولد من فرقة كورية فسقطتا عاطفياً وجغرافياً.
_ ولا يهمك اصلاً الحب ده كلام فارغ ساي.
بالمناسبة بتذكر جيرانكم ديل كانو باعو عربيتهم بتلاته مليون وسافرو مدني قبل يومين تاني الرجعهم شنو؟
_ قروشهم انتهت والله.
لا حولا ولا قوه الا بالله الوضع هناك صعب للدرجة دي.
_والله يا محمد العز أهل ومدني دي لو ما عندك أهل هناك ما تفكر تمشي بالرغم من انو فيها ناس رجال وناس حارة لكن هم وقعو في تجار الأزمات فضاقت بيهم وياهو رجعو للحرب دي احسن ليهم من عيشة الذلة.
ربنا يسهل يا خطاب والحمدلله بس، انا عايز انوم بعد اصحى نطلع فرشتنا الشارع ونتونس.
_ عديلة تب!.
الأمر لم يعد يقتصر على الموت تحت تهديد السلاح فقط، لقد اتضح لي بأن هناك من يموت جوعاً وخوفاً، هناك من يفضل الموت على العيش عاجزاً عن تحريك ساكن، هناك من يعيش فاقداً كرامته وعزته، من مات فقد مات وهو ينزف دماً ومن عاش فقد مات كل شيء بداخله وهو ينزف دموعاً.
لحظة التخرج والإستقرار بالزواج وحتى وجبة العدس هذه لم تعد تؤرقني بالتفكير بعد التمعن في معاناة الآخرين، أصابني القلق حيالهم وكأنني أتحمل مسؤوليتهم ويتوجب عليّ فعل شيء، لقد نمت بعد صراع مع التفكير واستيقظت وانا حامل ذات المسؤوليه...
المؤكد هو أن الحرب ستنتهي حتماً يوماً ما ولكن وقتها ستذبل زهرة شبابنا واحلامنا لن تناسب أعمارنا ولا اشكالنا ومع هذا أخشى أن يحل السلام ويجدنا تحت التراب.
خطاب الزمن اتأخر الساعة ماشه لواحده!
_ هسي ما تخجل كبير كده وبتخاف من شويه دعامة.
يااخ محذرين الناس ما يقعدو بره بالليل.
_ رجالة هو ما داخل ما داخل عشرة مرات حريقة في أي دعامي.
عاين في انوار عربية جاية علينا!
_ دي ركشة قول بسم الله لأنو منورة فردة واحدة.
ده تاتشر ما سامع الصوت؟
_ااي والله كدي دقيقه انا داخل الحمام.
كان وين حمامك ده من قبيل يا جبان.
للحظة وددت أن يطلق اولئك المرتزقة الرصاص نحوي وينتهي هذا البؤس وهذا أفضل من السجن الذي نحن عليه، لم اعش في عهد الاستعمار ولكن بالتأكيد كانت الحرية ترقص في كل ارجاء العاصمة عدا كرسي السلطة أما الآن هناك أحمق يفرض عليك القيود ويأمرك كيفما أراد والفرق بيني وبينه هو أنه يحمل سلاح ناري وبضعة رصاصات وعقل فارغ.
رجعت المنزل وأمي وقلقها الدائم كانوا بإنتظاري فذاب قلقها بحضوري وذُبت انا في وسادتي محتضناً خيبتي، أطفأت الأنوار وبقيت يقظاً مستسلماً للتفكير فيما حصل وفيما قد يحصل غداً فهناك شيء بداخلي يحثني على استشعار مسؤولية الآخرين، صوت ما بداخلي يقول "هيا لنحدث تغييراً أنت لم تُخلق عبثاً" لا أعلم ما الذي يجب عليَّ فعلة ولكني أعلم بأنني سأستجيب لهذا الشعور....
الحلقة الثالثة......
رواية حرب ابريل..
تأليف إيهاب الوسيلة..
مراجعة قبس الفاضل..
...... كغير العادة استيقظت مبكراً واندهشت بمدى روعة الفجر وشروق الشمس فيبدأ دوي الانفجارات وأصوات الرصاص وينقطع صوت الأذان فربما ابتلع المؤذن صوته من شدة الخوف أو سقطت قذيفة في مكبر الصوت ولكن على أي حال قليل من سيذهب للصلاة لأن آخر مرة بدأت الإشتباكات بين الطرفين أثناء صلاة الظهر وبالقرب من المسجد فأكمل الإمام صلاته لوحده أما البقية ظلوا ملتصقين بالأرض خوفاً من الرصاص ولا أدري ما المانع من الموت وانا بين يدي الله ولكن لا ألومهم إنها غريزة البقاء....
أول شيء فعلته وضعت ابريق الشاي علي النار وبدأت في طقوس النظافة الشخصية
ريثما يجهز الشاي ومن ثم علي إنتظار أمي لنتناوله سوياً فالشاي وحده لا طعم له ولكن مع أمي يتخذ طابعاً آخر وليس الشاي وحده فأمي إضافة لكل شيء بالمنزل ومع غيابها سيظل كل شيء ناقص!.
_ حمودي صباح الخير.
صباح النور يا أمي لكن عليك الله كلمة حمودي دي شينه في حقي انا بقيت كبير خلاص.!
_ اها خلاص سويت ليك دقينة ما أمس كنت بتحوم في الشارع إلا بالفنيلة هسي كبرت وداير تنسى ماضيك.
إن الشخص الوحيد القادر على تحمل كل تصرفاتنا وتقبل اعذارنا مهما كانت الظروف والخوف علينا هي الأم لأننا لم نكبر في نظرها أبدا ولا زلنا صغار.
وضعت كوب الشاي فارغاً وأخذت شهيقا وزفيرا اطول من المعتاد وقلت لأمي : الليل انا وخطاب عندنا برنامج صغير كده وفيهو مجازفة ادعي لينا.
_ سجمي مجازفة شنو يا ولد؟
ما تخافي يا حاجه الموضوع بسيط بس دايرين نساعد ناس الحي وكده.
_ اعمل حسابك عليك الله يا ولدي عارفني هنا ما عندي زول غيرك وطالما قلت داير تساعد ناس الحي ما عندي مانع امشي ربنا يعدلها عليك.
إن شاء الله يا أمي.
برضا أمي سيسير كل شيء على النحو الصحيح وذهبت لخطاب لأطرح له فكرتي والفكرة هي أن نقوم بجولة لكل منازل الحي ونسألهم عن ماهية الاشياء التي يحتاجونها من أدوية ومستلزمات ضرورية ومن ثم نوفرها لهم لأن الحي محفوف بالمخاطر ويصعب الوصول إلى الصيدليات والمحلات التجارية وفور أن شرحت لخطاب ذلك وافق على الفور فأحياناً كل ما نحتاجه في هذه الحياة صديقا كخطاب إن أخبرته بأنك ذاهب للجحيم سيقول لك هيا بنا إلى الجحيم حتى وإن لم يكن يعلم ما سبب الذهاب إلى هناك...
الآن نعلم ما هو هدفنا ولكن تبقت معرفة الطريقة إلى هذا الهدف .
طيب يا خطاب نحن نجيب كراس ونحوم في الحله دي واصلا أغلبهم رحلوا بس نشوف الموجودين ونسجل احتياجاتهم ونتوكل نمشي نجيبها اها رأيك شنو؟
_ طيب لو لقينا ارتكازات الدعامه نقول ليهم شنو؟
والله ما عارف لكن ادعي انو يكونو كيوتين ما زي بتاعين الخلا.
_ ما حصل لاقاني دعامي كيوت لكن عندي فكرة نقوم نرسم في يدنا جملة "الدعامه ملائكة الديموقراطية" ولو زنقونا نوريها ليهم ونعمل نفسنا مناصرين ليهم وبعدين الجملة دي فيها تعريض لأنو أي زول عارف الديموقراطية في اتجاه والدعامه في اتجاه تاني خالص.
انت يا خطاب زول موهوم ولا شنو هو في دعامي بعرف يقرأ؟
_ صاح والله كده لازم ندعي انو يصادفنا دعامي كيوت وبعرف يقرأ.!
طيب نشيل سبحة مع الدقن دي بقولو شيوخ ما بسألونا.
_ حيقولو انت اسلامي وكوز.!
طيب نلبس نظارة طبيه وبدلة.
_ حيقولو انت قحاتي!
طيب خلاص احسن ما نمشي!
_ حيجوك في البيت.
يا خطاب عليك الله خليك جادي وهسي قوم نمشي نلف البيوت دي وبعدين الباقي ربنا يسهلها.
_ طيب ارح نبدأ ببيت جارنا ده.
ذهبنا لكل منزل وطلبنا منهم تسجيل اسم ابيهم والأشياء التي يحتاجونها ووجدت الفكرة استحسانا كبيراً من أفراد الحي، منزل تلو الآخر حتى شارفنا على الانتهاء وتبقى آخر منزل لنذهب إليه...
_يا محمد باقي آخر بيت وانا بصراحة متحمس شديد للبيت ده ومن قبيل منتظر دورو!.
ليه فيهو شنو؟
_ حتعرف ثواني بس! اضرب الباب ده خليهم يفتحو.
قرعت الباب وكنت انظر للأسفل واعبث بالقلم وباغتنا احدهم بفتح الباب فرفعت رأسي لأرى فتاة حسناء في ثوب اسود يعكس نضارة بشرتها وتشعر كأن جسدها يكشر من اشعة الشمس لعدم اعتياده عليها، انا أعلم بأن الجميع هنا ينتظر ساعة النصر ولكن انا لن انتظرها بعد الآن لأن هذه الساعة التي رأيت فيها هذه الحسناء هي ساعة النصر خاصتي كما أنني لا أستطيع وصف جمالها بشيء سوى أن هذا الجمال ملائكي.
السلام عليكم، عايزين ابوك لو سمحتي!
_بابا مريض ونايم جوه عايزنو ضروري؟
الآن تأكدت بأن هذه الفتاة لا تخرج من منزلهم أبدا لأن في الخارج لا يستخدمون كلمة "بابا" بتاتا والا نعتوك بإدعاء البرجوازية والتصنع هذا اذا لم ينفوك خارج الحي.
.. ربنا يكتب سلامته وفي الحقيقة نحن عايزين نعرف اذا محتاجين حاجه ممكن نوفرها ليكم.
_بصراحة جيتو في وقتكم.
هاك ده الكراس اكتبي اسمك الكامل واحتياجاتك.
بعد أن انتهت من تدوين احتياجاتها هممنا بالذهاب ولم يتفوه أحد بكلمة وكأننا نحاول أن نستوعب جمال هذه الفتاة فلم نرى مثلها قبل الحرب ناهيك أن نراها بعد كل هذا الخراب.
اسمها منو يا خطاب؟
_ احتمال دي اماني او إيمان ما متأكد لأنهم توأم!.
مستحيل بت بالجمال ده يكون في زيها تاني مستحيل.
_ شكلك قفلتا بكلو!
لا والله بتكلم من باب المجاملة ساي وبعدين نحن كبرنا على القصص دي، هسي افتح الكراس ده وشوف الناس دي كتبت شنو.
_ والله في ناس كاتبين ادوية وحاجات ضرورية لكن تعال شوف ناس عمك الصافي كاتبين باكو بامبرز وتياب هزاز او بولستر إنت الناس ديل قايلننا دلاليات ولا شنو!؟
ناس ما جادين نهائي!
_ عاين ديل كاتبين ورق برنسيس عايزين يشربو بنقو عديل والله ديل دايرين يغطسو حجرنا.
اشطب اشطب الله لا جاب باقيهم!
والآن تبقت المهمة الأصعب وهي مواجهة الجنجويد ومحاولة اقناعهم بأننا مدنيين ولسنا جنود ومخبرين كما يعتقدون فمحاولة اقناعهم اشبه بمحاولتهم اقناعنا بأنهم يسعون للديمقراطية كلانا مجبور لتصديق الآخر.
في طريقنا قابلنا صبي من فتية الحي اسمه عمر أصر على الذهاب برفقتنا رغم درايته بصعوبة الطريق ولكنه إدّعى الشجاعة لذا سمحنا له بمرافقتنا فقطعنا مسافة كيلومترا من الحي ووصلنا لطريق تظهر في نهايته ارتكاز للمرتزقة ولا طريق غيره لوجهتنا فقررنا أن ندخل المنازل ونتسلق الجدران التي تفصل بين كل منزل حتى نتفادى ارتكاز المرتزقة فتسلقنا الجدار الأول وهبطنا في المنزل ثم الثاني وهبطنا في المنزل المقابل له فكانت كل المنازل خاوية ولم نواجه صعوبات الا مع الأسلاك الشائكة وتبقت لنا ثلاثة منازل ومن ثم نبلغ وجهتنا فتسلقنا الجدار وهبطنا ثلاثتنا في ذات الوقت وعندما رفعنا رؤوسنا وجدنا جيش من المرتزقة يعدون وجبة الغداء في فناء المنزل فصاح احدهم "حبابكم ألف يا كلاب، تعالوا تعالوا"
الحلقة الرابعة....
رواية حرب ابريل
تأليف إيهاب الوسيلة
مراجعة قبس الفاضل....
حسناً نحن في موقف لا يُحسد عليه كموقف ذلك السجين الذي حُكم عليه بالمؤبد فقرر الهرب بحفر نفق لمدة سنوات وانتهى به الحفر في غرفة مدير السجن، أخذنا بالاقتراب منهم كما أمرونا فكنا نسمع صوت خطواتنا ونبضات قلوبنا في نفس الوقت وفور أن وصلنا لهم صرخ احدهم " اقعد تحت كلك" في الحقيقة لم يستجب أحد منا فعندما يسيطر عليك الخوف تتعطل كل الحواس فإقترب نفس الشخص من عمر وصفعه صفعة تهاوت به نحو الأرض ولكن قبل أن يسقط وجدنا جالسين حتى انا لا أدري كيف حصل ذلك وفجأة بدأ عمر بالصراخ والتمتمة بكلمات لم يفهمها أحد فربما قد كُسِر فكه أو ابتلع لسانه، فطلب نفس الشخص مني القيام وفور وقوفي على أقدامي صفعني بيده أو بذيل تمساح لا أعلم ولكن رأيت شعر لحيتي يتساقط من هول الضربة الآن علمت لماذا كان عمر يتمتم ويتلعثم قبل قليل فجاء دور خطاب وذاق نفس الألم، لا أدري كيف أصف لكم قوة الضربة ولكن دمعي سال من الجهة التي ضُربت فيها فقط دون الأخرى.
صاح أحد المرتزقة مهاتفاً الشخص الذي ضربنا " شنو يا زولي الليلة عشان مرتك ما دايرة ترد ليك تقوم تتفشى في الناس وديهم لجنابو يتصرف معاهم" كل هذا الضرب لأن حبيبته لا ترد على مكالماته؟ الحمدلله أنها لم تهجره وإلا احتسبنا أنفسنا شهداء، فأخذ يركل فينا كالبهائم لنسير نحو قائده وعندما اوصلنا له وجدنا طفل في سن المراهقة يدخن سيجارة بهدوء وعلى كتفه رتبة عليها نجوم لقد تفائلنا عسى أن نجد الرحمة بداخل هذا الطفل البريء فهمس لي خطاب بأذني قائلاً "لو عارفين ده قائدهم كان جبنا معانا حلاوة مصاصة" فقلت له: عندي مقاطع لطيور الجنة كنت منزلهم لشفع جيرانا رأيك شنو نحضرو مقطع " لم نستطع كلانا منع أنفسنا من الضحك وكل هذا تحت أنظار الصبي وهو يدخن سيجارته فتلفظ بجملة جعلتنا نبتلع لعابنا حيث قال" امشي جيب سوط العنج من العربية يا الكلس" يبدو بأنه سمع حديثنا وهذا لا يُبشر بخير، لقد طرحونا أرضاً وبدأ بجلدنا واحد تلو الآخر وعلا نحيب عمر أرجاء الحي بينما نتزحزح انا وخطاب وكأننا نسبح، اختلفت ردات الفعل بينما الألم واحد فأنضم المزيد من المرتزقة لحفلة "الجعليين " هذه فأشتد صراخ عمر وأخذ يصرخ" وااااي الحقوناااااااو" لم نستطيع الصراخ كعمر لأن لحيتنا تمنعنا من هذا اللفظ المشين فأخذنا نردد وراء عمر كلما قال " وااااي ما بنجي تاني" اردفنا نحن " زايد واااااااحد" لقد تعرضنا لأقسى انواع التنكيل والتعذيب فبعد حفلة الجلد طلب منا قائدهم الغناء وأي غناء؟ غناء طيور الجنة التي سخرنا بها منه قبل قليل، لا أستطيع كتابة الاغنية نصاً ولكن عنوانها كان " ماما جابت بيبي".
نحن لم نكن مصدر تهديد لهم ولكنهم أرادوا التسلية فحسب ولا أخفي عليكم بكائي تلك اللحظة، ليس بسبب الجلد أو الغناء وإهانتي ولكن بكيت على الوطن، ماذا لو استولى هؤلاء المرتزقة الحكم، فكم منا سيهاجر وكم منا سيعاني، سنعاني لأن الجهل سيتربع على كرسي السلطة فيفقد وطني عزته وهيبته.
بعد أن تعبوا من الجلد بدأوا باستجاوبنا من نحن ومن أين أتينا فشرعت بأخبارهم وفي البداية لم يقتنع أحد فتدخل خطاب وقال " نحن بندعم قوات الدعم السريع حتى انا كاتب جملة ليكم في يدي" ففتح خطاب ذراعه بكل برائة ليريهم جملة " الدعامة ملائكة الديموقراطية" ظناً منه بأن هذا سينجينا ولكن فعله هذا أتى بردود عكسية فصاح أحدهم " ايواا بس انتو ناس المدنية زاتكم عاملين لي وشوم وحركات والله وقعتو لكن " لقد ازداد الأمر سوء لأن هذا المرتزقة ليس" كيوت" ولا يجيد القراءة وعلاوة على ذلك لديه مشكلة مع الديموقراطية فأحضر ملابس جميع المرتزقة وأمرنا بغسلها كلها، كل مرة نخسر جزء من كرامتنا لقد مسحوا بها الأرض ولكن ليس باليد حيلة فجلسنا نغسل هذه الملابس الرثة والنتنة وبينما نحن كذلك أتى قائدهم ليشمت فدار بيني وبينه حوار لن تنساه ذاكرتي..!
_ أول مرة اشوف لي رجال يعملو فيهم كده من غير يقاومو انتو ما سودانيين ولا شنو؟ ما عندكم نخوة ولا كرامة؟.
نحن لما قررنا نطلع من الحي ما وضعنا إعتبار لروحنا فما بالك لكرامتنا والرجولة ما بمقياس الكرامة ولا الشجاعة لا الرجولة دي معنى بتعرفو انت في جواك.
_ إنتو طالعين تساعدو الناس بس نفس الناس دي لو عذبناكم قدامهم ما بساعدوكم ده المنطق كده؟.
الراجل لما بعمل حاجة ما بنتظر مساعدة من زول ويمكن تعذبني قدامهم وتعمل أي حاجه بس ما حتقدر تشيل نظرات الإحترام الهم شايفني بيها وده الفرق بيني وبينك انت زول بتثبت رجولتك بالسلاح وانا بثبت رجولتي بإحترام الناس لي، فسلاحك في يدك لكن احترامي موجود عند أي زول.
_ تم غسيلك ده عشان ما اغسلك بالسلاح.
انصرف قائدهم في غضب وأتى مرتزقة آخر ولكن يبدو بأنه يشبهنا تستطيع أن ترى الرحمة في وجهه وكأنه مغصوب على هذه الحرب ولم يخيب توقعاتي فقال لنا بهمس خشية أن لا يسمعه أحد " يا شباب بعتذر نيابة عن الجماعة ديل وزي ما انتو عارفين الناس دي ما عندها رحمة فهسي انا اتكلمت مع القائد ما يشيل قروشكم وتلفوناتكم بس حاولو ما تكررو شغلتكم دي لانو ده خطر عليكم وربنا يوفقكم قومو امشوا".
ابتسمنا للرجل وقدرنا موقفه والتفتنا نحو عمر لنخبره بالرحيل فوجدناه ممدد لا يستطيع المشي فقررنا أن نحمله انا وخطاب، فكلما حاولنا أن نمسكه لنرفعه اشتد صراخه مشيراً لنا بأنه مصاب هنا فالمسكين جُلد في كل مكان فتحامل على نفسه ورفعناه معنا وواصلنا رحلتنا نحو السوق وكانت الساعة تشير للثالثة صباحاً وفور أن ابتعدنا من المرتزقة وجدنا مكان لنستريح فيه حتى تطلع الشمس فقلت لهم " شباب الحصل هنا يموت هنا ما دايرين فضايح واحتمال تاني ما يخلونا نخاطر نجي لو سألونا نقول ليهم ضربونا بس وفكونا ظابط؟" ٠
لقد كُبر خطاب وعمر في عيني بعد أن ظن هؤلاء أنهم استصغرونا لأننا ناضلنا من أجل الآخرين ولم نكن مثلهم حفنة من الأوغاد يقاتلون من أجل مصلحتهم ومن أجل شعورهم بالدونية ولهذا قد يحترم الشعب راقصة في ملهى ليلي لأنه قد يكون وراء مهنتها دوافع سامية ولكن لن يحترم مرتزقة مدجج بالاسلحة لأن الكل يعلم بأن لديه دوافع باطلة.
هسي بعد ده كله ارجع البيت أكل عدس عادي؟.
خطاب: بديت أشك إنو خالتي دي ما بتعرف تطبخ غيرو!.
لو لقيتها عامله عدس بجي راجع للدعامة احسن والله.
عمر : بالمناسبة انا لما قلت وااي وكوركتا ما كنتا واعي استروني مع شباب الحي بالله.
لالا ما تخاف وبعدين حميدتي ما كضب لما قال التحية للمرأة سواءً كانت ذكر او أنثى ف الليلة طلعنا الاثنى الجوانا كلنا م براك.
خطاب: قوموا ارحكم نشتري الحاجات في ناس عندها معانا تياب وبامبرز وهسي الشافع بكون وسخ ف ملابسه.
حسك الفكاهي ده المطلع زيتنا قوم تقوم قيامتك!
الحلقة الخامسة....
قبل الحرب عندما تتم سرقة منزلك ستذهب لقسم الشرطة لإبلاغهم ونادر ما تسترد مسروقاتك ولكن الآن عندما تتم سرقتك تقوم بالذهاب إلى السوق وتشتري نفس أشيائك التي سرقوها وأحياناً توفر عناء الترحيل وتدفع لهم قبل أن يسرقوها وانتشرت هذه الأسواق فيما يسمى بـ "سوق دقلو" حيث يوجد به كل المقتنيات المسروقة بسعر زهيد واقترح بأن يسموه سوق التأمين لأن كل الأشياء تُباع بربع قيمتها ولولا الضرورة لما اشترينا منه أبدا!....
اخذنا جولة بالسوق نشتري كل الأشياء التي سجلناها فكل الباعه هنا باسلحتهم حتى من يبيع المصاحف والكتب الدينية.
قال خطاب في صوت خافت: محمد عاين ده سرق الحله بملاحها وجاي يبيعها!
الحله براها؟ شوف الدولاب داك بملابسو والله وبعدين ده خضرجي ولا جزار ولا بتاع عدة؟ عندو أي صنف في بالك.
يا حاج البامبرز ده بكم؟
رد علينا البائع : ما بنختلف جيب ألف شيل الباكت ده وهاك ديل تلاته لكن بدون أكياس.
_ طيب جيب التلاته ديل عندنا كيس.
خطاب: مالهم مكرفسات كده.
عمر : انا شامي ريحة.
والله انا زاتي شاكي دقيقة افتحهم..... اعععع ديل بي خر**اهم.
يا حاج خاف الله البامبرز ده مستعمل!
اردف البائع بثقة : غسلهم بس بتلبسو كم مرة ولو م عجبك خليهم.
إن العشوائية تطغى على هذا السوق فهذا ما سيحدث عندما يستولى مجموعة من الجهلة بزمام الأمور، صالون حلاقة بالقرب من بائع الاطعمة المكشوفة وبائع المواد البترولية بالقرب من طاجن السمك الملتهب حتماً سيموت هؤلاء الأوغاد قريباً فكل شيء ٍ عشوائي.
اخذنا ما نحتاجه وغادرنا المكان لأنه أصبح خطراً فأحدهم قتل شخص آخر لأنه غمز لبائعة الشاي بوقاحة أو ربما رمشت عيناه سهوا فالقتل هنا بسبب تافه او بدون سبب، كانت الأكياس ثقيلة اقتسمناها ثلاثتنا ووصلنا لطريق الارتكاز مرة ثانية لأنه لا يوجد طريق غيره مما يعني بأننا قد نُعذب مجدداً وهذه المرة قررنا بالذهاب إليهم مباشرة.
عمر : Ah shit here we go again!.
ما تخافوا يا شباب ان شاء الله ما بسألونا تاني لانو كده بتأكدو انو كلامنا صاح وما كذابين.
اقتربنا منهم فصاح أحدهم لقائدهم : يا جنابو ديل جماعتك الأمس تاني جو!.
ليرد قائدهم : شايلين معاهم حاجات ولا ساي؟
_شايلين اي اخليهم يمشوا؟
فرد القائد : تخليهم يمشوا شنو انت بليد؟ قول ليهم الملابس دي نشفت تعالو المكوه جاهزه.!
همس خطاب بغضب: ينعل.... نحن خدامين ابوك!.
كنت أتوقع حدوث هذا لذا لم اندهش فقلت لخطاب: تفتكر اشتريت علبه البوهية دي لشنو؟
ابتسم خطاب وكأنه فهم ما كنت اعنيه فتحمس للفكرة وقال لهم : طوالي يا شباب نخدمكم م مشكله بس الا نكويهم جوا عشان الهوا وكده.
فوافقوا على الفور وذهبنا نضع الطلاء في كل الملابس ومن ثم نكويها من الخارج وبعد أن انتهينا اخبرناهم بذلك وسمحوا لنا بالذهاب فرحلنا بسرعة قبل أن يفكر أحدهم بالاستحمام ويكتشف بأن جميع الملابس مطليه بلون اسود ومشوهة.
دائماً ما تأتينا الفرصة لنثأر ولنرد الصاع صاعين فقط علينا إنتظار اللحظة المثالية، لقد كان ثأرنا مقابل ما فعلوه بنا ثأر لطيف ولكنها كانت فرصة ولا يتوجب علينا تضييعها.
أمي واسرة خطاب وحوالي عشرة أشخاص كانوا بإنتظارنا تحت شجرة عند مدخل الحي فقد أخبرتهم مسبقاً بأن الأمر سيكلفنا يوماً فقط ذهاباً وإياباً، الكثير من نظرات الإحترام والحب كانوا حاضرين في استقبالنا وبالطبع قلق أمي وتوترها الدائم أيضاً.
باشرنا بتوزيع كل المستلزمات لأصحابها وتبقى منها القليل ولكن خطاب شعر بالتعب وقال بأنه لن يستطيع أن يكمل..
خطاب شد حيلك معاي ياخ باقي اربعه بيوت بس ودي كلها بنات ما ظريفه نخليهم يجو يستلموها!.
_ والله ما قادر انا ضهري انهرد بالجلد وحاسي بحمى خلي نتمها بكره.
لالا ما ينفع بكره لانو في ادوية الأنسولين دي ما بتتحمل الحراره وبكونو محتاجين ليها لكن ما حنك ح امشي براي.
انا أيضاً متعب ولكن أشعر بطاقة تدفعني لإكمال ما تبقى وربما هذه الطاقة منبعثة من فضولي لرؤية تلك الفتاة مجدداً، وها أنا عند بابها وكم أرغب بأن تفتح لي الباب مجددًا لأشبع من تفاصيلها ولكن هذا لم يحدث فقد استقبلني شقيقها الأصغر عمره حوالي عشر سنوات فتملكني الإحباط وناولته ما كانوا يحتاجونه وشعرت بخيبة لم أشعر بها من قبل فأدبرت مبتعداً عن منزلهم فصاح الصبي.. : ابوي قال ليك تعال عايزك!.
تذكرت بأن أبيهم مريض ولا يقوى على الحركة فربما يحتاج ادوية أخرى، دخلت المنزل فوجدته مفعم بالحياة والورود ونباتات الزينة في كل ركن فيه إنه المنزل المثالي لعزلتك بكل تأكيد وأخذت أتلفت كسائق " الركشة" بحثاً عن شيءٍ ما ريما أبحث عن اميرة الورود بهذا البيت، طلب مني الصبي بأن أدخل لغرفة ابيه فوجدته ممدد فحييتها بتحية حارة لأن هذا ليس بمجرد أب إنه أب لأميرة الورود تلك..
_ اتفضل يا ولدي والله ما عارف اشكركم كيف جيتو في وقت مناسب لأني كنت محتاج لعلاجات السكري دي وكمان ظهرت لي ملاريا بس بتي ما شاء الله ممرضة كتبت ليك الأدوية المطلوبة.
رينا يكتب سلامتك يا حاج ودي أقل حاجة ممكن نقدمها.
_ ربنا يوفقكم وبالمناسبة بتي إيمان زي ما قلت ليك ممرضة لو احتجتوا ليها واختها التوأم اسمها اماني بتدرس طب اسنان.
ربنا يحفظهم ليك يا حاج وان شاء الله بنجيكم تاني.
لم اطيل البقاء كثيرا فإستئنذته بالرحيل وبينما انا خارج من غرفته وجدت إيمان وفي يدها كوب من العصير لا أتذكر حتى لونه لأنني لم أركز معه ويبدو أنها كانت ستقدمه لي كضيافة ولكنها قدمت لي شيئاً أحلى من العصير "إبتسامتها" لقد ابتسمت وكأنها تعرفني من سنين فطلبت مني البقاء ولكني أصريت على الرحيل ولكنها كانت عنيدة ولمحت جرحاً على ذراعي سببه السوط..
_ طيب اقعد انضف ليك جرح يدك دي وامشي.
ااااا جرح صغير ما بحتاج...!
_ ما باخد من زمنك كتير وعلى الاقل نكون ردينا ليك جزو من جميلك معانا!.
أي جميلٍ ستردينه لي وأنت بحد ذاتك كل الجمال، إذن تعالي معي وقتها سأسترد الجميل الذي قدمته لكم، لقد طاب جرحي فور أن لمسته فليس كل داء علاجه يباع ويُشترى فربما الدواء عناق، نظرة، لمسه، او حتى لقاء إن الروح تلتئم بهذه الأشياء.
خرجت من منزلهم والبهجة تغمرني فتفاجأت بخطاب يقف خارج المنزل...
خطاب؟ واقف هنا مالك؟.
_ والله داير انوم فجأة اتذكرت بيت التومات وعرفتهم حيقولو ليك اتفضل وانت ذاتك دني طوالي خشيت قلت أجي اتدارك الموقف.
يا زول دني ااي ما براك قلت ما جاي، بالمناسبة أنت بتحب ياتو واحده يعني العاجباك ايمان ولا أماني؟
_ والله خلاص اعزل واحده وخلي واحده انا ما متشدد في الموضوع.
خطاب ديل بنات ناس ما بهايم ابوك وماف ليك ولا واحده اعتبرني مسؤول منهم.
_ ااها من هسي داير تبيع صحبك يا معفن.
خطاب عليك الله ما تبقى لي انت والعدس واقفين لي في حلقي اختاني ما ناقصك.
الحلقة السادسة..
رواية حرب ابريل...
...... السعادة دائماً نجدها في العطاء وليس في انتظار العطاء ، بعطائك للغير ستشعر بإنسانيتك لهذا أشعر براحة لم اتذوقها من قبل وبدأت الرغبة في تزايد وادمان لهذا الشعور حتى أمي لم تعد تنظر لي كطفل مدلل بل رأت رجل يحاول تحمل مسؤولية لا تخصه، لذلك معنى أن تحمل مسؤوليتك فبالتأكيد أنت عظيم ولكن أن تحمل مسؤولية من هم حولك فأنت نبيل...
_يا محمد الليلة عايز تاكل شنو؟
الليلة وين حمودي؟ وبعدين ياتو يوم سألتيني عايز تاكل شنو ما ياهو عدسك ده هردتي بيهو حشاي! أمي انت كويسه؟
_ والله رفعتا راسي مع نسوان الحلة جوني بالجبنه واتبوبرت زين وبقيت زي ام خطاب كانت سيرتها كلها الدكتور عمل الدكتور فعل.
هسي انا امشي اتجلد واتهان عشان انت تتبوبري؟ لكن كله في فداك يا ام محمد.
_ محمد في صوت طيران وشكلو قريب ربنا يستر.
طيب ثواني اتأكد..
كانت هناك طائرتان تحلقان في الجو بينما يمطر عليها المرتزقة وابل من الرصاص عسى أن تسقط فتتساقط القذائف بشكل عشوائي وهذه المرة بصورة أعنف وأقرب من سابقتها فتسارعت دقات قلبي وتوجهت صوب أمي كي أخبرها بأن تتخذ الساتر وفجأة قذيفة سقطت في الغرفة المجاورة لغرفة أمي وكان الانفجار ضخم ولوهلة وجدت نفسي طريح في الأرض والغبار يملأ المكان فإستيقظت وانا أسعل وكأني لا استوعب ما يحدث ولكن تذكرت شيئاً واحداً وهو أن أمي بالداخل!...
لا حولا ولا قوه الا بالله يا امي... أمي... أمي.. أصرخ بصورة هستيرية واركض بطريقة يفزع منها الغبار، في كل خطوة أشعر بأن لا شيء له قيمة من دون أمي كل شيء سيتحول إلى كارثة وكأنني اخاطب الله بحالي وماذا سيحصل لي في غيابها حتى لا يأخذها مني... وجدتها ممدة على الأرض لا تتحرك ورفعت رأسها لأضعه بين قدمي لأن الأرض لا تليق بها وأخذت أصرخ.. نادو الدكتور.. نادو الدكتور أصرخ من دون وعي مني واعلم بأن لا أحد يسمعني ولكنني لا استطيع مفارقتها إنها بحاجه إلى... أمي انا هنا البيوجعك شنو أمي ما تخليني والله ما لي غيرك...
أبكي بحرقة واتلعثم بكلمات لا أعلم معناها حقاً فسمعت صوت أقدام أهل الحي يتدافعون ورفعت رأسي لأجد اولهم خطاب فتبسمت والدموع تغطي وجهي..
خطاب أنت دكتور تعال شوف أمي مالا.. خطاب هي كويسه صاح بس نايمه ساي هي جنها نوم..
_ محمد استهدى بالله ان شاء الله ح تكون كويسه هسي ارفعها معاي السرير.
يا زول أمي كويسه هسي بتقوم براها.. أمي اصحي.
صفعني خطاب بعنف عسى ولعل أن يهدأ روعي وصرخ بوجهي
_ يا محمد أمنا حتكون كويسه انت هسي روق وخلي ايمانك قوي.
تحسس خطاب نبض أمي وأشار لي بأنه ضعيف قليلاً ولا يوجد أثر لضربات أو نزيف وتوقع بأنه إنخفاض مفاجئ للضغط..
شيئاً فشيئا ازدادت الحشود أمام منزلنا ودخلت إيمان الممرضة وبيدها علبة إسعافات أولية مخاطبتاً خطاب " ده درب جلكوز حينفعها لو ما اتحسنت نحاول نوديها المستشفى" ثم نظرت لي وأردفت " عندها سكري ولا ضغط او أي مرض مزمن؟" فأومأت برأسي : أي عندها سكري وضغط بس أخدت علاجها قبيل.
بعد نصف ساعة استعادت أمي وعيها فعانقتها عناقا حارا " أمي انت كويسه الحمد لله ألف حمد وشكر خوفتيني عليك "
_ انا كويسه يا ولدي ما تخاف علي.
نظرت لخطاب وإيمان وانا امسح دموعي" انا ما عارف اشكركم كيف انا مدين ليكم بحياتي ومن غيركم ما كنت ح اعرف اعمل شنو!.
إيمان : لا شكر شنو ده الواجب والحمدلله على سلامة خالتو إحسان ده الأهم.
أخذت أمي تتفحص ايمان بطريقتها المعتادة تنظر ليديها للتتأكد من وجود خاتم او عدمه فقاطعت نظراتها" أمي لا ده ما وقته نهائي ولا تفكري".
طلبت من خطاب أن يبقى مع أمي حتى أوصل ايمان لمنزلها..
في الواقع كنت أريد شكرها مجدداً بينما نتمشى صوب منزلها
عارف لو شكرتك مرة واتنين ما بوفي حقك بس مع ذلك شكراً.
_ أنت برضو عملت زي يا محمد لما جبتا أدوية السكري لأبوي كده واحده بواحده.
طيب كده تعادل ما مشكله.
_ صحي انت ليه قلت لأمك" لا وده ما وقته" من غير ما هي تتكلم.
أمي حافظها كويس كانت بتفتش لو عندك دبلة خطوبه أو أثر حنة في يدك عشان تقول ليك نخطبك لولدي.
_ أمك دي عسل شديد حبيتها والله..
حبيتيها شنو آخر مرة مشت سمايه وجات قالت لي حجزت ليك بت.
_ أي والمشكلة وين؟
المشكلة انو دي سماية البت الحجزتها لي يعني عمرها سبعه يوم قالت عشان شعرها طويل وعيونها سمحات.
_ والله ضحكتني انا حبيتها اكتر وشكلي يومي حا ازورها.
عندي سؤال، انتو ليه ما رحلتو للآن؟
_ لسه منتظرين ابوي يتعافى وناخد رأيه،ااها وانتو؟
والله نحن ما عايزين نسيب بيتنا.
_ محمد انت لسه بتحب السودان؟ لأنو بحس فيك وطنية رهيبه.
والله بحبه شديد ويمكن أكتر من اول.
_طيب لو جاك عقد عمل وراتب كبير في دول الخليج بتمشي؟
بمشي ااي
_والسودان؟
حيفضل جواي طبعاً،فالنهاية انا ما بيدي سلام عشان اوقف الحرب بس وين ما مشيت حاكون فخور اني سوداني واكيد السودان عايز لي الخير يعني فما اظن عندو مانع.
أينما كنت الآن فبالتأكيد أنت تحمل في داخلك ذكرى لمكان ضحكت فيه أو تربيت فيه وتشعر بإشتياقك الشديد له فهذا ليس بمجرد مكان كما نعتقد إنه الموطن، الموطن الخاص بك ستظل لاجئ ما دمت بعيد عنه حتى لو كان هذا البعد مسافته بضع كيلومترات!.. فلا شيء يستهلك الروح كما يفعل الحنين إلى الديار!.
التسميات
روايات حزينة