رواية لا_تعبث_بقلبي -(الفصل الثاني)

لا_تعبث_بقلبي

#بقلم_إيمان_ماجد

 

#لا_تعبث_بقلبي《11》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "أب روف، أُمدرمان":-

_أححح كُباية تانية لو سمحت، شاهيك مظبوط شديد، قال يوسف وهو يضع الكوب على الصينية يطلبُ المزيد..
_رد إيهاب بإبتسامة عريضة: والله من تالين نزلت المدرسة أنا بقيت أعمل الشاي براي، تلاتة ولا اربعة شهور من الخبرة، كيف م يكون مظبوط!..
_غايتو لا سمح الله لو الظروف ضايقتك م ح تتلفت، تجيب كانون وكم كباية وتنافس أجعص ست شاي في أُمدرمان، أنهى يوسف جملته يضحك ساخراً، بينما أطلق إيهاب قهقهة عالية ورفس يوسف بقدمه وهو يشتمه، من كان يعلم أنهما سيعودان إلى طبيعتهما مع بعضهما بهذه السرعة، إشتاق أحدهما الأخر، فقد كانا يتألمان معاً، ليست صداقتهما تلك الصداقة التي تتفكفك بسبب إمرأة كما قال إيهاب، هما رفيقان منذُ ما يقاربُ الإثني عشرَ سنة أو أكثر، تخللتها بعض الشجارات، وأفترقا عن بعضهما طول الفترة التي كان بها يوسف بتركيا، لكنهما كانا يلتقيان في العطلات التي يعود بها صديقه إلى الديار، علاقتهما تُعتبرُ أخوية، يفهمان بعضهما من مُجرد نظرة، حتى إن كانا يُخفيان بعض الأسرار عن بعضهما.
 أخبرّ يوسف صديقه أنه يبحث عن شقة قريبة من منزل والدي أسيل ينتقلان إليها، فمنزله بالرغم من أنه مُجهزٌ بالكامل لأن "أسيل" في بداية حملها تحتاج أن تكون قريبة من والدتها وأخواتها، وسيقوم بعرض منزله للإيجار طول هذه الفترة، كان يوسف يتحدث بعفوية، من منطلق أنه صديقه المُقرب وليس حبيب زوجته السابق، أخفى إيهاب ألمه ورسم إبتسامة باهتة، يشعرُ بشئ حادٍ يثقب قلبه، لا يتزحزح أبداً،  يقف هكذا في المنتصف ثاقباً قلبه بقسوة يذكره بألمه كل فينة وأخرى، نسيانُ الحُبِ الأول من أكثر الأمور صعوبة، ومرارة، وتعذيباً، فتلك الذكرى لا تُمحى ببساطة.
 "حري بالإنسان أن يخاف من تلك اللحظات السعيدة، لأنها حين تُصبح ذكرى مؤلمة يتمزق القلبُ وجعاً فقط لكي ينسى".
 إقترح على إيهاب أن يُرافقه، كما في الأيام الخوالي، حين كان كُلٌ منهما لا يُفارق الأخر إلا عند عودته إلى المنزل ليلاً، وفي الصباح يلتقيان مُجدداً، هذه العلاقة التي تُسمى الصداقة أراها من أسمى العلاقات وأكثرها قُدسية، فالكُل يحتاجُ روحاً يعتمدُ عليها، شخصاً يُصحح أخطائه ويُرشده إلى النور، وكتفاً عندما يضيقُ صدرك تبكي عليه، بإختصار يحتاجُ صديقاً.
 خرجا معاً من منزل إيهاب، شغّل يوسف مُحرك سياراته "الأفانتي" وأنطلقا إلى مقصدهما.
  __
_شارد وين!، سأل يوسف صديقه..
_أجابه بأنه يُفكر في بعض الأمور، في الحقيقة كان يُفكر كيف سيكون شكلُ لقائهما-هو وأسيل- بعد ما فعلته به، تنهد وهو يُطالع الخارج، دقق نظرته وهو يقول: دا موش شارع "تينا"؟؟.
_أي ياهو زاتو، تتذكر لمن كُنا بنشرد من المدرسة ونجي هنا نشرب لينا كوبايتين جبنة..
_معقولة أنسى!، ضحك إيهاب وحنين الذكرى بجتاحه، يجتاحهما معاً، إتفقا على أن يجلسا ويحتسيا بعضاً من قهوة "تينا" الممُيزة عند عودتها.
 __
 بعد أربع ساعات:-
 كانا يجلسان في مقعدين من المقاعد الخاصة ب ستات الشاي "البمبر"، يتحدثُ يوسف كثيراً بينما إيهاب يشرد حيناً ويصغي حيناً أخر، كان مُشتت التفكير؛هذه حالته منذُ علم بعودة أسيل من جوهانسبرج.
 رنّ هاتفُ إيهاب، وإذا به همّام، كان يقولُ له شيئاً ما، كان يتحدثُ بسرعة وصدمة..
_دقيقة دقيقة، كلمة كلمة يا ولدنا م فاهم شي..
_كلامك طلع صاح يا إيهاب، أميرة متورطة في موضوع كبير..
_عرفت كيف إنتا!؟، كلمتك بنفسها؟!..
_أيوا..
_إنت وين!؟، جاين عليك مع يوسف..
_طلعت من البيت قبل شوية، ماشي على قسم أُمدرمان الشغال فيه أُسامة نتلاقى هناك..
_عديلة يا مان..
_تنهدّ همّام بغضب، ثم أنهى المكالمة، عِلم إيهاب أن صديقه يتمالك أعصابه بصعوبة، يعرفه جيداً عندما يغضب، يُصبح أعمى كثورٍ هائجٍ لا يرى أمامه..
_نظر إلى يوسف وهو يقف مُسرعاً ويقول: قوم قوم أرح على القسم بسرعة، همّام شكلو واقع في مشكلة..
_أخرج يوسف مفتاح سيارته وهبّ واقفاً وهو يقول: أرح، وفهمني القصة في الشارع.

          ****
 "الحلفايا، بحري":-
 _لقد أخبرته..
 أرسلت أميرة الرسالة، لكن يبدو أن سيرين لا تحمل الهاتف بين يديها؛إذّ أنها لم تُجبها بعد على عكس عادتها، رمت هاتفها جانباً وأتكأت على الحائط وهي ترفع ركبتيها إلى صدرها تضمهما بقوة، تنهدت بصوت مسموع وهي تتذكر ما حدث قبل قليل، قبل خروج أخيها يشتعلُ غضباً من المنزل.
   <<•••••••
عادت من منزل "مروان" صديق جوان مُنهارة تماماً، لم تُكمل الحفل إلى النهاية حتى، بالرغم من أن جوان ترجّتها كثيراً، دخلت إلى غرفتها وأرتمت على سريرها، تذكرُ كيف كان يُحدق بها، بدأ جسدها بالإرتجاف مُجدداً، عليها إخبار همّام، عليه أن يعلم ليُنقذها من الهاوية التي رمت بها نفسها، أنقلبت تستلقي على ظهرها تُطالع سقف غرفتها المُظلم بشرود، إنتزعها من شرودها صوت هاتفها الذي شرع يرنُّ بصوت عالٍ، طالعت الشاشة لتجد مُتصلاً مجهولاً، عقدت حاجبيها بتساؤل وردت.
_أ..ألوو..
_مساكِ سعيد يا أميرة، شعرت أن جسدها عاد للإرتجاف مُجدداً.
_مـ..منو مـ..معاي؟!..
_أمين،  لم تتفاجأ، هو الوحيد الذي مجرد سماع صوته يبثُ الرعب داخلها ويجعل أوصالها ترتجف هكذا، هو لا أحد سواه، لكن كيف تحصل على رقم هاتفها!..
_شايفك قبيل زي الإضايقتي لمن شوفتيني، صمت قليلا ثم قال: المُهم أديتك وقت كافي عشان تفكري وللأن ما سمعت ردك، قُلت أذكرك..
_لـ..لـ..لسه بـ..بفكر..
_إنتهى وقت التفكير ي حلوة، بتماطلي وبتراوغي فيني لكن م ح تكسبي شي، أنا مُطوّل بالي ليك ساي؛لأنك عاجباني.. أخذ نفساً عميقاً ثم زفر به خارجاً، كان الصوت قوياً على سماعة الهاتف تابع كلامه بنبرة مُختلفة: أححح لمن شوفتك قبيل ما صدقتا عيوني، كانت مُفاجأة بالنسبة لي، لكن مُفاجأة سعيدة أكيد، لم يسمع رداً مرة أخرى، ضحك وهو يقول: وبت أخوكِ بتشبهكِ شديد، عيونها نفس عيونك، والصدفه الأجمل إنها بتقرا في نفس المدرسة البقرا فيها مروان، قال جُملته الأخيرة بنبرة تهديد مُخيفة، قد يحاول إيذاء جوان إن حاولت مماطلته أكثر، بدأ عقلها يفكرُ بسرعة، قاطع تفكيرها مجددا بصوته وهو يُمليها عنوان منزلها، الحي ورقم المنزل، كأنه يُخبرها أنها في خطر مُحدّقٍ الآن، يجب عليها إتخاذ تدابير جادة تحميها وتحمي عائلتها من هذا الشيطان.
 أنهت مُكالمتها وأتصلت بهمّام مُباشرة فأخبرها بأنه قريبٌ من المنزل، كانت دقائق فقط وقد وصل إلى المنزل كما قال، دقائق مرّت عليها كالساعات..
  طرق همّام باب غرفتها، سمحت له بالدخول، أغلق الباب خلفه وجلس بجانبها، إستجمعت كُل قوتها وجعلته يعدها بأنه سيتريث ولن يتهور أولاً فوعدها وقد ظهر القلق بنظراته التي يُثبتها عليها بريبة، زفرت وبدأت تحكي له ما حصل وما يحصل بالتفصيل المُمل..
   •••••••>>
شعرت بألم حادٍّ بذراعها، سببت لها قبضته الغاضبة كدمة مؤلمة، تحسستها ومسدتها بشرود، تذكرُ ملامحه الغاضبة المصدومة حين أخبرته، كاد يصفعها لكنه تمالك نفسه، يبدو أنه أدرك حجم الخطر جيداً، فقد إتصل بأحدهم، يُدعى أُسامة حسبما تذكر، خرج من غرفتها وغادر المنزل دون أن يسمع كلمة إضافية، ودون أن يلتفت إلى نداءتها حتى.
 إشعار تلقي رسالة على هاتفها، سحبها من دوامة افكارها، لا بد أنها سيرين، أخذته سريعاً وكما توقعت كانت هي، إنها كجنية من قصة خيالية، تظهر في الأوقات المناسبة دائماً..
_ماذا حدث يا صغيرة!؟، هل ضربك؟.
_لا..
_حمداً لله..
_أشعرُ أنني على وشك الإنفجار، لن تُصدقي ما حصل معي اليوم..
_يبدو أمراً خطيراً لا يُحكى عبر دردشة، سأتي إليكِ، "مسافة السكة بس".
 نظرت أميرة إلى شاشة هاتفها، إنها الخامسة فقط، لم يتأخر الوقت على قدومها صحيح.
 دخلت أميرة تأخذُ حماماً دافئاً وتزيل كل المكياج الذي كانت تضعه، تشتم داخلها، وتتمنى لو أنها لم تذهب، خرجت وأرتدت بيجامة قُطنية مُريحة باللون الرمادي، وكانت طويلة الأكمام، وشرعت بتحضير مشروبٍ بارد. وأثناء تحضيره رنّ هاتفها، كانت سيرين تُخبرها أنها قد وصلت، تركت أميرة كُل شئ وهبطت درجات السُلم راكضةً بلهفة كطفلة صغيرة سمعت صوت عربة المثلجات التي تنتظرها منذُ ساعات، فركضت إليها بسعادة.
 

          *****
 "قسم شرطة أُمدرمان":-
  _أُسامة، لوح همّام بيده وهو ينادي أُسامة الذي كان يقف خارجاً أمام سيارته، فتحرك نحوه أُسامة عندما سمع إسمه، وبعد تبادل التحايا والأطمئنان على حال بعضهما..
_الحاصل شنو يا زول، قلقتا بي، إنتا عارف كنتا طالع خلاص ودوامي خلص لمن إتصلت..
_معليش يا مان بس الموضوع خطير ومُهم..
_أخذه أُسامة الى داخل قسم الشرطة وجلسا على أحد المقاعد طالباً منه أن يحكي، فبدأ همّام يحكي كُل ما أخبرته به أميرة، عن ذاك المدعو أمين الذي يملك شركة للإستيراد والتصدير، وعن تهديداته وعن عرضه الأخير، حتى لقائهما الذي حدث عن الطريق الصُدفة المحضة بمنزل صديقٍ لإبنته..
_أمين، أمين!؟، ردد أُسامة وهو يُفكر ثم قال: عادةً،.. الموزعين الكُبار والتجار بكونو حريصين شديد، وبتعاملو في شغلهم_الغير مشروع- بأسماء وهمية وألقاب، يعني حتى في بعض المروجين البكونو شغالين تحتهم وتابعين ليهم وما بكونو عارفين أسماء زعمائهم الحقيقية، إلا مُروّج مُقرب وثقة..
_كيف يا زول هي مشت عدييل مع وحدة كدا وقابلتو شخصياً ..
_في تصوير أو تسجيل صوتي بثبت أنو المدعو "أمين" دا هو زعيم لعصابة كاملة بتاعت مُخدرات؟..
_هزّ همّام رأسه نفياً بعجز واضح..
_ديل أزكياء يا زول، بس ممكن عن طريق أُختكـ..
_أُختي خليها بعيدة من المواضيع خطيرة دي، ولااا تفكر زاتو، قاطعه همّام بإنفعال واضح..
_هي أصلا متورطة يا حبيب..
_تنهدّ همّام بتعب وشبك أصابعه أمام وجهه يُطالع الفراغ بشرود، هل يطلبُ منه جعل أميرة طُعماً للحصول على أدلة كافية والقبض على المدعو "أمين"؟؟، أه لو أنه يجتمع به، سوف يُقطّعه إرباً ويرمي بلحمه المُتعفن إلى الكلاب الضالّة، فقط لو يعلم أين قد يجده، ما كان ليستعين بأُسامة أو الشرطة، سيتصرف ويُصفي حساباته مع ذلك الذي جرؤ على تعدّي حدوده، وبعدها يتحمل عقاب القانون مهما كان قاسيا، ما لا يستطيع إستيعابه أنها كانت تتعرض كُل هذا الوقت للتهديد والإبتزاز وكانت صامتة، وببساطة، فضلّت أن تواجه كُل هذا وحدها على أن تُخبره، هل كُل ذلك الجُهد الذي يبذله كان مجرد هراء؟، ألا تعدّه أخاها وسندها وعزوتها في هذه الحياة!؟  هل قسى عليها أكثر من اللزوم للدرجة التي وضعت مثل هذه الحواجز بينهما، فضلّت مواجهة ذلك الرجل الخطير وحدها على اللجوء إليه، وما يؤلمه أكثر أنها لجأت لسيرين بدلاً عنه. تنهد وعيناه محمرّتان كالجمّر وقلبه يشتعل ويتأجج، لن يكون رجلاً إن لم يُذّقه الويل ويريه كيف هو الجحيم الحقيقي، لن يكون همّام إبن ناصر العصامي إن لم يجعل ذلك الوغد يتوسله أن يرحمه..
 قُطِّع خيط أفكاره بإيهاب ويوسف يدّلفان وأحدهما ينادي بإسمه بينما الأخر يلوح بيده..
  __
_تنهدّ إيهاب وهو يهزُّ رأسه بأسى، تلك الصغيرة متورطة بشئ اكبر منها بكثير، بينما قال يوسف: أنا شايف أحسن ترحلّهم كلهم من البيت، ولو قدرتا تسفرهم يكون أحسن، من الحكتو ليك شكلو أخطر من المتوقعنو..
_أي أنا زاتي فكرت أرحلهم شقتي في الرياض الفترة دي، تنهد همّام وكان مُغمضاً عينيه يضغطُ بأصابعه على جبينه، يشعر بصداع مُفاجئ، وكأن أحد شراينه قد إنفجرت من فرط ضغط تدفق دمائه الغاضبه داخلها..
_اها و ح تعملو شنو عشان تصلو ليهو؟ سأل إيهاب..
_أميرة حلقة الوصل الوحيدة بالنسبة لينا، قال أُسامة..
_لالالا، أميرة أنا ح أسفرها بره البلد لفترة، عشان تبعد من الجوطة دي كلها، رفض همّام رفضاً قاطعاً..
_القرار قرارها هي، نظر الجميع إلى إيهاب الذي كان يُطالع همّام بنظرة جادة وثابتة..
_انا المسؤول منها، وأنا البقرر مصلحتها، ردّ همّام بحدة يضرب الطاولة أمامه وعيناه تتطايران شرراً.
 هدأه يوسف ونظر إلى إيهاب طالباً منه أن يُعيرهم سكوته، بينما بادل أُسامة نظراته بينهم الثلاثة وتنهدّ وهو يقول: طيب عندي حل وسط ي شباب..
 نظر الثلاثة إليه بإنتباه وإصغاء.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《12》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "الرياض، الخرطوم":-
 توقفت سيارة همّام، ترجّل منها وأتجه الى خلفية السيارة، فتحها وأخرج كُل ما بها من حقائب كان قد طلب من والدته وأُخته أخذ شيٍ من ملابسهما وبعضٍ من  أشياءهما المُهمة، سينتقلون للعيش معه لفترة مؤقتة، لا يعلم مُدتها، لم يوضح لهم شيئاً أخر، كان الجميع حائراً إلا أميرة، فهمت أنه يحاول حمايتهم، حماية عائلته، لكنه لم يقل لها شيئاً، يتجنب النظر او التحدث أليها، لا بد أنه غاضبٌ منها كثيرا.
 صعدو إلى الطابق الثاني حيثُ شقة همّام، لم تكن شقة كبيرة لكنها تتسع للجميع، ثلاث غُرف نوم  وصالة لإستقبال الضيوف تليها غرفة إستقبال صغيرة كانت "سارا" قد إتخذتها صالوناً للرجال، حمامين ومطبخ، وشرفتان "بلكونتين"، كانت الفتاتان تملكان إحدى الغُرف بينما الغُرفة الأخرى بجوارها تخصُ والدهما همّام، وكانت أميرة وفاطمة ستبقيان في الغرفة الثالثة، وإن تضايقت إحداهما يمكنها إستقلال غرفة الإستقبال الصغيرة " الصالون".
 توجه كلُ فردٍ الى غرفته، نزل همّام ليحضر باقي الأشياء بالسيارة، كان قد أحضر معه كثيراً  من الخضروات والمواد الغذائية تكفيهم لمدة، تنهدّ وهو يذكرُ ما قاله أُسامة..
   <<••••••••
_طيب  يا  شباب ركزو معاي عندي ليكم حل وسط..
_نظر الثلاثة إليه بإنتباه وتركيز.
_أميرة ح توافق على طلب أمين..
_إنت جنيت؟!، صاح همّام بوجهه .
_ موافقة مبدئية بس، ح نركّب جهاز تنصّت في تلفونها ونتتبع مكان المُكالمة، هي ح تكون في أمان ما دامت بتماطل وترفض مقابلتو وش لوش، تتواصل معاه مكالمات بس، كم مكالمة وتحاول تجرجرو في الكلام، يذكر إسم او حاجة تكون لينا إثبات، في النهاية لازم لسانو يرميه وناخد منو كم كلمة كدا ونقدر نقبضو "بالجُرم المشهود".
_على حسب كلام أميرة أنو م حصل اتواصل معاها برقمو شخصياً، إلا مرة واحدة، وما أظن يتواصل معاها اكتر..
_بس ندعي إنو يواصل تواصلو معاها..
 كان أُسامة في الواقع يشكُ أن هناك صلة بين "أمين" هذا و"اسكوبار" الذي يسعون للقبض عليه، ذلك الذي يحكم العاصمة تحت قبضته، كل أزقتها وشوارعها تعجُّ بمروجيه..
 وهم جالسون على نفس وضعيتهم، أقترب شرطيٌ من الذين يعملون تحت إمرة أُسامة، والذين هم أقل منه رُتبةً في الغالب، أخبره بأنه قد جمع المعلومات التي طلبها منه عن صاحب شركة "بابلو" للإستيراد والتصدير، لديه سجّل إجرامي به بعض النقاط السوداء، تورط ببعض أعمال العنف عندما كان مُراهقاً، تلك الشجارات التي تنشبُ بين الفتية فقد قدم على جرح أحدهم جُرحاً عميقاً بأله حادة، لا شئ غير هذا، يملك النصيب الأكبر من أسهم تلك الشركة، متزوج من إبنة تاجر ثري، ولديه ثروة طائلة، ليس هناك شئ يُشير إلى تورطه بتلك الأعمال، هل يُعقل لرجل أعمال بهذا الثراء أن يكون زعيما لعصابة تُدير بعض الأعمال غير المشروعة بأي شكلٍ كان!.
   •••••••>>
توجه الى حيثُ أميرة، ناداها وأتجه إلى غرفة الإستقبال الخالية، دلفت أميرة وأغلقت الباب خلفها، كان يجلس على السرير مُتكئاً على فخذيه، يشبكُ أصابعه أمام وجهه، ملامحه شاردة ومظلمة لا توحي بخير، بدأت تتنفس بصوت مسموع وهي تقف ملتصقة بالباب لا تود التقدم أكثر، خائفة هي من غضبه ..
_واقفة بعيد مالك تعالي أقعدي، قال وهو يرفع عينيه اليها بهدوء، هدوء ما قبل العاصفة ربما، إقتربت منه بخطوات مترددة وجلست بجانبه مُطرقة رأسها، تنهد همّام وهو يطالعها، لماذا وكيف تورطت بكل هذا؟، لو كان والداها على قيد الحياة هل كان سيحصل هذا؟، هل فشل في أن يكون عائلتها؟، هل فشِل في تحمل المسؤولية!.
 تنهد بصوت مسموع وهو يقول: مشيت لأُسامة صاحبنا، بتكوني شوفتيه جا المستشفى يوم ليلى كانت مُرقدة لو بتتذكري؟..
_أومأت برأسها أنها تتذكر..
_طبعاً هو شغال في الشرطة، المُهم قال إنك حلقة الوصل الوحيدة بأمين، لانو ظاهرياً كدا ماف اي إثبات او دليل غير كلامك الحكيتيه..
_كـ..كيف أنا حـ..حلقة الوصـ..صل؟..
_يعني إنتي مُمكن تكوني الطُعم الح يرميه ويوقعه في شباك الشُرطة، بس مُستحيل أورطك في حاجة خطيرة زي دي..
 ساد الصمت لدقائق، كانت أميرة تُفكر فيما قاله همّام تفكيراً جاداً، هي الوحيدة القادرة على الإيقاع به إن تعاونت مع الشُرطة، لكن ألن يكون ذلك خطرا عليها!!..
_إنتي البت القلتي كانت بتجيب ليكم المُخدرات في حرم الجامعة إسمها منو؟..
_رؤى، همست أميرة بإسمها وهي لا تزال تُفكر..
_ووين هي حالياً..
_أمين طردها..
_طردها!؟، نظرت إليه وأومأت برأسها ، كان يُفكر، وملامح وجهه توحي بذلك، قال بعد صمت قصير: إنتي عارفة دي هي الح تكون حلقة الوصل المُناسية للشرطة..
_هزّت رأسها نفياً وهي تقول: م..م أظن تـ..تساعدكم..
_ليه!؟، أكيد بتكون عايزة تنتقم..
_نفت برأسها مُشددة: أمين مـُ..مُستحيل يـ..يشغل معاه واحدة واشية..
 اخبرته أن الواشين عاقبتهم وخيمة، وانهم يخافون من أمين كخوفهم من الشيطان، صمتت قليلا ثم قالت: هـ...همّام أنا موافقة..
_عقد حاجبيه : موافقة على شنو؟..
_أكـ..كون الطُـ..طعم الح يوصلكم لأمين..
 رفض همّام بشدة، أخبرها أنه يحاول إبعادها عن الخطر قدر المُستطاع، وأخذ منها رقم هاتف رؤى وبعض المعلومات عنها، أخبرته أنها تُقيم بمجمع سكني قريبٍ من الجامعة، وأنها تدرسُ إدارة الأعمال بسنتها الثالثة، أرسل همّام كُل هذه المعلومات إلى أُسامة بالواتساب وأرفقها بصورة كانت تضعها بحسابها الشخصي على "فيسبوك"، أرسل إليه أُسامة مقطعاً صوتياً يخبره أنه سيبذل جهده للوصول إليها وجعلها تتعاون معهم، سمعت أميرة المقطع الصوتي أيضاً، شعرت بإطمئنان كبير، سعيدة أن لديها أخاً قادراً على حمايتها كهمّام.
 تحدثا إلى بعضهما قليلاً، وتذكر حين عودته من عند أُسامة، ألتقى بسيرين خارجاً، وكانت تهمُّ بالمغادرة، سألها ما سبب مجيئها المُفاجئ..
_جـ..جات تطمن علي، كـ..كلمتها بإني حـ..حكيت لـ..ليك أي شـ..شي..
_وليه كلمتيها يعني؟ بتكلميها بأي حاجة تحصل ليك..
_أبتسمت أميرة إبتسامة عريضة وأومأت برأسها أن نعم..
_هزّ رأسه متعجباً من هذا التعلق الغريب بينهما، صمتت أميرة قليلاً ثُم قالت: نـ..نسيت م كـ..كلمتك، أنا وهي بـ..بـ..بنبقى لبعض..
_كيف يعني؟!..
 فبدأت تقصُ له هو الأخر تلك القصة الطويلة، كما حكت له أنّ سيرين هي من نصحتها بإخباره، إبتسم وفكر أنه رُغم مظهرها المُشاغب لكنها تُعطي أراءاً ونصائح حكيمة أحياناً..
_مـ..مالك بتضحك  بـ..براك؟..
_أكون صريح معاك ي أميرة، نظر لعينيها بجدية ثم تابع: أنا مُعجب بسيرين ..
 تفاجئت أميرة مما قاله، فكرت قليلاً ثم قالت: هـ..هي طالعة مـ..من إرتباط قريب، مـ..مُهِمتك ح تكون صـ..صعبة..
 تنهدّ همّام بشرود يُفكر فيما قالته أُخته، لأي مدى ستكون مُهمة إيقاعها بحبه صعبة يا ترى!.
 

           *****
 "أب روف، أُمدرمان":-
 رنّ هاتفها الذي تضعه بجانبها تحت الوسادة، كان يهتزُّ بشكل مُزعج، طالعت الشاشة فإذا به "يوسف" قطبت حاجبيها مُتضايقة، إنها كذلك منذُ ساعات، لا تدري أين أختفى منذ النهار، لم يتصل أو يُعلمها بتأخره حتى، إنها العاشرة الأن، ردت على المكالمة ببرود بينما داخلها يشتعل غضباً..
_نعم، كانت نبرة حادة مُخيفة..
_أي ي أسيل، نومتو ولا شنو..
_كنتا نايمة قالت تنبئه بأنه تأخر وتعاتبه بطريقة غير مباشرة..
_المُهم أنا بره، أفتحي الباب، مع نهاية جملته أنهت المكالمة وأغلقت بوجهه دون قول كلمة، خرجت من الغرفة-التي أُخليت لهما بشكل مؤقت، إلى حين إستئجار الشقة- وتوجهت نحو البوابة الخارجية بخطوات غاضبة، فتحت الباب لتتفاجأ به يقفُ أمامها مُباشرةً يتكئُ عليه، رمته بنظرات حادة ثم أبتعدت من أمامه عائدة إلى الغرفة، بضعة دقائق وكان قد أدخل السيارة وأعاد إغلاق البوابة ليلحق بها الى الغرفة، يعلم جيداً أنها مُنزعجة كثيراً، لسبب ما نسيها تماماً، لم يتذكر أنه كان عليه إبلاغها بتأخره إلا حين تحرك عائداً، تنهد وهو يشغل الضوء، وجدها تجلسُ  في منتصف الفراش طاوية يديها أمام صدرها وتطالعه كقطة غاضبة، كتم ضحكته، تبدو مضحكة حين تغضب، خاصة مع تسريحة شعرها الطفولية تلك، فقد كانت تقسمه على إثنين وتلفّه-كعكتين-توجه الى الخزانة مُباشرة وشرع بفك أزرار قميصه ليخلعه، جاءه صوتها من خلفه..
_كنت وين؟
_إلتفاتة سريعة منه ونظرة خاطفة ليجدها تقف خلفه على بُعد خطوات قليلة واضعة يديها بخصرها مُعاتبة..
_عاد ينظر أمامه وهو يخلعُ قميصه الداخلي ويرد: كنت مع همّام وإيهاب، الونسة شالتنا..
_إيـ..إيهاب!، سألته مُتعجبة..
_اي، مشيت ليهو الليلة وصالحتو وأعتذرت، إيهاب زول واعي شديد، قال مُستحيل صُحبتنا تنتهي للسبب دا..
_السبب دا؟ سألته بنفس النبرة..
_ يعني مواضيع الحُب والإرتباط دي ما بتنهي علاقتنا الليها سنوات طويلة دي..
_اهااا، أومأت برأسها مستوعبة ..
_على كُلٍ شكلك ما براك الكنتِ مُستغنية، شكلو كان متوقع الحاجة دي..
_ليه قُلت كدا؟..
_سامحني ببساطة، صراحة ما كان متأثر شديد..
_زفرت أسيل بغضب وهي تضيق عينيها بإنزعاج تُطالعه..
_حاسي إنو لقى البديل، قالها بطريقة مُتلاعبة .
_ش..شنو!!  سألته بضيق واضح في صوتها، ألقى عليها نظرة جانبية وإبتسم ليكمل لعبته وهو ينظرُ أمامه يرتدي ملابسه ويتظاهر بأنه يتحدث بعفوية: ما عارف حسيت إنو في بت دخلت حياتو..
 شعرت أسيل بالنار تتأجج داخلها، هل يُعقل أن إنفصالهما لم يؤثر به حقاً!، هل وجد بديلاً بهذه البساطة؟، هي كانت حُبه الأول والوحيد؛كيف تجاوزه بهذه السرعة، إتجهت الى فراشها تكاد دموعها تتساقط، شعور غير مُريح يأكلها من الداخل، دائماً ما أعتادت أنه لا فتاة بحياته غيرها، الغيرة تشتعل داخلها، حتى إن لم تعُد تحبه، حتى إن تركا بعضهما، حتى إن تزوجت هي برجلٍ أخر، هذا لا يعني أن ينسى ما كان يوما بينهما بهذه السُرعة ويُدِخل أُخرى إلى قلبه لتشغّل مكانها، هل كان كُل ما يخُبرها به عن مقدار حبه لها الذي يبلغُ عنان السماء كذباً؟، يبدو ذلك فلو كان حقيقة لما تجاوزها وتجاوز حبها بهذه السُرعة والبساطة.
 
"إن كل ما أخشاه في هذا العالم أن يحلّ  أحدٌ غيري مكاني داخل قلبك و تتخطاني".
  _إدوين غريغوري.

 لم تنتبه لغرقها في بحر مشاعرها المُتخبطة إلا بصوت حركته وهو يستلقي على السرير بجانبها، إلتفتت إليه لتجده يستعدُ للنوم، مستلقٍ على ظهره بينما يضعُ كلتا يديه تحت رأسه، لما تبدو ملامحه هكذا؟ هل لاحظ إنزعاجها؟..
_أخت ليك تتعشى؟..
_لأ شُكراً، ردٌ جاف يوحي بأنه لاحظ وفهم تماماً ما شعرت به، دِقّةُ مُلاحظته هذه هبةٌ مُخيفةٌ مُنِحت له..
_إتعشيت بره ؟..
_ زفرّ بصوت مسموع، يعلم أنّ ردّه الجاف أوصل إليها الرسالة التي أراد إيصالها، قال دون النظر إليها وهو يطالع السقف مُقطباً جبينه: لسه بتحبيه..
_دا سؤال ولا تقرير..
_إلتفت لتلتقي عيناه بعينيها: تقرير، لأني مُتأكد من الحاجة دي..
_عقدت حاجبيها تتظاهر بالضيق: عِرفت كيف؟، بتقرا أفكاري مثلاً ولا قاعد جوه قلبي؟..
_ "لا تتحاذقي يا فتاة" زفر مُجدداً بصوت مسموع وهو ينقلب على جانبه مُتكئاً على كوعه ومُقترباً منها، لم يقل شيئاً، كان يُحدق بها فحسب، مثبتاً عينيه على عينيها بتركيز وصمت، توترت أسيل كثيراً، شعرت أن نبضاتها تتسارع تزامناً مع صوت تنفسها الذي أصبح مسموعاً، أشاحت بوجهها وأستلقت سريعاً على جانبها الأيمن لتُعطيه ظهرها، ظل على حاله تلك عدُة ثوانٍ بعدها، ثم عاد إلى وضعيته القديمه، يُطالع السقف بشرود، ليس الأمر كما لو أنه يغار من صديقه، هو فقط لا يحتمل فكرة أن إمرأته تفكر برجل أخر، هذه ليست غيرة صحيح!.
 تنهدّ مرات عديدة قبل أن يُغمض عينيه ويستسلم للنوم.

         *****
 "فُندق كورنثيا، الخرطوم":-
 تقلبّت على فراشها مرات عديدة، ليس من عادتها أن تواجه صعوبة في النوم، هي ذلك النوع من الناس الذين ما إن يضعوا رؤسهم على وساداتهم حتى يغُطّوا بنومٍ عميق، فتحت عينيها وبدأت تُفكر قليلاً، تلك الكلمات التي يهمس لها بها همّام شقيقُ أميرة كلما رأها، لما يصفُها بالقطة المُشاغبة!!..
   <<•••••••
كانت قد تأخرت بمنزل أميرة وسرقها الوقت، إتصلت بها والدتها تسأل عن مكانها وسبب تأخرها، وتأمرها بالعودة حالاً، ودعت سيرين، أميرة والبقية وتوجهت الى سيارتها، تشعرُ بشئ ناقص؛ لم تُقابل ذلك المدعو همّام هذه المرة، إنها تلتقي به كثيراً مؤخراً هل يُعقل أنها تستلطلفه! حركت رأسها نفياً بسرعة تُحاول محو ما تبادر إلى ذهنها، فتحت باب سيارتها وقبل صعودها بالكامل توقفت سيارته جانبها، إلتفتت تنظرُ إليه بعينان مُتسعتان، كانت تُفكر به للتو، لم تلحظ حتى إقتراب سيارته رُغم ضخامتها، لوح لها بيده من داخل السيارة ثم ترجل وتوجه نحوها، إبتلعت ريقها وأبعدت خصلاتها خلف أُذنها وإلتفتت بالكامل إليه..
_سيرين، همس وإبتسامة دافئة على ثغره..
_همّام، كيفك؟..
_تمام، أو بقيت تمام هسي، نظر إلى عينيها بعُمق، إبتسمت بإرتباك من نظرته، تلفتت حولها وهي تقول: كنت ماشة، ماما طلبت حضوري فوراً..
_ضحك همّام على جملتها ثم إقترب قليلاً ليهمس بصوت شبه مسموع "حتى القطط المُشاغبة تخافُ من غضب أُمهاتها، عجيب هذا الأمر"..
_رفعت إليه عينان متسائلتان، حلوتان كالعسل، إلتقت بسوداويتيه، لأول مرة تشعرُ أن قلبها يضطرب قليلاً وتتسارع دقاته وبسبب من؟!، بسبب عيني هذا الرجل، لم تستطع قول شئ، أشاحت بوجهها وهي تصعد إلى سيارتها: أها أنا ح أمشي..
 إبتعد همّام قليلاً واغلق الباب، أدارت المُحرك وإبتسمت مٌجدداً تحاول إخفاء الشعور الغريب الذي إنتابها فجاءة، ودعها وأنتظر حتى أختفت عن ناظريه بسيارتها.
   •••••••>>
أخذت نفساً عميقاً وهي تزمُّ شفتيها، تُدركُ حقيقة هذا الشعور الذي يراودها، راودها مرات قليلة من قبل، فقد شعرت هكذا تماماً إتجاه "جوزيف"، إنها تُحِسُ بالرعب من فكرة وقوعها بحبِ أحدهم مرة أُخرى، لا ينقصها شئ ولا تحتاج الى الحُب، ليس عليها أن تجاري ما تشعرُ به حالياً بل ستحاربه وتمنعه قدر الإمكان، لن تقع لشراك هذا الإحساس مجدداً لتندم لاحقاً، لا يزال لديها بعض الأشياء تقوم بتحقيقها أولاً، مثل أن تعمل بالمكان الذي حلمت بالعمل به دائماً؛السفارة الروسية بتُركيا، إنها منشغلة فعلاً، فبعد عودتها إلى تُركيا ستتعاقد مع أكبر شركات الترجمة، تريدُ أن تعمل ضمن فريق الترجمة الخاص بسفارة دولة روسيا، لديهم راتبٌ جيد، سيحقق حُلمها في السفر إلى عدة بلدان تحلمُ بزيارتها، كانت قد أخمدت هذا الحلم وتوقفت عن تحقيقه طيلة السنتين الماضيتين، لم تُرد مغادرة تُركيا وجوزيف بها، بعد أن إنفصلت عنه عادت نيران الحماس تتأجج داخلها، ولن تخمدها لأجل رجلٍ أخر، تنهدت بصوت مسموع وأنقلبت على الجهة الأخرى تُفضِل شغل عقلها بالتفكير في أحلامها بدلاً من إنشغال قلبها بهذا الاحساس الجديد الذي يحاول إجتياحه.
 " مؤذيةٌ تلك التجاربُ السابقة وتلك العلاقاتُ العابرة؛ لأنها قتلت لِذّة الشعور داخلنا، حتى قلوبُنا أضحّت عقولاً؛ تُفكر ملياً خوفاً من الإنكسار مُجدداً".
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《13》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "الرياض، الخرطوم":-
_أميرا، قال إسمها يجرُّ نهايته بطريقة مُخيفة، كانت نبراتٌ صوته على الهاتف أكثر رُعباً مما هي عليه في الواقع، تابع وهو يقول: أوعك تحاولي تتذاكي علي إتفقنا..
_قـ..قصدك شنو؟..
_إنتِ فاهمة قصدي، صمتت أميرة تبتلع ريقها وأصغت إليه  يُكمل: تفتكري الفترة دي كُلها الشُرطة وقسم المُكافحة كان عاجز إنو يصل لي كيف؟..
_كـ..كيف!..
_قهقه ساخراً بثقة وغرور، إنه يعرف ما يقوم به جيداً، تابع وهو يقول: أي حاجة تحصل حولي بصلني منها خبر، مثلاً زي،..صمت وكأنه يُفكر قبل أن يُضيف: إنك حالياً ما في الحلفايا، وشي تاني كمان، أنا ح أرمي التلفون دا بشريحتو وكُل مرة ح أتواصل معاك برقم جديد، لزوم إجراءات الأمان وكدا، م تتفاجئ لو لقيتي أرقام غريبة مُتصلة عليك..
 بدأت شفاهها ترتجف ويداها تتعرقان، تنفسها أصبح غير منتظمٍ، إنه يُراقبهم، يُدرك تماماً أن الشرطة وضعت جهاز تنصّت لمكالمته، ويبدو أنه يعلم بمحاولاتهم لتتبع مكانه، أنهى المكالمة وهو يهمس ببضعة كلمات، يعدها أنه سيحصل عليها، وفي أقرب فرصة.
  _
 تنهد أُسامة ثم إلتفت خلفه إلى الشُرطي المسؤول عن جهاز التنصّت، سأله سريعاً: سجلت المُكالمة؟..
_أومأ الأخرُ برأسه "نعم" .
 في مبنى قسم شرطة أُمدرمان كان ذلك المكتب الصغير يعجُّ بعدد من الضباط، بعضهم من الفرقة ال"٦٤" التي ينتمي اليها أُسامة والأخرون من الفرقة الثالثة والتي تتبع لقسم مكافحة الممنوعات، كان الصمتُ المُطبق يحلُ على المكان، كلمات المدعو "أمين" لم تكُن عبثاً، ليست مُجرد هراء، إنه يخبرهم بأنه يملك مُخبراً بينهم، وربما يكون ضابطاً من مستوىً رفيع، هناك خائنٌ في قسم مكافحة المخدرات خاصةً، فهم المسؤولون عن مطاردة أمثاله من المجرمين، والوحيدون الذين يملكون المعلومات ويضعون الخطط والمكائد للقبض عليه. أما التعاون الذي نشأ بينهم وبين الفرقة ال"٦٤" فهو إتفاق حديث، لم تمض سوى بضعة أشهر عليه.
  --------
رمت أميرة الهاتف جانباً، وأسرعت تضّمُ أخاها خائفة، كان همّام يقفُ يستمع لكُل ما قيل قبل قليل والدماء تغلي بداخله، ذلك الوغد اللعين، سيسحقه إن وقع بين يديه، يهمس واثقاً أنه سيحصل عليها، فلنرى كيف سيفعل ذلك، حرك يده على ظهرها يحاول طمئنتها، كانت ترتجف كقطة مُبتلة بالمطر، همس قريباً من أُذنها "هو ما أرجل مني عشان يقدر يعمل الفي الراسو، خليك مُطمنة طول م أنا عايش ماف شي ح يقدر يأذيك"، حركت أميرة رأسها على صدره ثم قالت: أنا مـ..ما خـ..خايفة على نفسي، أ..أنا خـ..خايفة عليكم إنتو، بــ..بسبب غـ..غـ..غبائي وقعنا كُـ..كلنا في المشكلة دي، تنهدّ همّام بقوة، هو حقاً حانقٌ عليها كثيراً، لكنه لا يستطيع عتابها أو لومها الأن، يوجد ما هو أكبر وأهم.
  __
خلف باب تلك الغرفة، كانت "فاطمة" تقفُ تستمع بإصغاء لكُل ما يُقال، ليست تملك فكرة واضحة عما هم متورطون به، أو بمعنى أصح ما ورطتهم به تلك الصغيرة جالبةُ المشاكل، لكنها تُدرك جيداً من حدسها كأم أن شيئاً خطيراً يحدُث، يحاول همّام لملمة الموضوع حتى لا تعيه، ربما لأنها كبيرة بالسن ومعرضة للإنهيار إذا تعرضت لأي صدمة مُفاجئة، أو ربما يحاول ستر أُخته التي لا يأتي من تحت رأسها سوى المصائب، إنها غلطته، لقد أفرط همّام في تدليلها بعد وفاة منصور ظناً منه أنه سيعوضها، يبذلُ جُهداً كبيراً في الواقع لأجلها لكنها مُدللة جاحدة، همهمت غاضبة ببعض الكلمات ثم تحركت من مكانها عائدة الى غرفتها، ماذا ستفعل إنها شقيقته الصُغرى في النهاية، حتى إن لم يكونا من نفس الأم.
    _
 بعد مرور يومين->>:-
 كان أُسامة قد واصل بحثه عن رؤى، إنها مُختفية منذُ زمن، لم تعد إلى عائلتها التي تقطنُ أحد الأقاليم القريبة من العاصمة رُغم أنها غادرت المجمع السكني الخاص بالطالبات قبل أُسبوع كامل، كما أنها ليست بمنزل أيٍ من أقاربها المستقرين بالخرطوم، لغزٌ غريب، هل فُقدت هذه الفتاة أم تعرضت للخطف، فلا أثر لوجودها مُطلقاً، تنهدّ أُسامة وهو يحُرك كرسيه يُمنة ويُسرى، يشعر بضغط كبير، كان يُطالع صورة رؤى بشرود، هي خيط نجاحهم، يذكرُ أن همّام أخبره بأن أمين قد تخلى عن خدماتها، هل يُمكن أنه!، وبالنسبة لأمين، منذُ أخر مكالمةٍ وهو هادئ جداً، لم يتصل مُجدداً بأميرة، مالذي يخطط له ذلك الرجل اللعين!..
 رنّ هاتفه لينتشله من أفكاره، لم يكُن إتصالاً بل تذكيراً، اليوم الخميس الذي كان من المُفترض أن يجتمع فيه الاصدقاء بالمقهى، إحتفالاً بإنتقال صديقهم من العزوبية إلى الحياة الزوجية، على غِرار حفل العزوبية، هذا حفل ترحيب بالمرحلة الجديدة التي إنتقل إليها "يوسف"، هو في الواقع لا يعلم إن كان الحفلُ لا يزال قائماً بعد كل ما حصل مؤخراً، تنهد وضغط على أسم همّام يتصل به ليتأكد..
 __
 خرج أُسامة من القسم مُتجهاً إلى منزله، سيأخذ حماماً دافئاً ويبِّدل ثيابهُ إستعداداً للقاء ب"زلابينو"، والذي إتضح أنه لا يزال قائماً؛فهمّام كان قد حجز المقهى بالكامل منذ مُدة، وإلغاء الحجز هكذا سيكون غير مُلائمٍ البتة.

         ****
 "الرياض، الخرطوم":-
_"طق، طق، طق"، أميرة لسه ما جهزتي؟..
_فتحت أميرة الباب بتكاسل لتقول وهي تُميل كتفيها  : همّام، والله ما لي نفس أمشي..
_مدّ همّام يده يحتضنُ كفها ليسحبها خلفه وهو يقول: ح تقعدي حابسة نفسك في غرفتك كدا لمتين؟، لازم تغيري جو، إلتفت ليجدها تسيرُ خلفه بإستسلام مُطرقة رأسها، لم تضع مساحيق التجميل كما أخر مرة، عادت مكتئبة مُنطفئة، أضاف يقول علّه يُشعرها ببعض الحماس: وسيرين برضو جاية..
_زفرت بصوت مسموع: عـ..عارفه..
_توقف ليلتفت إليها، توقفت هي الأخرى مع وقوفه سألها: دا شنو السواد الدافنة فيهو نفسك دا؟..
_طالعت نفسها تقول: أ..أغيرو يـ..يعني!، زمّ شفتيه يتأملها ويفكر وهو يصدر ذلك الصوت "أُممم" كانت ترتدي فستاناً مطاطياً ضيقاً بالأسود وضعت عليه رداءً-جاكيت- مُتعدد الألوان، حجابها أسود اللون كذلك، حذاءٌ رياضي بالأبيض، ووجهٌ خالٍ من المكياج،نفى برأسه ليهمس: الأسود يليق بكِ، ثم غمزها مُبتسماً، إبتسمت هي الأخرى، تعلمُ أنه يلوم نفسه أولاً على ما حصل، يعتقدُ أنه فشل في الأعتناء بالأمانه التي تُركت له-تقصد نفسها- ولكن كيف تُخبره أنه الأفضل، أفضل أخ، أفضل أب، وأفضل إبنٍ كذلك، إنه يعتني بالجميع هنا، ويستحق أن يجد من يعتني به، تذكرته البارحة يُخبرها بإعجابة بسيرين، حقاً تتمنى من قلبها أن يكون شعوراً متبادلاً، ستبذل جهدها لتوصل لسيرين لمحة عن مشاعر أخيها إتجاهها، تريد أن تُقدم له شيئاً مُفيداً ولو لمرة واحدة في حياتها.
   ___
 "زلابينو، شارع النيل":-
أوقف همّام سيارته ليترجل برفقة أميرة، كان قد رأى سيارة سيرين تقف بالخارج سابقاً، تحمس كثيراً، بدأ يُعدل ما يرتديه ويُعيد خُصلات شعره الكثيف إلى الخلف ليُرتب مظهره، وكانت أميرة تُراقبه بعينان متسعتان تكتم ضحكاتها، رُغم كُل شئ فإنه يرتبك وتصرفاته تبدو غريبة ومضحكة لإعجابه بإحداهنّ، نظر إليها فأشاحت وجهها سريعاً تتظاهر بعدم تركيزها، فهي لا تريد إحراجه..
 دلفّ الإثنان برفقة بعضهما، كانت سيرين تجلسُ بقُرب النافذه الكبيرة، تلك المُطلة على النيل، تحُب هذا المكان وتعشق ذلك المنظر، إقتربت منها أميرة بخطوات سريعة والأخرى شاردة هتفت بوجهها: ووه، تفاجأت سيرين في البدء لكنها ما لبثت أن أطلقت ضحكة عفوية عالية وهي تُعانق صديقتها وتخبرها أنها قد أخافتها، وصل همّام إليهما، كان صوت ضحكتها يُجلجل بأُذنه لتصل نغماته إلى قلبه، تتلاعب بأوتاره كما تتلاعب أناملُ عازفِة مُحترفٍة بأوتار قيثارة سحرية، سِحِرُ ألحانها يأثر الأفئدة والألباب.
 هاهو يقفُ كالمعتوه يتأملها وإبتسامة بلهاء مرسومة على شفاهه، إنه يُصبح بهذه الحالة لا أرادياً، كأن عقله يتعطل ويبدأ قلبه المُضطرب بالتحكُم بإيماءته لتظهر ردات فعله الغبية، ضربته أميرة بشكل خفي وإشارات يدها تقول "لا تفعل هذا؟" أستيقظ من شروده وهو يرفع كتفيه يهمس رداً بلغة الإشارة كذلك" لا أفعل ماذا بالضبط؟"، فعادت تُشير لوجهها  ليفهم أنها تود القول" لا تصنع هذا الوجه الغبي"..
_إحم إحم، وجه الإثنان نظراتهما لسيرين الواقفة أمامهما طاوية يديها أمام صدرها، كانت ملامحها لا تُفسر في الواقع، أطلقت قهقهة عالية فهما يبدوان كمهرجين، ويبدو أنهما قد نسيا وجودها أيضاً، إبتسم الأثنان ثم شرعا بالضحك كذلك، يبدو أنها ستكون جلسة رائعة، كما يأملون.
  ___
وصل إيهاب بعدهما بوقت قصير وبرفقتة تالين، عرفهم همّام على بعضهم، وجلس الأربعة الى بعضهم على الطاولة، بعد وقت قصير غيّر إيهاب مقعده  ليقترب من همّام وكان يرمقه بنظرات مُتلاعبة، فهم الأخر مغزاها فوراً، وكان كلما قال همّام شيئاً أو إبتسم لسيرين وجد إيهاب يضربه بقدمه من تحت الطاوله او يُلصقُ كتفه به ويحركه بشكل ملحوظ قاصداً إزعاجه، عندما فاض به الكيل سحبه من يده يأخذه الى الخارج، تحت النظرات المُتسائلة للثلاث الجالسات بالطاولة، هذا الأحمق لن يتركه وشانه على ما يبدو..
 _دفعه ليقف أمامه مُفلتا يده وهمس محاولاً كتم غيظه: مالك إنتا يا مان!..
_مالي!، ردد إيهاب ببرود..
_بتضرب من تحت التربيزة وتعمل حركات من قبيل مالك ؟..
_ قهقه إيهاب وهو يقول: عشان م تقع بتُقلك يا مكنة، شايفك راقد بكلو همس قريباً من أُذنه..
_ضربه همّام بقبضته عندما لم يجد رداً مُناسباً له، راح إيهاب يُمسد يده حيثُ تلقى قبضة همّام ويقول: ناقشك من زمااان أنا..
_ضحك الأخر وهو يغطي وجهه بيده ويهزّه بإحراج، عاد ينظرُ لصديقه مُجدداً ليجد تلك الضحكة التي كانت مرسومة على ثغره قد إختفت وحلّت مكانها نظرة لا تُفسر، كان بؤبؤ عينيه يهتزّ بقوة وهو مُركزْ بصره لما خلف همّام الذي إلتفت متسائلاً لنفس الأتجاه، ليجد "يوسف" يقتربُ منه برفقة عروسه "أسيل" التي كانت مُتأنقة وبكامل زينتها وحلتها كحال كُل عروس، إقترب منهما يوسف يبتسم ويلوح لهما، أطرق إيهاب رأسه بألم حين لمح أصابعهما المتشابكة ببعضها، لاحظ همّام ذلك ورأى تلك النظرة وذلك الحنين بعيني "أسيل" اللتان إلتمعتا بوضوح حين وقعتا على ذلك الواقف بجانبه، والتي حاولت إخفاءها قدر المُستطاع، ألقى يوسف التحية عليه ثم على إيهاب ليُحيه الأخر بشكل مُقتضب، بينما أسيل صامتة مُثبتة عينيها على موقع قدميها، "لما الجو متوترٌ هكذا؟"سأل نفسه حائراً. تحرك الأربعةُ متجهون إلى الداخل، ما زال يوسفُ ممسكاً بيدها يُساعدها على السير حتى لا تتعثر بحذائها ذو الكعب العالي والرفيع جداً، بينما كان همّام الذي يسيرُ أمامهما هو الوحيد الذي يتحدث، أخبرهما بأنه دعى فتاة ممُيزة بالنسبة له حتى لا يتفاجئوا بأحدٍ غريبٍ بينهم، أما إيهاب فكان يسيرُ مُتأخراً بخطوات ثقيلة، يشعرُ أن قلبه يعتصر ألماً، مرّ بذاكرته ذلك اليوم الذي زاره به يوسف يعتذرُ منه خجِلاً، كان قد أخبره أنه تجاوز كُل شئ فعلاً، لذا لا يجب أن يضُعف الآن، حتى وإن إضطر للتظاهُر، تنهد بصوت مسموع ليرفع رأسه ينظرُ أمامه فتتعثر خطواتها في نفس اللحظة التي وصل فيها صوت تنهدّه الى مسمعها، أربكتها التنهيدة المُفاجئة التي اطلقها من خلفها مُباشرةً فكادت تسقط وكاد قلبه هو يسقطُ معها، وجد نفسه تلقائيا تحرك نحوها كرد فعل سريعٍ ليُسندها لكن ذراع يوسف التي سبقته إلتفت حول خصرها لتُثبتها، كانت أسرع منه، تسارعت أنفاسه وشعر بالضيق الشديد خاصةً حين رآه يقترب ليهمس بأُذنها كلماتٍ ما، لم يسمع ما قاله لكنه توقع أن يكون طلب منها الإنتباه لخطواتها، لأن هذا ما كان سيهمس به هو لو كان مكانه، تنحنح ليستأذن ويعود خارجاً من المحلّ مُجدداً، سيختنق إن واصل هكذا..
 __
_إتخيلي نفس الصورة لقتها عندها، وطلعنا بنبقى لبعض، أنهت سيرين جملتها وهي تصفِقُ كفيها ببعضهما، بينما تالين تطالعهما مذهولة من تلك الصُدفة التي جمعتهما ببعضهما لتكتشفا لاحقاً أنهما قريبتان، قاطع حديثهم همّام وهو يطلبُ منهنّ الترحيب بالمحتفى بهما، وقفت أميرة وتالين تبتسمان تتبعهما سيرين التي إلتفت مُسرعة ترسم إبتسامة مُرحبة سُرعان ما أختفت، صافح يوسف تالين وأميرة، ترك يدّه مُعلقة بالهواء حين وقع نظره عليها، توقف المشهد لعدة ثوان وهما متجمدان يتبادلان النظرات، لتهمس سيرين بصدمة بعدها وبصوت مسموع: جُـ..جُوزيف!!..
  ___
_سيرين سيرين إنتظري، في شنو؟، مالك ماشة فجاءة كدا؟.. ناداها همّام من خلفها وهو يُسرِّع خطواته محاولاً اللحاق بها، لم تُجب على نداءته ولم تتوقف إلاّ أمام سيارتها وهي تبحثُ عن المفاتيح بحقيبتها وكانت يداها ترتجفان، زفرت بضيق وهي تُمرر أصابعها على شعرها تُعيده إلى الخلف بتوتر، لقد نسيتْ مفاتيحها اللعينة في الداخل، إلتفتت تهمّ بالرجوع الى هناك لتتفاجأ بهمام الذي كان يقف خلفها مُباشرةً، أشاحت بوجهها في نفاذ صبرٍ وهي تلعق شفتيها اللتان جفّتا بشكل مُفاجئ، بينما تطوي يديها أمامها، عادت تنظرُ إليه لتُباغته بالإجابة قبل أن يسأل حتى..
_أسفة، م ح أقدر أرجع..
_ وقف يتأملها لبعض الوقت، مغادرتها المُفاجئة مع وصول يوسف وعروسه، وما أخبرته به أميرة أنها خرجت من علاقة فاشلة لتوها، كما أنه قد غاب عن باله تماماً أنه رآها أول مرةٍ بحفل زواج صديقه نفسه، ياله من غبي، كيف لم يربُط كل هذه المعلومات ببعضها قبل أن يضعها بهذا الموقف هنا، إنه خطأه هو وحده، إن شعرت بأي ألم ولو مجرد وخزٍ بسيط في قلبها فإنه السبب، كيف سيستطيع مُسامحة نفسه الأن كيف!.
 أطرق رأسه بائساً متأسفاً لينسدل شعره الكثيفُ شديد السواد على وجهه يُغطيه، بدا كجرو لطيف، جروٍ كبير الحجم، وكان سيأثر قلبِ أي فتاة تقفُ أمامه في هذه اللحظة وتراه هكذا، شعرت بنبضاتها تتباطأ، لا تستطيع إبعاد عينيها عنه، رفع وجهه بشكل غير مُتوقع لتلتقي عسليتيها بسوداويتيه، في هذه الثانية بالضبط إنفجر قلبها، أحست بشعور غريب يسري في كل جسدها، عادت نبضاتها تتسارع ولكن ليس بسبب التوتر هذه المرة، في هذه الثانية وهذه اللحظة فقط أدركت أنها تورطت بالفعل ووقعت بحبه ..
 لم يفهم لما تُحدّق به بهذه الطريقة ولم يفهم سبب تورد وجنتيها المُفاجئ، هناك بعضُ حبات العرقِ تتلألأ على جبينها أيضاً، أشاحت بوجهها بسرعة، عقد حاجبيه متعجباً، كان يحاول البحث عن كلمات مُناسبة يعتذرُ بها وردات فعلها الغريبة تجعله يتوه، بينما الأخرى تُحارب شعورها، فقد كان هناك صراعٌ قوي يحتدمُ داخلها، "سيرين" ناداها لتلتفت إليه مُجدداً وتلتقي نظراتهما مُجدداً، وينفجر ذلك الشعور بقلبها مُجدداً..
_زفر وهو يقول: أنـ..
_قاطعته بوضع سبابتها على شفاهه تمنعه من الإكمال، نظر إليها لتُطرق رأسها بخجلٍ دون أن تُبعد إصبعها همست مٌستسلمة "كُف عن هذا" عقدّ حاجبيه لا يستوعب ما همست به، علا صوتها قليلا لتُكمل:"لا تعبث بقلبي هكذا".
  ___
 تراقبه بتفحصٍ منذُ جلوسهما، ظل على هذا الوضع مذّ غادرت تلك الغريبة المكان مُختنقة متضايقة، كان الألم يبدو جلياً بعينيها، مثل ألمه الأن، واضح أنها لم تتوقع أن يأتي حبيبها السابق مع عروسه التي فضلها عليها وتزوج بها بدلاً عنها إلى هنا، في الواقع هذا موقف مُحرجٌ جداً ومؤلم كذلك، هه إبتسمت بسخرية وشماتة، نعم هي تعلمُ جيداً من كانت، تلك هي التي كانت تناديه ب"جوزيف"، بينما كان يوسف يجلسُ وعقله بمكانٍ أخر تماماً، يُفكر بشرود، عيناه مُثبتتان بنقطة ثابتة في الفراغ، لم يحِد بصره عنها ولا ثانية، أما هي فعيناها مُثبتتان عليه، إبتسمت بمرارة لتُبعد  نظرها عنه أخيراً، إنه يعلم الأن ما أمرُّ به، ليذُّق قليلاً مرارة الحنين لأحدهم، حتى لا يعود للومها بعد اليوم، ولا يحاول إختلاق كل أنواع المُشكلات معها وبشتى الطرق.
 تتبادل تالين وأميرة الجالستان أمام هذين الإثنين النظرات الحائرة المُتسائلة، لا تفهمان ما يحصل لكن واضحٌ جداً التوتر الكبير بين هولاء الرفاق، تالين تعلم بقصة أسيل وشقيقها الذي فضّل البقاء خارجاً منذُ وصولهما، لكن لما تلك المدعوة سيرين غادرت بهذه الطريقة المُفاجئة، ولما يوسف يبدو هكذا، قاطعت أفكارها أميرة وهي تسألها بتردد تهمس..
_إيـ..يهاب مـ..مشى ولا شـ..شنو؟..
_قبل أن تُجيبها تالين لاحظت تلك النظرة التي رمقت بها أسيل أميرة، إبتسمت تالين بتلاعب إبتسامة جانبية، تغار عليه هاا، بالرُغم من جلوس زوجها بجانبها لا تزال تتوهم بأن لها الحق في أن تغار عليه، تعرف جيداً كيف عليها التصرُف مع هذه المخلوقة الأنانية، راحت أسيل تُطالع أميرة بتفحص، سؤالها منه، إلتصاقها بشقيقته، هل هي الفتاة التي ذكرها يوسف سابقاً؟، هذه الطفلة الهزيلة صاحبة العينان المُتسعتان هي التي حلّت محلها بقلبه!، لا تُصدق..
_أشارت تالين وهي تُجيب وإبتسامة جانبية ترتسم على ثغرها: مشى من الجهة دي، قال عايز يشُم هوا..
_اهاا ردت أميرة وهي تنظر للإتجاه الذي تُشير إليه تالين، وكانت الأخرى تحرقُّ أميرة بنظراتها، نظرة خاطفة من تالين لتتسع إبتسامتها وتعود تكمل: أمشي شوفيه مالو إتأخر، م يكون غِرق هيهيهي، إرتبكت أميرة وهي تنفي برأسها ويديها لتهمس الأخرى بالقُرب من أُذنها: أنا م بقدر أقوم وأخلي يوسف وأسيل براهم معاك، إنتي م بتعرفيهم معرفة شديدة كدا عشان تتونسي معاهم، أحسن أمشي فتشي إيهاب وأنا بقعد معاهم، ولا رأيك شنو، فكرت أميرة قليلاً لتومئ موافقة على كلامها، همّت بالوقوف لتُغادر المكان بعدها..
  ___
نفث دخاناً كثيفاً في الهواء، إنها السيجارة الثانية التي يُدخنها بدون أن يشعر حتى، تنهد وهو يخرجُ كفه من جيب بنطاله ليرى كم الساعة، لقد غادر هكذا فقط، وبشكلٍ غير لائق أبداً، جرّ نفساً عميقاًً وقبل أن يُخرجه سمع إسمه يُنادى من خلفه..
 _إلتفت لينفُث دخان سيجارته وهو يطالع أميرة تقترب منه، من أين خرجت هذه ومالذي جاء بها الأن ؟؟..
كان يقفُ مُتكئاً على حائط المقهى الخلفي يُطالع البحر بشرود ويُدخن سجارةً عادية حين نادته، وصلت تلهثُ لتتكئ هي الأخرى على الحائط وتأخذ نفساً، فكان إيهاب ينظرُ اليها ينتظرُ بترقب ما ستقوله، عندما لم تقُل شيئاً عاد ينظر للأُفق الذي يفصل بين السماء والبحر مُجدداً، وينفثَ دخاناً كثيفاً، إنه يُصبح شرهاً بشكل مُخيف عندما يشعرُ هكذا..
_مـ..مالك واقف هـ..هنا؟..
_إبتسم فتلعثُمها يجعلها لطيفة جداً تُشبه الأطفال، مهلاً هي طفلة حقاً، كم تبلغ؟، هل أكملت عامها العشرين؟ ردّ بعد صمت قصير وهو شاردٌ بعيداً: المنظر عجبني بس، رفع سجارته إلى شفاهه وكانت عيناها تتبعان حركة يده بضيق، قالت وهي تُبعد عينيها عنه تنظر لنفس المكان: مـ..ما عـ..عـ..عارف إنو السجاير مُـ..مُضرة بصحتك!، ح تقصر عُـ..عُمرك لو واصلت تسجر كـ..كدا..
 _ إبتسم يكتم ضحكاته وهو ينظرُ إليها عابسة بجدية تُلقي عليه النصائح الثمينة، رمى سجارته أرضاً ليطأها بحذاءه ويسحقها، أدخل يداه بجيوبه وعاد يتكئُ ويقول: عدم التدخين مُضّر أكتر من التدخين نفسو..
_كـ..كيف!..قالت وهي تُحدق به مُتسائلة..
_ضيق عينيه بألم وأجاب بصوت بعيد: لأنو بخليك تعيش لمُدة أطول حياة ما ليها أي لزوم..
 حاولت فهم كلماته، ما يقوله يبدو مُعقداً جداً بالنسبة لها، إستسلمت في النهاية وعادت تطالع مشهد النيل الجميل أمامها.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《14》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "زلابينو":-
_دي قصتك مع يوسف يعني!؟، قال همّام يومئ برأسه مُتفهماً، كان يطالع أمامه بشرود ويصغي بإهتمام لكُل ما قالته، حكت له سيرين عن إرتباطها ب-جوزيف كما تناديه- عندما كان بتُركيا يُحضر الماجستير في هندسة العمارة، فقد حصل على منحة بجامعة بليجيك نظراً لتفوقه، وكانت سيرين تدرسُ بنفس الجامعة في سنتها قبل الأخيرة، قالت أنهما قد إلتقيا مراراً في حرم مبنى الجامعة الرئيسي، تبادلا النظرات وشعرا بالراحة والإنتماء، ثم تبادلا الأرقام فالإعجاب، حكت له لمحةً عما عاشته مع صديقه لمدة عامين كاملين، صُدم همّام قليلاً، يوسف صديقه الطيب المُقرب، سيئٌ في رواية أحدهم!، لكنها علاقة وقد إنتهت، بحلوها ومُرّها، ألن يكون شيئاً مُبتذلاً أنه واقع بحبها الأن!؟، ويريدها مستقبلاً، وبشكل جاد فقد تجاوزاً حقاً مرحلة الإرتباطات العاطفية وعلاقات الحُب وقصص المُراهقين تلك، أو بشكل أصح قد عاشها مرةً من قبل، مع سارا، قبل ثمان سنوات، هو الأن في ربيعه الثالث والثلاثون، وليس من العادل تسميتها جميعا بالربيع؛ فالسنتان اللتان تلتا وفاة حبيبته كانت جحيماً بالنسبة له، إلتفت يُطالع تلك الواقفة بيمينه ممتناً، يشعرُ بعد أن قابلها أنها إنتشلته من ذلك الجحيم، إلتفتت هي الأُخرى لتلتقي أعينهما، إبتسمت له ثم قالت: وأنت!، أميرة كلمتني إنو زوجتك متوفية..
_زمّ شفتيه وأخذ نفساً عميقا وعاد ينظرُ أمامه، حركّ أصابعه على شعره  بشرود..
_إتوفت ليها سنتين ..
_ربنا يرحمها، قالت متأثرة ..
_خلت لي أحلى هدية ممكن أكون حصلت عليها في حياتي، أكمل يُطالع نقطة في الفراغ شارداً بحزن: ..جوان وليلى، تنهد بصوت مسموع ثم تابع: زواجنا دام تمانية سنوات، وحبينا بعض قبلها قريب التسعة شهور..
_متواصل مع عايلتها وأهلها في الوقت الحاضر؟.
_أومأ همّام برأسه ثم قال: كان في خطط إني أعرس أُختها الأصغر منها طوالي، عشان مصلحة البنات وعشان تبقى ليهم أُم..
_والحصل شنو؟، سألت بصوت مُحبط بعض الشئ..
_زفر وقال: م قدرت، إتراجعت، قلبي م قدر يخون ذكريات حُبها، حتى بعد رحيلها، ساد الصمت لثوانٍ قليلة، ليكسره صوته وهو يقول: كانت أكتر فترة ضاغطة مريت بيها في حياتي، إلتفت يُطالع عينيها ليوصل إحساسه بشكل أكبر: كنت بحس بوجع في قلبي، مُختلف عن أي وجع حسيتو قبل كدا..
_إبتسمت بحُزن وأطرقت رأسها دون قول كلمة، شعرت بخيبة كبيرة، لقد وقعت بحبه للتو وها هو يُخبرها أنه لم يتجاوز حُب زوجته المتوفية، ويوصل إليها أنه لا يُريد تجاوزه أصلاً، يال شقائها، لعنة النحس هذه يبدو أنها سترافقها طوال عمرها، إنتبه همّام أنه أسرف في إيصال مشاعره وألمه، إنها من ينبض لها قلبه الأن وليس من العادل أن يُذّكر نفسه بحبه القديم وهي واقفة بقربه..
_إنتِ عارفة أول مرة شوفتك فيها متين؟..
_فكرت قليلا لتُجيب: لمن جيت أشوف أميرة، ضحكت ضحكة صغيرة لتتابع: واتهجمت عليك وشاكلتك وشتمتك وقتها..
_إبتسم لتلك الذكرى المضحكة ليحرك رأسه نفياً بعدها ثم يقول: شوفتك في الصالة يوم عرس يوسف..
 اتسعت عينيها بذهول، راحت تنظرُ إليه حائرة حين تابع: وشوفتك هنا بعدها، بتذكر إتصادمنا قدام الباب، بدأت نبضاتها بالتسارع، هذا الرجل يعرفها من وقت أبعد بكثير مما ظنت، هل يُحتمل أنه!!..
_وبحب عطر الليمون البتعمليهو دا، قاطع تفكيرها يبتسم ونظرة عميقة على عينيه ليتابع واضعاً كفه على صدره: عندها تأثير خاص على قلبي..
_أخذ صدرها بالعلو والهبوط، تُطالعه متفاجئة مندهشة، إدراكها أنه يُبادلها نفس المشاعر، هذا يبدو كمعجزة، إنه يُكنّ لها المشاعر قبل أن تعرفه حتى..
 بدا المشهدُ متوقفاً وهما يتبادلان النظرات التي تحمل كلمات قلبيهما، صمتٌ لا يكسره إلا أصوات تلك الطبول التي تُقرع بداخلهما، ليأتي صوت بوق سيارةٍ بشكل مُفاجئ ينتزعهما من ذلك العالم الجميل الذي كانا به فتختفي كُلُ الفراشات والأزهار والغيمات الوردية التي كانت تحوم حولهما، راح الإثنان ينظران للجهة التي أُطلق منها البوق، يلوِّح لهما أحدٌ ليترجل من السيارة وهو يضحك، فتبدو غمازته المحفورة على خده الأيسر جليةً حتى من ذلك البُعد وتلك المسافة..
_أُسامة نطق همّام وهو يغطي وجهه بيده يُحركه يُمنة ويُسرى، يُدرك حجم المعاكسة التي سيتعرض لها من هولاء الحمقى، إنه واقعٌ في ورطة.
 إقترب منهما أُسامة ليتبادلوا التحية ثلاثتهم، ثم يُعرفهما همّام على بعضهما والأخر يرمقه بنظراتٍ مُربكة وإبتسامةٌ عريضة وبلهاء مرسومه على وجهه، وكلما تواصلا بصرياً حرّك أُسامة حاجبيه بطريقة مُضحكة.
 _
 دخل همّام برفقة أُسامة، أما سيرين فقد ودعتهما وأنصرفت، رُغم إلحاح همّام عليها كي تبقى.
_
 _شبااب أُسامة وصل أخيراً، قال همّام وهو يُصفق لينتبه الجميع، ألقى أُسامة التحية وأعتذر عن تأخره، وقعت عيناه على تالين، إبتسم وهو يتنهد بإرتياح، هي أكثر شخصٍ رغب برؤيته، من بين الجميع هنا..
 في نفس اللحظة وصل إيهاب وبرفقته أميرة، ألقى عليه إيهاب التحية "أووو جنابو أُسامة" وأقترب منه، أما أميرة فجلست بمكانها قُرب تالين، وبشكل عرضي مرّ بصرها على أسيل لتجدها ترميها بنظرات غير مُريحة، وعندما إلتقت نظراتهما أشاحت أسيل وجهها بحدّة، تعجبت أميرة تحاول التفكير فيما أزعجتها أو ضايقتها فلم تجد شيئاً، تجاهلت الأمر وبدأت تحدث  تالين التي كانت مُبتسمة إبتسامة عريضة، تشعرُ أن غليلها قد شُفي قليلاً، تحبُ كيف جعلتها تشتعل غيرة وترمي أميرة بتلك النظرات، كانت علاقتهما مُقربة سابقاً فهما بنفس العمر تقريباً، لكنها لم تُدرك أنانيتها إلا اليوم، عادت تنظرُ اليها مُجدداً والأخرى عابسة الوجه منعزلة عن الجميع لا تُحدث أحداً ولا تبتسم حتى، أما يوسف فقد تحسن قليلا عمّا كان عليه حين وصوله، يتبادل أطراف الحديث معهم، ويرسم إبتسامة باهتة يحاول بها إخفاء -ما يخفيه- أفاقت من خيط أفكارها على صوت المقعد الذي بيسارها يُحرك، إلتفتت بسرعة لتجد أُسامة يهمُّ بالجلوسِ جوارها، إبتسم وهو يغمزها، تعجبت تتسع عينيها وتُعقّد حاجبيها بتساؤل، هذا الفتى مجنون، ألقت نظرة على جميع الجالسين، لم يُلاحظ أحدٌ ما فعله، أعادت بصرها إليه ونفس النظرة مرسومة على عينيها، إبتسم وقال: كيفك تالين..
_ب..بخير الحمدلله وأنت ؟..
_مضغوط شوية بس حالتي اتحسنت الان، وقبل أن تقوم بأي ردة فعل مال إلى الإمام قليلاً يطالع أميرة ويلوح بيده يسألها عن حالها، فأجابت أنها بخير كذلك..
  ___
ظل "يوسف" يشردُ بعيدا بين الحين والأخر، يتذكرُ لقائهما سابقاً، قبل إنصرافها متوترة حين رؤيته، هو الأن يسأل نفسه ما مشاعرها إتجاهه، كانت علاقتهما تسيرُ بشكل مثالي، ليعود بعدها إلى السودان، يحاول إقناع والديه وإخوته الذين يكبرونه فيرفضونها بشدة كزوجة له، يستسلمُ سريعاً-فهو منذُ صغره كان الابن الهادئ المُطيع المراعي لكلمة من هم أكبر منه، لم يعتدّ مُجادلة والديه أو مخالفة أوامرهما، وكان الإبن المُدلل دائماً والأخ المُدلل كذلك، وذلك نسبة لفارق العمر الكبير بينه وبين من يكبرونه من إخوته، فقد أنجبته والدته بعد عشرة سنوات كاملة، كانت تحاول فيها الإنجاب لكن الطفل يُجهض في كُل مرة، حتى دراسته الهندسة المعمارية لم تكن رغبته بل رغبة والده-ليتصل بها بعد ذلك يطلب منها أن يُنهيا ما بينهما، يُخبرها  بانهما غيرُ مناسبين لبعضهما وأن والديه يرفضانها رفضاً شديداً، طلبت منه تبريراً لسبب الرفض، وطلبت منه أن لا يستسلم ويحاول معهما مراراً وتكراراً حتى يستسلما في النهاية ويرضخا لرغبته لكنه رفض يتحجج بانهما عنيدان جداً، وتغير رأيهما أمرٌ شبه مُستحيل، صمتت بعدها، يذكرُ سماعه لشهقات بُكاء مكتومة على الهاتف، فتشتمه بعدها وتخبره أنه كان أكبر خطأ وأسوأ قرارٍ إتخذته في حياتها كان خوض هذه التجربه معه، وقبل أن يقول شيئاً أغلقت بوجهه، ليجد نفسه بعدها محظوراً من كل وسيلة تواصل قد تقوده لها، سيرين تلك الأنثى القوية، أبكاها في ذلك اليوم وتلك اللحظات، يذكرُ الأن أنها أخبرته ذات يومٍ تصف نفسها، قالت له أنها لطالما كانت صادقة ومُخلصةً في مشاعرها، لا تُجيد اللف والدوران كما أنها لا تُجيد المُجاملة، فإما أنها تُحبك، أو لا وجود لك في قلبها، أخبرته أنها لا تؤمن بالحيادية في علاقات الحُب ولا وجود للون الرمادي في قاموسها، إما أن تكون الأبيض أو الأسود، يشعرُ بالكره الشديد إتجاه نفسه، دائماً ما تذكره بضعفه، نفسٌ الضعف الذي لم يستطع التمسُك بها بسببه، نفسُه يجعله غير قادرٍ على التخلي عنها ونسيانها وتجاوز ذكراها بسببه أيضاً، تنهد ليرفع عينيه ويخرج من دوامة التفكير التي يدور بها فيجد همّام يُطالعه بتفحص، تلتقي نظراتهما فيتعجب من سبب تلك النظرات التي يرمقه بها، فيبتسم همّام بعدها ويبعد سوداويتيه عنه.
  "لا حُب بلا حرب".
  ___
إنقضى اليوم، وتأخر الوقت، وحان وقت الوداع، صنعوا ذكرى سعيدة بهذا المقهى الذي يجدرُ بهمّام تسميته مقهى الذكريات، أما البعض فصنع ذكرى تعيسة ومرّ بتجربة لن يرغب بتكرارها أبداً، كان أُسامة أول من هبّ واقفاً ليغادر، ألحّ عليه البعض ليبقى قليلاً بعد، إعتذر مُعللاً بأن دوامه يبدأ بوقتٍ مُبكر، في تمام السادسة صباحاً بالضبط، ألقى نظرة أخيرة على تالين، تلك الجالسة جواره بهدوء، تنهدّ هو حقاً لا يود المغادرة مُبكراً هكذا، كيف يتركها جالسة ويغادر هكذا وبكل بساطة، أدخل يده بجيب بنطاله، ثم الجيب الأخر، تلفت حوله وهو يقول: أنا ختيت تلفوني وين!؟، أخذ الهاتف الذي بالطاولة أمامه يتظاهر بعدم معرفته لصاحبه وهو يقول: دا تلفون، عايز أرنّ في تلفوني ..
_دا حقي، أجابت تالين وهي تمدُ كفاً أليه، ليعطيها الهاتف وتفتحه له، أخذه ورنّ سريعاً، جاء رنين هاتفه من الجيب الخلفي لبنطاله، أخرج لسانه بمرح وأعاد الهاتف الى صاحبته وهو يقول: تخيلو بس..
 تحرك الثلاثة يرافقونه الى سيارته، حانت نظرة عرضية من تالين إليهم، إلتقت كحيلتيها بعينه، وكأنه كان ينتظرُ هذا، غمزها مُجدداً لتصلها رسالة على هاتفها، أبعدت عينيها عنه إلى شاشة هاتفها لتجد محتواها " سجلي عندك، أُسامة" رفعت عينيها إليه وقد أدركت لعبته، لكنهم كانو قد غادروا فعلاً، وفي الخارج وأمام سيارته وقبل أن يُدير مفتاحها ليُشغل المُحرك، إبتسم بإنتصار وهو يسجلُ إسمها ليهمس بعدها "تالين".
___
في مساء ذلك اليوم وبعد عودة الجميع الى منازلهم، كانت أميرة قد أستلقت على فراشها أخيراً، تأوهت بتعب وانقلبت تستلقي على بطنها وتحتضنُ وسادتها، حركت قدميها قليلاً وقد أسبلت جفنيها إستعداداً لتنام، بدأ جسدها يسترخي، لينزعها من كل هذا صوت هاتفها الذي بدأ يرنّ، تأففت، من يتصل بمثل هذا الوقت، إتسعت عيناها متفاجئتان حين رأت إسم المُتصل "رؤى" بدأت يداها ترتجفان، خرجت تركضُ مُسرعة الى غرفة همّام، طرقت الباب وقبل أن يأذن لها فتحت الباب لتدخل وتجده يرتدي بنطالاً قصيراً وصدره عارٍ؛فقد كان يُبدل ملابسه..
_في شنو؟ مالو وشك دا عامل كدا؟..
_د..د..دي رُ..رؤى يا همّام..
_رؤى!!، ترك كُل شئ وأسرع يقتربُ منها وهو يشيرُ بيده " رُدي، رُدي"..
 ردت أميرة، أتاها صوتُ رؤى هادئاً، سألتها عن حالها، فأخبرتها الأُخرى بأن هاتفها قد سُرق وأنها قد إبتاعت هاتفاً جديداً اليوم، كما أنها قد أغلقت بطاقات الهاتف القديمة في نفس اليوم الذي سُرق فيه الهاتف، وأستخرجت أُخر غيرها لكن بنفس الرقم، وأنها ما إن وضعت البطاقة حتى وردت رسالة تُخبرها بأن هذا الرقم إتصل عدة مرات، هو وبعض الأرقام غيره، سألتها أميرة أين أختفت هكذا فأخبرتها بأنها بمنزل صديقة، بإحدى الأحياء الطرفية..
_رؤى، أ..أنا مُـ..مُحتاجة مـ..مساعدتك..
_في شنو انشاءالله خير..
_أ..أمين بـ..بـ..بهدد فيني..
_ليه!، لتُضيف قبل أن تُجيبها الأُخرى: ما تقولي لي بسبب موضوع العرس داك..
_أي بس..
_شكلها "ثناء" م حسمت الموضوع..
_كـ..كيف!..
_لمحّت ليها هه، قلتا ليها انو أمين عينو زاغت لازم تفتح عيونها كويس، وشردّتا بعدها، خليت الداخلية ومشيت حتة ماف زول ح يعرفني فيها، لأنو بعد تهزأو ويعرف إني الكلمتها م ح يرحمني..
_و..و..وطـ..طيب كلمتيها ليه!..
_لأنو إتجرأ وطردني، بعد الخمس سنوات الأخلصت ليهو فيها دي، لا كليت لا مليت وما حصل غلطت أو جبتا ليهو إيراد ناقص، اللهم إلا مرتك الأخيرة الضيعتي لي فيها البضاعة دي..
_وهـ..هسي لو قـ..قبضك!..
_أنا أصلا بُكرة مُسافرة راجعة البلد، بكون خلص تفتيشو عني هناك، وما أظن يرجع يفتشني في نفس الحتة تاني..
 أشار إليها همّام أن تسألها عن إسم الحي الذي تختبئ به الأن، فهمت أميرة إشارته وسألتها بالفعل لكنها رفضت أن تُجيب، أخبرتها أميرة أن الشرطة تحتاج إعترافاتها وإدلاءتها ضد أمين فرفضت بشدة أيضاً.
_ما بقدر يا أميرة، صاح إني شايلة عليه حالياً بس ما لدرجة أشي بيهو للشرطة، وبعدين كدا انا ح أثبت نفس التُهم على نفسي، لأني كنت شغالة معاه، وعقوبتي إحتمال تصل للسجن خمسة سنوات..
 أشار إليها همّام أن تُنهي حديثها معها..
_تنهدت أميرة تتظاهر بتفهمها، ثم دعت لها بالتوفيق في أيٍ ما كانت تقوم به ..
_خـ..خلي بـ..بـ..بالك على نـ..نفسك..
_وإنتِ كمان، أمين زول خطير، أنا شايفة أحسن تقبلي عرضو..
_مُـ..مُستحيل..
_زفرت الأُخرى بصوت مسموع على سماعة الهاتف، صمتت قليلا لتقول: خلاص سافري أي محل ولو برا السودان أحسن، لأنو م ح يسيبك.

 

           *****
  "صباح اليوم التالي":-
 "شركة بابلو للإستيراد والتصدير":-
 دلفّ إلى مكتبه للتو، أخذ يُدخن سيجارة وهو يتفقد بعض الأعمال، ليرنّ هاتفه، كان لديه مجموعة من الهواتف في الواقع، ومن كل الأنواع فهذا ما يقتضيه ليكون أمناً، فلا يتعرضُ للتعقُّب أو التجسس او التتبع، هذا الهاتف الصغير غير الزكي الذي يرنّ ينبئهُ بأنه أحد رجاله الذين يرسلهم لاداء مهمات مُختلفة، من إيجاد أحد المروجين الهاربين إلى تصفية أحدهم وبدون رحمة..
_نعم، رد وأعاد سيجارته إلى ما بين شفتيه..
_ "إسكوبار"، واحد من رجالنا قال شاف البت الطلبتا مننا نفتشها ليك، قال شافها في (**)..
_إبتسم أمين مُنتصراً حتى بدت أنيابه، نفث ما بصدره ثم قال: جيبوها لي..
_حاضر..
_أطفأ أمين سيجارته على المنفضة، رمى جسده على المقعد ليضع قدماً فوق الأُخرى، هزّ رأسه بوعيد وشرع يقهقه بصوتٍ عالٍ ضحكة خبيثة مُخيفة، بدا مُختلاً تماماً.
 بعد أن أوشك موضوع رؤى أن يُحل، سيتفرغ الأن بشكل كامل لتلك المراوغة الصغيرة، والتي تُعجبه كثيراً، رُغم معرفة الجميع كيف يكره أمين المراوغين والمُخادعين، وكرهه الشديد للمماطلة، وأما أولئك الواشون فهم أكثر من يبغضهم، ورُغم إجتماع كُل هذه الصفات بأميرة؛فهي لم تكف عن مماطلته وخداعه منذُ ذلك الحين الذي كذبت فيه بشأن حُزمة الممنوعات التي أضاعتها، فقد إكتشف كذبها فوراً، لكنه جاراها وقال ليرى نهاية الأمر، كما أنها وشت به للشرطة أيضاً، لكنه لا يزال يُفكر بها، مُعجبٌ بها جداً، تروقه كثيراً وسيحصل عليها أيّاً كان ثمنُ ذلك، سوف تُصبح ملكه وبين يديه، مع لعثمتها المُحببة تلك وعيناها الواسعتان، شفاهها الصغيرة المُرتجفة، وجسدها النحيل الذي ينتفضُ خوفاً بأكمله ما إن يقتربُ منها، كُلها سيحصل عليها، إتكأ برأسه إلى الخلف على مقعده، بدت تفاحة آدم التي تتوسط عنقه بارزة بوضوح، تحركت مع نفثه لدخانٍ كثيف وهمسه: ح تضطريني أجيبك بطريقة تانية م ح تعجبك، و ح تكرهيني شديد بعدها، بس المُضطر بركب الصعب زي م بقولو أكمل جملته بإبتسامة جانبية خبيثة، تُنبئ بسوء ما ينتظرُ أميرة.
   __

 "أحد الأحياء الطرفية بالعاصمة":-
 كانت البيوت مُتهالكة،وأغلبها من الطين "جالوص" وقد يُقابلك أحدها بدون باب، فقط صفيحة معدنية مُسطحة توضع طولياً لتستر من بالداخل "زينكي"، نوافذ مُطلة على الشوارع، وشوارع سيئة مليئة بالحُفر، مياه راكدة رائحتها تشبه رائحة المجارير، زفرت "رؤى" منزعجة من الرائحة وغطت أنفها بيدها، راحت تتلفت حولها مُشمئزة متقززة من المكان، وقع بصرها على ثلاثة شُبان يقفون عند زاوية بقالة مُتهالكة شبه فارغة، وكانو يطالعونها بنظرات قذرة، ألقتهم بنظرات شرارية وأشاحت بحدّة علّها تخيفهم إن أظهرت شراستها وعبوس وجهها، تابعت طريقها تعتصرُ حقيبتها على جسدها تحتضنها بقوة خوفاً من أن يأتي أحدهم بشكل مُباغتٍ وينتشلها، سمعت صوت خطوات مُسرعة خلفها لتلتفت فزعه، إنهم نفسُ الفتية يتبعونها، نظراتهم وإبتساماتهم لا تنبؤ بخير، أعينهم مُحمّرة كالجمر، ليسوا بكامل وعيهم، مؤكد أنهم تناولو شيئاً ما-ممنوعات-سرّعت خطواتها وهي ترفع الوشاح الذي كانت تحيطُ به عنقها وتغطي شعرها ذو الأطراف الذهبية، نظرت لملابسها، ليتها إرتدت عباءة كما أوصتها صديقتها، فقد كانت ترتدي بنطالاً من الجينز الضيق وقميصاً واسعاً من فوقه يصل إلى بداية وركيها، لكنها ممتلئة الجسم، فكان ذلك البنطال يبدو ضيقاً ويصفُ ملامح جسدها بوضوح، شئٌ هي أعتادت على إرتداءه منذُ إرتيادها جامعة (**)، فأغلب طالباتها متحرراتٌ في لبساهنّ، لكن هذا ليس المكان المُناسب لتتباهى بتحررها المزعوم ذاك، همست" ياريتني لبست عباية زي م قلتي لي"  ليرتعد جسدها حين أنطلق صفيرٌ عالٍ من خلفها وتجد يداً تمتد وتُحكم قبضتها على ذراعها التي آلمتها بشدة، تأوهت تحاول إفلات يدها لكنه جرّها بقسوة لتصتدم بجسده، ملأت رائحةٌ كريهة مُزعحة أنفها، إنهم ثملون تماما، نظرت حولها لتجد الشابين الأخرين يُحيطانها من الجهتين، كانت ملامحهم قاسية ووجوهم مخيفة، إبتسم أحدهم ليسقط قلبها على الأرض زُعراً، فبدأت تصرخ بطريقة هستيرية وتحاول الفكاك؛ علّ أحدهم يمرُّ ويسمع إستنجادها فيساعدها، بدأ الشاب يسحبها بقوة وهي تقاوم، شعرت أن ذراعها خُلعت من كتفها، راحت تبكي بفزع وصوتها يخرج مزعوراً مُتحشرجاً، رفع الشاب يده وصفعها بقوة بعد أن غرزت أظافرها في جلد يده، توقف وهو يشيرُ لصديقاه أن يحملوها، إقترب منها أحدٌ الإثنين الأخرين وأنحنى ليُمسكها من ساقيها، فجاءة ومن العدم توقفت سيارة "مرسيدس" سوداء عند بداية الشارع، ترجلّ رجلان، أقترب أحدهم يصيحُ عليهم يأمرهم بتركها، ملامحه مألوفة، إنه أحد رجال أمين..
 دار حوار عنيفٌ بينهم، وصل لمرحلة الشتم وتبادل اللكمات، إستغلت رؤى الفُرصة لتركض بكل ما أوتيت من قوة، كانت يدها تؤلمها، بينما تعثرت حين دفعها الشاب وقت أن أحتدم الشجار الذي نشب بينهم، فألتوى كاحلها، كانت تعرجُّ وتتأوه مع كل خطوة، لكنها واصلت الركض، لن تتوقف، لن تتوقف أبداً، أمين لن يرحمها، لا شك أنه أكتشف تواجدها هنا فأرسل رجاله ليحضروها، قُطعت أنفاسها وخارت قواها مع وصولها للطريق المُعبد، إرتمت على الأرض وهي تلهثُ بشدة تحاول إلتقاط أنفاسها.
_هيي رؤى، جاءها صوتٌ من خلفها، رأت أحد الرجلين يركضُ نحوها خارجاً من أحد الأزقة.
_لالالالا، راحت تصيحُ مزعورة وتزحفُ نحو الطريق، لمحت سيارة من بعيد تلوحُ في الأُفق، بدأت تلوحّ وهي تبكي وتصيح مِلئ حنجرتها "ألحقووني، الحقووني".
  ___

 "الرياض، الخرطوم":-
 وفي شقة همّام، كانت جميع العائلة ملتفة حول مائدة الأفطار، الجُمعةُ هو اليوم الذي تجلس فيه العائلة بعد خمسة أيام متواصلة من الجري خلف مساعيهم، فكان يذهب للعمل من  يعمل وللمدرسة من يدرُس، كانت ليلى قد بدأت بالتحسن كثيراً، وألم الكسر قد أختفى تماماً، وكانت تجلسُ بمقعدها المُعتاد بين والدها وجدتها، حيثُ تشعر بالدفء والأمان والطُمئنينة، أما جوان فكانت تجلسُ جوار عمتها دائماً، قالت جوان تُحدث والدها ..
_بابا، بُكرة قالو عندنا حصة مراجعة من الصباح..
_بكره السبت، أجاب همّام وهو يدخل قطعة من اللحم إلى فمه..
_اي، قالو لينا تعالو عشان الإمتحانات قرّبت، يوم الأحد البعد الجاي..
_خلاص م مشكلة، بوصلك الصباح للمدرسة، في أي أوامر أو طلبات تانية؟، قال وهو يمضق ما بفمه..
_حركت رأسها نفياً بسعادة لتقول: شُكرا بابا..
_العفو..
بعد صمت قصير أضافت فاطمة تُعقب على كلام جوان: أمشي روضة ليلى بالمرة وشوف أُستاذتها الفاتها شنو من الدروس عشان أراجع ليها في الفترة دي، خاصة الحروف والأرقام أما الأناشيد دي فأنت عارف..
_أومأ همّام برأسه وحول بصره إلى ليلى المُنكّبة على طبق طعامها تأكل بنهم، عادت شهيتها اليها مؤخراً وأخيراً، تنهد بأسى، يعلمُ أنها ستواجه الكثير من الصعوبات في حياتها بسبب عجزها هذا، أخبرته المُعلمة مُتعجبة من ذكائها وتعلمها السريع للحروف، قالت أنها بوصولها للصف الثاني في المرحلة الإبتدائية ستكون قادرة على كتابة جُملٍ كاملة، وبدون أي خطأ إملائي، لكنّ صمتها ربما سيكون عقبة في طريق دراستها، فالقصائد التي يجب حفظها وتسميعها كما هي للمُعلم جزء لا يتجزء من مرحلة التعليم، تنهد مُجدداً وهو يُعيد بصره الى طبقه أمامه، ليشرع في تناول ما تبقى طعامه.
  _
_راحت ليلى تضرب والدها تنبهه لشئ ما وتشيرُ إلى غرفته، ركز همّام سمعه لتصله نغمة رنين هاتفه القابع بغرفته، يال حِدّة سمعها، إستأذن ونهض من المائدة مُتجهاً إلى غرفته، دلفّ ليجد الإتصال قد قُطع، لكنه ما إن حمل الهاتف حتى عاد يرنُّ مُجدداً، ما به أُسامة يُلحُّ في الإتصال هكذا، رد ليضع الهاتف على أذنه فيأتيه صوت أسامة هاتفاً..
_لقينا رؤى..
_وصلتو ليها!، تنهد وأضاف: ووين إنتو حالياً؟..
_في البيت في حي العُمدة، تعال وجيب معاك أميرة..
_في حي العُمدة!، ما في القسم يعني؟..
_قصة طويلة، لمن تجي بحكيها ليك.
 أنهى همّام المكالمة ليحمل مفاتيحه ويخرجُ من الغرفة مُسرعاً، وصل إلى المائدة ليقول تحت نظرات الجميع المُتسائلة..
_أميرة ألبسي أقرب عباية وطرحة وتعالي، مُستنيك في العربية..
_وقفت أميرة دون جدال أو سؤال وأسرعت إلى غرفتها..
_في شنو خلي البت تكمل فطورها ي ولدي، قالت فاطمة مُعاتبة.
_موضوع مُهم ومستعجل ي أمي، إنتو كملو فطوركم ..
 __
في الطريق، بينما همّام يقود كانت أميرة تُطالعه بترقب وحيرة تتنظر أن يُخبرها بما طرأ..
_هـ..همام!، هتفت بإسمه حين طال صمته.
_أيوا..
_في شـ..شنو؟..
_أُسامة قال لقى رؤى..
_لقاها؟؟، لـ..لكن كـ..كيف؟.
_إبتسم همّام بثقة ليقول: تتذكري أمس لمن إتصلت ليك، حاولت أخليك تجرجريها في الكلام لانو مكالمتك كُلها بتكون مُسجلة عند ناس أُسامة في قسم الشُرطة، أتسعت عينا أميرة بتفاجئ، لقد نسيت تماماً أن مكالماتها مُراقبة، لكن مهلاً، رؤى لم تخبرها عن أسم الحي الذي تتواجد به، عادت تنظرُ لهمّام الذي قال قبل أن تسأل هي: تابعو مصدر المُكالمة، وطلعت قاعدة في حي(**)..
_أيواا، صمتت قليلاً لتضيف: طـ..طيب لمن إتصل لي أمين قـ..قبلها، لـ..ليه م تابعو المُـ..مُكالمة كمان؟..
_لأنو أمين كان كاشفهم، موقع المُكالمة كان في سوق (**)، طلع لمكان عام قبل م يتصل ليك..
 رجلٌ زكي، كيف يُفكر في كل هذه الإجراءات لمجرد إجراء مُكالمة، كما أنها لاحظت أنه حريصٌ جداً، يُطبخ كلماته جيداً قبل أن يتحدث، لا يقول شيئاً يمكن أن يُحتسب عليه أو يكون دليلاً، لا يذكرُ كلمة الممنوعات بشكل صريح، كما أنه لا يذكرُ إسم مكان أو شخصٍ يمكن أن يقود إليه، حتى حين أوضح لهم أنه يعلم بكل خططهم لم يقل ذلك بشكل صريح، كان يُلمح فقط، يال ذكائه الحادّ، إنه لحقاً رجلٌ خطير.
  _
أوقف همّام سيارته أمام منزل "أُسامة" كان منزلاً صغيراً ذو تصميم حديث، لاحظ همّام أعمال البناء في المنزل، يذكرُ أن أُسامة أخبرهم بأنه يقوم ببعض التصليحات بالمنزل، فهو يبني شقته الخاصة فوق منزل والديه مُباشرة، قال أنه يود توديع حياة العزوبية هذه فقد أكتفى منها، لقد عاش ثمانٍ وعشرون عاما أعزباً، يريدُ إمرأة حنونة ناعمة يستيقظ الصباح ليجدها تنام بصدره، يذكرُ أنهم ضحكو عليه كثيراً يومها، فقد فاض يه الكيل على ما يبدو، فتح أُسامة لهم الباب، دخل الأثنان، كان المنزل خالٍ يبدو أن والداه غائبان عن المنزل، دلفوا إلى إحدى الغرف ليفتحها أُسامة ويجدو ضابط شرطة أخر لكنها كانت إمرأة، ترتدي الزي الرسمي وتجلسُ قُبالة فتاة مُطرقة الرأس بيأس، لا بد أنها رؤى، أخبرهم أُسامة أن الضابط "حنان" تقوم بإستجوابها، نظرت إليها أميرة بتمعن، إنها رؤى حقاً، رفعت رؤى رأسها لتجد أولئك الثلاثة يقفون أمام الباب، صارت كالمجنونة حين وقعت عينها على أميرة بدأت تصرخ بوجهها وتأمرها بالخروج تقول بأنها السبب في كل ما يحدث، خافت أميرة كثيراً من ردّ فعلها الجنوني، تشبثت بقميصِ همّام تختبئ خلف ظهره مزعورة، اخرجهم أُسامة إلى الصالة الخارجية وجلس معهم..
_دي مالا بتكورك كدا؟، سأل همّام مُتعجباً..
_إتكأ أُسامة على فخذيه وهو يقول: دي حالتها من عرفت إننا وصلنا ليها بسبب مكالمتها مع أميرة، أمس بليل..
_وجبتوها هنا لشنو؟..
 أجابه أُسامة بأنه لا يثقُ بأي فردٍ من أفراد الشرطة في الوقت الحالي، سوى الرائد "حنان" الجالسة بالداخل، كما أن أمين كان ليعلم فور وصولها لقسم الشرطة، وقد يكونُ ردّ فعله خطيراً إن علم.
_طيب وقول رؤى كلمتكم بكل المعلومات المطلوبة، إنت والضابط حنان براكم ح تقدروا تعملو شي لأمين؟..
_عادي بطلع فرقة كاملة من عساكر الشرطة كدعم ونداهم أمين بشكل مُفاجئ، عُنصر المُفاجأة براهو بخلينا متقدمين عليهو بخطوة، حتى لو عرف..
_و..ولـ..لقيتوها كيف!، فتـ..تشتو كُـ..كُل بُـ..بيوت الحلة ديك؟..
_إبتسم أُسامة حتى بدت غمازته، أجاب أن الحظ قد وقف إلى صفهم، كانا في طريقهما برفقة الرائد "حنان" على الشارع الرئيسي إلى الحي المقصود، كان حياً طرفياً يشتهر بإنتشار بيوت الدعارة والخمر والممنوعات وجرائم العنف والقتل، كانت ستكون مهمة صعبة العثور عليها بدون التعرض لبعض المُضايقات، ليظهر جسدٌ من العدم وترتمي فتاة أمامهما على الطريق تطلبُ المساعدة وتستنجد بهما، ترجلّ أُسامة وطلب من حنان إبقاء المُحرك شغالاً، فقد لمح رجلان في أحد الأزقة الضيقة المؤدية إلى هذا الطريق، إقترب منها ليتفاجأ بأنها رؤى، ضالتهم التي جاءوا بحثاً عنها، حملها بسرعة إلى السيارة وجاءا بها إلى منزله، فوالداه غائبان في سفر طويل والبيت خالٍ وأمن..
 كان أُسامة واثقاً أنها ستتكلم في النهاية، طلب إحضار أميرة علّها تطمئن لها لكن ردّ فعلها كان جنونياً كما رأوا سابقاً، بقي همّام وأميرة حتى حلّ المساء، ولم تقل رؤى أي كلمة مُطلقاً، ودعا أُسامة لينطلقا عائدين إلى المنزل.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《15》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "الطائف، الخرطوم":-
توقفت سيارة لاندكروزر فخمة-تلك التي يُطلق عليها "أُوباما"-أمام بوابة ذلك المنزل الذي يجوزُ تسميته بالقصر، ليترجل رجلٌ أنيقٌ في عقده الخامس، في نهايته بالتحديد، كان متوسط الطول، صاحب بشرة فاتحة، يرتدي بذلة رسمية تُضفي على مظهره الهيبة، ملامحه وسيمة جادة، وكان أنيقاً بشكل مُلفت، أغلق باب السيارة ليُخرج هاتفه ويرفعه إلى أُذنه قائلاً: أي يا ثناء انا وصلت، أفتحو الباب.
  لم تمضِ دقائق ليجد الباب قد فُتح، طلت ثناء بنفسها ولم تُرسل خادمةً لتفتحه، يبدو أنه أمرٌ بمنتهى الخطورة، أنزل نظارته الشمسية لتظهر ساعة اليد الفخمة التي يرتديها، كانت من ماركة "Casio" ذات حزام جلدي يأخذ اللون البني مع إطار فضي..
 _باسل، همست ثناء واضعة يدها على صدرها بإرتياح..
_إبتسم باسل ليدلف إلى الداخل وهو يقول: كيفك..
_نظرت بقلق لعينيه الضيقتان، كانت حولهما بعض التجاعيد، لكنها تزيده وسامة، أغلقت الباب خلفه وهي تقول: م كويسة، في ضابطين من الشُرطة قاعدين في الصالة..
_شنو؟، عقد حاجبية يُطالعها بتساؤل، لتُطرق رأسها وتقول: موضوع أمين وتورطو في الأعمال غير المشروعة، سألوني لو كنت عارفة بالموضوع، من الصدمة بقيت أرجف م لقيت زول أتصل ليهو غيرك، م بقدر أقعد معاهم وأواجهم براي ..
_عدّل باسل ربطة عنقه ليقول وهو يسيرُ بثقة أمامها: الموضوع دا يعني!، إبتسم إبتسامة جانبية حتى بدت أنيابه ليُردف هامساً: وقعتا وقعة سودا يا أمين..
 _
دخل باسل وهالة من الهيبة والوقار تُحيط به، تتبعه ثناء تمشي بخطوات مترددة خائفة، ألقى التحية عليهما، وجلس بمقعد قريب وهو يقول مُشيراً الى ثناء الجالسة بجانبه: أنا باسل ..ود خالتا، وعندي أُسهم في شركة بابلو..
_قصدك إنتا شريك أمين، سألت الرائد "حنان" بإبتسامة مُتلاعبة على ثغرها..
_ شريكو في الشركة بس سعاتِك، إبتسم باسل بثقة مُجيباً..
_طيب، معاك الرايد حنان من الفرقة التالتة قسم مكافحة المُخدرات، ثم أشارت لأُسامة الجالس بيمينها وتابعت: النقيب أُسامة..
_مكافحة مُخدرات برضو !، سأل باسل موجهاً بصره لاُسامة، ليُجيب الأخر: لأ، شرطة مدنية قسم أُمدرمان..
_إتشرفنا، وانشاءالله نقدر نفيدكم، أنهى جملته تتسع إبتسامته الغريبة، إنه يتلهف حقاً لسحق ذلك الرجل.
 أخبرت الضابط حنان باسل بسبب قدومهم، قالت أنهما قد أمسكا فتاة كانت تعمل تحت إمرته، كانت تُروج وتوزع المُخدرات التي تحصل عليها من أمين على طالبات جامعة (**)، أكملت أيضاً أنها بعد محاولات عديدة أخبرتهم بأن أمين والمدعو "أسكوبار" في عالم المُخدرات، سيقتلها إن علم بما قالته لنا..
_قالت لينا مرتو "ثناء" هي الوحيدة البتقدر تساعدنا، نظرت حنان لثناء تلك الجالسة بجواره والتي ألجمتها الصدمة ويظهر الزُعر جلياً بملامحها، هي فعلا تعلم بأمر أعمال أمين غير المشروعة، لكنها لم تتخيل نفسها في مثل هذا الموقف قط، تشعرُ برهبة غريبة أمام هذين اللذين يرتديان زيّاً رسمياً جالسان لإستجوابها، تعلم أن رؤى لم تعترف بما قالت بسهولة، لا بد أنها تعرضت للتعذيب والضغط، وتخشى على نفسها التعرُض لنفس الشئ، ولهذا وجدت نفسها تلجأ لباسل، الوحيد القادر على مُساعدتها في هذا الموقف الصعب.
_أ..أنا أنا، تأبى الكلمات الخروج من بين شفتيها، مال باسل مُقتربا منها ليهمس ببعض الكلمات المُطمئنة، لتومئ بعدها برأسها وتطالع حنان المُترقبة لما ستقوله بعينان كعينا صقر ..
_بتعرفي المدعوة رؤى، قال أُسامة يرفع شاشة هاتفه التي عليها صورتها بوجهيهما ..
_اومأت ثناء وهي تبتلع ريقها: بعرفها، كانت بتجي تشتغل عندي هنا زمان..
_زمان متين!، سألت حنان تُقاطعها: قبل م تشتغل مع أمين، أجابت ونظراتها المترددة تحولها بينهما..
_تشتغل معاه شنو بالضبط؟..
_م..م عارفه هي شغالة معاه شنو، المُهم عرفت من امين انو شغلها عندو في الشركة..
_الكلام دا متين كان؟..
_قبل خمسة سنوات تقريباً..
_قالت إنو علاقتها معاك كويسة..
_أي، في الحقيقة كانت بتوصل لي كُل تحركات أمين..
_ليه!سألتها الضابط بحدة..
_أطرقت رأسها تُجيب: لأني سمعتا ليهو مكالمة قبل سنتين وعرفت شغلو بتاع المُخدرات دا بالصدفة، فبقيت مُتابعاهو ومراقباهو بواسطتها..
_كان باسل يُطالعها مُبتسماً، يذكرُ ذلك اليوم الذي إكتشفت به أمر أمين وعمله غير المشروع، طلبت مُقابلته وحكت له كُل م عرفت، لم يتردد في طلبه أن تُخبر الشرطة بكل ما تعلم لكنها رفضت رفضا قاطعاً، قالت أنه والد إبنها، مهما كان سيئاً لن تشي به هكذا، جعلته يُقسم لها أنه لن يُخبر احداً بما سمعه منها، أو لن تتحدث اليه مجدداً، رضخ لطلبها، لا يستطيع جعلها تكرهه بفعله لأي شئ يُنافي رغبتها، هي محبوبته التي لا يعلم أي أحدٍ بأمر حُبه لها، حتى هي نفسها، كانت تعتبره أخاً وصديقاً فقد تربيا ونشئا معاً، نشأ وهو يرى حبه لها ينمو ويكُبرُ معهما، ليأتي ذلك الغريب بغتةٍ ويأخذها من بين يديه، رأها تتسلل من بين أصابعه ولم يستطع فعل شئ فقد كانت تهيم بحب ذاك الرجل، كرهه أكثر من أي شئ أخر، لم يُصدق أن زوج خالته "والد ثناء" قد قبِل به زوجا لها، عارض الأمر بشدة، لكن سعادة إبنة حسن الجعفري أهم من معارضته، من سيهتم!.
 بشراكة بينهم أنشأو شركة بابلو وكان لأمين الحصة الأكبر من الأسهم، أما هم فكانو مُجرد شركاء بينما الأخر يُعتبر المُدير الفعلي والتنفيذي لها، الآن جاءت الفُرصة المُناسبة، إنتهت أيامك السعيدة يا أمين، ألا تعلم أنني أنتظر منك هفوة، ثغرة فقط لاسحقك بها، لقد منحتني تلك الثغرة، منحتني هدية لم أتوقع ان تمنحني إياها ستضيق عليك الدنيا، سأحرص على أن تُصبح حياتك جحيماً.
 أخبرتهما ثناء بكل ما تعرفه عن أعماله غير المشروعة، وكذلك باسل، كانت شركة بابلو مُجرد واجهةٍ وغطاء لما يقوم به، أمين يملك عدداً لا يُحصى من الرجال يعملون تحت إمرته، جيشٌ كامل، كي يستطيعو القبض عليه يجب أن يتصرفوا بذكاء، ويضعوا خطة مُحكمة، ويجدوا أدلة كافية.
_تنهدت حنان بعجز وهي تشبكُ أصابعها أمام وجهها: بس لو نقبضو متلبس، او نعرف المحل البخزن فيهو المُخدرات، أووف.
_نظرت ثناء لباسل ثم إليهما وهمست: مخزنو في (*، رقم*) ..
 نظر الثلاثةُ إليها متفاجئين..
_أكملت: وعندو مخزن بتصل ليهو البضايع المستوردة في ميناء (*) رقمو ()..
 إبتسم كلٌ من حنان وأُسامة، إنها إمرأة خطيرة، كانت تعلم كُل معلومة شاردة، كُل كبيرة وصغيرة لكنها إلتزمت الصمت، حقاً النساء مُخيفات.
  _
بعد مُغادرة الضابطين، نظر باسل إليها مُتعجباً ليسألها: ما سبب تغُيرها المُفاجئ، فتجيب وهي تنظرُ لسيارتهما التي إختفت عن مرمى نظرها..
_قصة حُبنا إنتهت..
_شنو! عقد حاجبيه لا يفهم ما الرابط العجيب بين سؤاله وإجابتها لتُضيف وهي تهمُّ بالدخول: أول كُنت متأكدة من حبو لي، م كنت بقدر أكسرو بالطريقة دي، بس بعد ما عينو زاغت، بعد م زاحم حبو لمرا تانية مكاني في قلبو بقى م يستاهل أقدم ليهو ولا معروف، كفاية القدمتو ليهو، أنهت جُملتها بصوت ونظرة حاسمتين.
 إبتسم باسل إبتسامة عريضة، وسعادة حقيقية تجتاح قلبه، لم ينشرح قلبه لخبرٍ من قبل مثلما إنشرح الأن، يشعرُ أنه بدأ يستعيد حبه الذي ضاع منه.
   ____

  "الرياض، الخرطوم":-
_"تُك، تُك، تُك"..
 هتفت أميرة من داخل غرفتها تُجيب"إ..إتفضاال"، ثم عادت تُكمل حديثها على الهاتف، كانت في وسط مُكالمة فيديو مع سيرين، تُلحّ عليها أن تُخبرها سبب إنصرافها المُفاجئ قبل البارحة، لكن سيرين ترفضُ مُتحججة بأنه ليس أمراً مُهماً..
 دخلت "الشغالة" لتُنبئ أميرة أن الجميع ينتظرها حول مائدة الإفطار..
_ماما قال تعال الفطور.
_أي جـ..جاية، قُـ..قولي ليهم يـ..يبدو ما ينتظروني..
 إنصرفت لتعود أميرة الى شاشة هاتفها حيثُ كان وجه سيرين يُطل منها، كان شعرها غير مُرتب ووجها خالٍ من المكياج، كانت قد إستيقظت للتو ولم تتناول إفطارها بعد ..
_ومـ..مـ..مالِك صاحية متأخرة اللـ..ليلة!؟، م عـ..عملتي رياضة الصباح!..
_م عملتا، لي يومين م أتمشيت تتخيلي، قالت وهي تُمرر أصابعها وتخلل شعرها الأشعث تُعيده الى الخلف..
 تُدرك أميرة أن سيرين مُكتئبة، ليست على طبيعتها، إنها مُنطفئة ولكن بطريقتها، قوية وصامدة حتى في إنطفائها، لا تُجيد الشكوى أو الفضفضة، تبادر إلى ذهنها أن "يوسف" ربما يكون هو حبيبها السابق الذي تخلى عنها، لكنها إستبعدت الفكرة، طلبت منها سيرين أن تُنهي المكالمة، ستنهض لتأخذ حماماً بينما تنزل أميرة لتناول الإفطار، وهذا ما حدث، أوصلت أميرة هاتفها بالشحن وهمّت بمغادرة الغرفة، سمعت إشعارأً بوصول رسالة على "واتساب" لم تُعر الأمر إهتماماً وتابعت طريقها..
  __
جلست أميرة على المائدة حيثُ كانت فاطمة وليلى وهمّام مُنهمكين بتناول طعامهم، جالت ببصرها عليهم لتسأل: جـ..جوان وين!..
_أجاب همّام: مشت حصة المُراجعة، وصلتها المدرسة من الصباح.
_ضربت أميرة بكفها على جبينها لتقول: نـ..نسيت.
 أنهت أميرة إفطارها على مهلٍ مع عائلتها، جلست بعدها لتحتسي الشاي مع فاطمة وهمّام، بعد العثور على رؤى يبدو كُل شئ بدا كما أنه يسير بالطريقة الصحيحة، قلّ الخوف، عادت الاجواء طبيعية بالمنزل، حتى همّام بدأ يشعرُ أن أُسامة قد إقترب من الإمساك بذاك الرجل الحقير، سوف يوجه مجموعة من اللكمات المحمّلة بغضبٍ كبير إلى وجهه، لا بأس إن كُسر أنفه أو بعض من أسنانه الأمامية، الشُرطة لن تُحاسبه على أمرٍ كهذا، حسب علمه..
 _
بدأت ليلى تُصدر بعض الأصوات لتُنبههم إلى شئ ما، أشارت نحو غرفة أميرة، إنه هاتفها يرنّ بإلحاح منذُ مدة ليست بقصيرة، نهضت أميرة متجهة إلى غرفتها، لتجدها سيرين..
_اها أكلتِ ؟..
_قـ..قبييل، الحمد لـ..لله.
_طيب كُنت عايزة أسألك لو بتعرفي ليك نادي ظابط هنا، حابة أنزل رياضة أو زومبا، حاسّة وزني زاد من جيت السودان..
_ببتهظري صاح!.
_جادة!، في تُركيا كنت نازلة جيم، وقبلها كُنتا نازلة نادي تايكوندو "فنون قتالية" بتعلم فيهو فنون الدفاع عن النفس.
 أظهرت أميرة إنبهارها بحديث سيرين لتضيف الأخرى أن تعلُم المرأة فنون الدفاع القتالية شئٌ مهم، لتحمي نفسها من المتحرشين وأولئك المرضى الذين يهون مضايقة النساء، كما أنه يُعزز ثقتها بنفسها ويجعلها تشعرُ أنها قادرة على مواجهة أي موقف، هتفت أميرة بحماس أنها تُريد تعلم التايكوندو..
_طواالي والله، رأيك شنو نفتش سوا عن كوتش يعلمك وبالمرة ألقى لي جيم أنزل فيهو ..
_إنتِ شكلك مُطولة في السودان..
_اي حاجة شبه كدا، ماما قالت م ح ترجع إلا تكمل إجازتها..
_أحلى شي..
 أنهت أميرة مكالمتها لترى تلك الرسائل التي وصلتها قبل ساعة تقريباً، لقد تذكرتها للتو..
  إرتمت على فراشها لتجد رقماً غريباً قد أرسل لها مجموعة من الصُور، ضغطت على الدردشة تنتظرُ تحميلها بتساؤل وحيرة من يكون صاحب هذا الرقم!!، ولما قد يُرسل لها كل هذه الصور بدون سابق إنذار!؟، لتتسع عيناها بصدمة وهي تتطالع شاشة هاتفها، شعرت بأن أنفاسها ستتوقف حين رأت جوان بإحدى تلك الصور، حركت لأعلى تُدقق نظرها لبقية الصور لتجد أنها جوان فعلاً، في كُل الصور، شهقت مزعورة حين قرأت كلماتٍ ما أُرسلت بعدها "جوان ح تمشي زيارة تتعرف فيها على عمو "أمين" رأيك شنو تجي إنتي كمان؟"..
 إنها من أمين، لقد أختطفها، نظرت للوقت لتشهق مرة أُخرى واضعة أصابعها المُرتجفة على شفاهها، لقد أرسلها منذُ أكثر من ساعة، ماذا سيكون فاعلاً بها، بل ماذا سيكون قد فعل!!، هل يُمكن أن يؤذيها!، قفزت مُسرعة تركضُ إلى همّام تُبلغه، لتتباطأ خُطواتها بشكل تدريجي حتى تتوقف تماماً، تُعيد قراءة التحذير الذي أُرسل بعد تلك الرسالة مراراً، كأنها لا تستوعب ما كُتب"ح تجي براك، و ح أعرف لو حاولتي تتزاكي علي ووقتها ما تلومي إلا نفسك على الح يحصل للحلوة العيونها بتشبه عيونك دي"..
 جلست أميرة على الأرض فقد شعرت بأن قدماها لا تحملانها، بدأت تتنفس بصعوبة وكلماته تتضارب برأسها، أرسلت له بأصابع مُرتجفة "عليك الله م تأذيها، ح أجيك براي، و ح أعمل كُل العايزو"..
 أرتدت أميرة عباءة وحجاباً بلون موحد، لم تُبّدل "شبشب" الحمام الذي ترتديه حتى، قالت لفاطمة أنها ستذهب إلى بقالة قريبة تُحضر شيئاً تشتهيه نفسها، سألت من همّام فأجابتها بأنه قد خرج قبل قليل، خرجت من المنزل تتعثر خطواتها من الخوف، وكانت تهمس " أنا جـ..جاية ي جوان، خـ..خليك كـ..كويسة، م تـ..تـ..تخافي عمتو أ..أميرة جاية"..
 لمحت السيارة التي أخبرها أنه قد أرسلها لها في بداية الشارع، لم تعد تُفكر بأي شئ سوى الوصول لجوان، لن تُسامح نفسها إن أصابها أي مكروه، ستقتل نفسها إن جرى لها شئ.
 صعدت إلى السيارة وأغلفت الباب خلفها وهي تُصلح حجابها، كانت ضفيرتيها العشوائيتان بائنتان من تحت حجابها، وكان مظهرها فوضويٌ للغاية.
 إهتزّ هاتفها، فرأت السائق يُراقبها عبر المرآة، رفضت المكالمة وهي تنظرُ من النافذة وكل أطرافها قد بدأت بالإرتعاش..
  ___
 "فُندق (__)، الخرطوم":-
 توقفت السيارة بعد ساعة كاملة من الدوران بشوارع الخرطوم بلا هدى، كانت خُطة من السائق لتضييع أي سيارة تلحق به، ترجلت أميرة ورفعت عيناها تقرأ اللافتة أعلى المبنى، تهجّت إسمه بصوت مسموع متحشرج، كانت تحتضن هاتفها على صدرها بفزع، إلتفت إليها السائق ليمُدّ يده إلى الهاتف، قاومته قليلاً، أغلقت هاتفها بحركة سريعة من إصبعها لتتركه له بعد ذلك،  تحرك السائقُ لتتحرك خلفه يدلفان إلى المكان، تلفتت حولها مرتعبة تتسائل لماذا أتى بها إلى هذا الفُندق، مالذي ينوي فعله بإحضارها إلى هنا!..
  _
 إبتسم أمين وهو يمدُّ لها قطعة أُخرى من الشوكلا ويقول: أُكلي دي..
 كان جالساً على أريكة مُريحة يتكئُ على مرفقه بإسترخاء بينما جوان تجلسُ أمامه تتناول ما يقدمه لها مبتسمة..
_عمو!..
_نعم..
_إنتا بتشبه مروان في أي شي..
_عقّد حاجبيه متسائلا: كيف يعني؟..
_حتى مروان كان بجيب لي شوكلاتة وفطور من البيت، وبصرّ إنو أكُلهم كُلهم..
_إبتسم أمين وبدأ يقهقه بجنون وهو يغطي عينيه بكفه، يُدرك الأن مدى شبهه به، حتى أنه واقعٌ بحب هذه الصغيرة والتي تملكُ نفس العينين التي وقع هو بحبهما..
 راحت جوان تنظرُ إليه مُتعجبة، لما يقهقه كالمجنون هكذا!، توقف عن الضحك بعد مدة قصيرة، سألته لما لم يأتِ مروان حتى الآن، أخبرها بأنه في طريقه، قاطع حديثهما صوت الباب يُطرق ليهتف أحدٌ من خلف الباب: أسكوبار، مونتي وصل..
 هبّ أمين جالساً وهو يقول: خلوها تخُش..
 فُتح الباب لتدلفّ أميرة من خلفه بخطوات مُترددة تُمسك حجابها بقوة وهي مُطرقة الرأس، هبّت جوان تجري نحوها وهي تهتف بإسمها: عمتو أميرة عمتو أميرة، وصلت إليها لتضُمها وهي تقول: م كنت عارفه إنك جاية، حركت أميرة يدها على شعر جوان وهي تسألها إن كانت بخير أو إن تعرضت لأي أذى فأجابت جوان نافية تعرضها لأي مما ذُكر..
_جلست أميرة على ركبتيها ووضعت كفيها تُحيط خدي جوان تهمس مُعاتبة: مـ..مش بابا بقول مـ...م..تمشي مع ز..ز..زول غـ..غريب!..
_بس دا ما زول غريب، دا عمو أمين، أبو مروان، قال إنو مروان عيان عشان كدا م جا المدرسة الليلة، جا يسوقني عشان أطمن عليه، قال مروان قال عايز يشوفني.
 ذلك الخبيث، عادت تسألها مُجدداً عماّ إن كانت قد تأذت بأي مكان لتجيب جوان وهي تبتسم: بالعكس، عمو أمين بشبه مروان شديد، وأداني شوكلاتة كمان..
_رفعت أميرة عينيها لأمين الجالس بمكانه يطالعهما بإبتسامة، وقفت وأبعدت جوان من أمامها وأمسكتها من يدها تتجهان نحوه، تشعرُ بكره كبير إتجاهه، وقفت تنظرُ إليه وهو يتأملها بجرأة، سألته: أها جـ..يتك، وبراي، عـ..عايز مـ..مني شـ..شنو!..
_وقف أمين ليقترب منها وهو يقول: معقولة م عارفاني داير منك شنو!، أنهى جملته يقفُ أمامها تفصلهما خطوات بسيطة، إنحنى قليلاً ليهمس بأُذنها: عايزك إنتي، حرك يده ليُمسك إحدى ضفيرتيها والتي لم يكُن حجابها يُغطيهما بالكامل، فكانتا تظهران عند نهايته، تلاعب بشعرها ليرفعه إلى أنفه ويشمّه بقوة، إبتعدت أميرة عنه مشمئزة مما يقوم به، راحت تنظرُ إليه وهو يبتسمُ ويتأمل عينيها، تأكدت الأن أنه مُختلٌ بالكامل،  تحتهما كانت جوان تُطالعهما بأعينٍ محتارة، لتسأل بعدها: عمو إنتا عايز شنو من عمتو أميرة!..
 نزع أمين عينيه عنها ليجلس القرفصاء على الأرض مُقترباً من جوان، ضمتها إميره تلفُّ يديها حول عنق تلك الصغيرة بخوف، لاحظ أمين ما قامت، إبتسم فلو أنه أراد إيذاءها ما كانت لتستطيع منعه..
_عايزها كُلها، ردّ أمين..
_كيف يعني!..
_مد يده يُداعب خدها الممتلئ ليقول: عايز أتزوجها..
_بس إنتا متزوج خالتو ثناء، أُم مروان..
_وبرضو عايز أتزوج عمتك..
_ صمتت جوان تحاول الإستيعاب، كانت أميرة تنظرُ إليه شرزاً وكُرهاً بينما كان أمين يُلاعب خدي جوان، لا تدري كيف تتخلصُ منه، أو كيف تخرجُ من هنا، فقط ترجو أن تكون سيرين قد تلقت ذلك المقطع الصوتي الذي همست فيه أميرة بإسم الفندق وأرسلته لها، قبل أن ينتزع ذاك الرجل الهاتف من يدها، تحمد الله أن أخر دردشة لها على "واتساب"كانت مع سيرين، فأول إسم وجدته أمامها عندما حاولت ارسال إشارة بشكلٍ خفي كان إسمها، وكُل ذلك حدث دون مُلاحظة السائق،  أفاقت من خيط أفكارها على صوت الباب يُطرق، وقف أمين يأذن بالدخول، فُتح الباب ليدخل أربعة رجال ومعهم رجلٌ ذو لحية طويلة، تقدم نحوه أمين يُحيه وهو يقول: أهلاً بيك يا شيخنا إتفضل إتفضل..
_شـ..شيخ!!..
 __
أمام مدخل نفس الفُندق، كانت سيرين تقفُ تطالع المكان بقلق وتوتر كبير، لا تدري كيف عليها التصرف، كانت قد إتصلت بهمّام سابقاً وأخبرته بما لم تفهمه من تسجيلها الصوتي المُختصر، كما أنها قد أبلغت الشرطة سابقاً أن فتاة مُختطفة بذلك الفندق تُطلب المساعدة، لكن من ينتظر حتى تأتي الشُرطة، قد تكون بخطر مُحدقٍ الأن، كُل مخاوفها هي أن تتعرض للإعتداء أو الإغتصاب، قد تكون بإنتظار أي مُساعدة الأن، كيف لها تقفُ مكتوفة اليدين هكذا بينما الأخرى تصرخُ مُستنجدة بالداخل، تتنظرُ أن يقتحم أيُ أحدٍ المكان وفي أي لحظة لينقذها من ذاك المجنون ..
 دلفّت سيرين إلى المكان تتلفت حولها، توجهت نحو الإستقبال تسألهم، رفضت الموظفة أن تُخبرها أي معلومة، صاحت بها تُخبرها أنه توجد فتاة مُختطفة بإحدى الغُرف، إن حصل لها أي شئ فستُصبح سُمعة الفُندق تحت الأقدام، فزعت وظهر الزُعر بملامحها، همهمت ببعض الكلمات، أعادت سيرين عليها السؤال عن الفتاة وهي تُعدد صفاتها، فأخبرتها الموظفة أن فتاة بنفس المواصفات دلفت قبلها بأقل من نصف ساعة..
_غُرفة رقم كم!..
_الجناح الشمالي، محجوز كامل بإسم أمين..
 ركضت سيرين نحو الجناح المقصود وهي تشتمه، بعد أن طلبت من موظفة الإستقبال إرسال رجال الأمن إلى هناك فوراً..
__
  _عمتو، عمتو مالك بتبكي؟، راحت جوان تسألها بقلق وهي تهزُّها والأخرى مُنكبة على وجهها تنتنحب بشكلٍ مكتوم، نظرت جوان لأمين الجالس إلى جانبها شرزاً، لا تدري ماذا فعل، لكنه السبب بكُل تأكيد، فلقد جعلها تُوقع على ورقة ما، كان الشيخُ قد غادر للتو وبرفقته بقية الرجال، تنهدّ أمين وهو يشعرُ بإنتصاره الذي طال الحصول عليه، يشعر براحة كبيرة الأن، نظر إليها تنتحب هكذا وكأن حياتها قد إنتهت، هي من إضطرته لفعل هذا..
_تنحنح أمين قليلا بعد أن رقّ قلبه لمنظر بكاءها وشهقاتها المكتومة، كان سيقول شيئاً، ليوقفها عن البكاء، لكن جلبة بالخارج وصلت إلى مسامعه جعلته ينتفضُ من مكانه مُتجهاً إلى هناك، وقبل وصوله فتح أحد رجاله الباب، ودخل رجلان من خلفه يُمسكان فتاة غريبة من يديها يقتادانها وهي تقاوم بشراسة، هتفت جوان من خلفه: خالتو سيرين!..
_رفعت أميرة عينيها المتورمتين ولم تُصدق حينما رأتها، لقد فهمت رسالتها وجاءت لنجدتها حقاً!، تبادلت هي وسيرين النظرات مُطولاً..
_دي منو بتعرفيها!..
_راحت أميرة تنظرُ إليه بخوف من ردة فعله، لقد أمرها أن لا تُخبر أي أحد، أعاد أمين سؤاله وهو يركل الطاولة الزجاجية أمامه بغضب، سقطت الطاولة وتناثرت قطع الزُجاج في المكان، فزعت جوان وشهقت أميرة مصدومة، إقترب منها وعيناه تشتعلان غضباً ليُمسكها من مؤخرة رأسها، ويشد شعرها بقوة، صرخت أميرة متألمة وهي تومئ برأسها "بـ..بـ..بعرفها أي"، بينما بدأت جوان تبكي مزعورة منه وهي تُغطي وجهها بكفيها الصغيران، إقترب أمين منها لتلفح أنفاسه الحارقة وجهها، همس يكِزُّ على أسنانه "موش قلتا ليك تجي براك" صاحت سيرين من الخارج حين رأته هكذا، علّها تثنيه أن يصُب جام غضبه على تلك المسكينة، بدأت تشتمه ثم صاحت بوجهه وهي تقول " الشرطة واقفة قدام الباب، والسكيورتي ح يدخل ويقتحم المكان في أي لحظة، جهزّ نفسك للسجن يا **"، ترك أمين أميرة ليتجه إليها وعيناه مُحمّرتان كالجمر، كانت عروق يديه بارزة بشدة، إقترب منها ودون أن ينطق بأي كلمة رفع يده عالياً وهوى بها على وجهها، ترنحت سيرين وشعرت بطنين قوي في أُذنيها، ثم بدأت عيناها تُظلمان شيئاً فشيئاً حتى غابت عن الوعي تماماً، كان أخر ما سمعته صوته يقهقه قائلاً: "السكيورتي زاتهم تبعي".
 إلتفت بحدة إلى تلك التي تصرخُ من خلفه فزعه، تترجاه ألا يؤذيها، بدأت تعتذرُ منه، إنه خطأها، ما كان يجب أن تعصي أوامره، كانت تبكي وتتلعثم وتتحدث، نظر أمين إليها مطولاً يُفكر، كيف يجب أن يتصرف الأن!.
  __
 وأمام مدخل الفندق مُجدداً، أوقف همّام سيارته يذكرُ ما حدث..
   <<•••••••
كان قد خرج لملاقاة أصدقائه، حين تذكر أنه نسي جزلانه بالمنزل، إلتف بسياراه عائداً ليتفاجأ برأؤية أميرة تسيرُ بخطواتٍ مضطربة إلى مكان ما، تبعها بنظره ليجدها تصعد إلى سيارة سوداء، جُنّ جنونه، تحرك خلف تلك السيارة يتبعها وإتصل بإخته، رُفضت المُكالمة، عرف أنها واقعة بمشكلة كبيرة، راح يتبع السيارة التي كان سائقها يقود بطُرقٍ غريبة، يبطئ ويسرع بشكل مفاجئ، أحياناً يتوقف فجاءة ليلتف بشكل مُباغت ويُغير طريقه، خطة جيدة لتشتيت من يتبعهم وقد نجحت، وجد نفسه تائهاً بمكان ما، إختفت تلك السيارة من أمامه كالسراب، كان قد إتصل بأُسامة يخبره ما حدث، أخبره أُسامة أنه بعيدٌ جداً، وهو من طلب منه مُلاحقتها، عاد إلى الشارع الرئيسي وعقله يكاد ينفجر، وداخله بركانٌ يتأجج غضباً، همس بلا وعي "بابلو"، يذكرُ أن أميرة ذكرت هذا الأسم من قبل، أخرج هاتفه وشغل تطبيق "Google maps " أدخل هذا الأسم في عنوان البحث، أدار مُحركه متجهاً إلى هناك، قبل وصوله ورده إنصالٌ من سيرين، كانا قد تبادلا الأرقام ذلك اليوم، كاد ألا يُجيب لكنها ألحت في الإتصال..
_ألو!..
_ألو همّام، أميرة دي في البيت!؟..
_لالا، لشنو؟..
_رسلت لي ريكورد غريب قبل شوية، م فهمت شي، ملتني إسم فندق كدا..
_إسم الفندق شنو، أميرة هناك، أمين خطفها، هتف والأدرينالين يسري بكميات كبيرة بجسده.
    •••••••>>
  كانت سيارات الشُرطة مُصطفة في المكان، يبدو أنها قد وصلت قبل لحظات فقط من وصوله، وكان المكانُ يعجُّ بالناس، جميعُ الفضوليون إجتمعوا يحيطون بالمكان ونظرات مُتسائلة تعلو وجوههم، البعض يهمهم بشئ ما، تبع همّام رجال الشرطة الذين توجهو إلى حيث تأخذهم موظفة الأستقبال، كانت تحكي وجسدها يرتجف خوفاً، سمع شيئاً عن أن الرجل غادر برفقته الفتاة، الأصوات كثيرة ومتداخلة، وكثيرٌ من النزلاء خرجوا من غرفهم، ينظرون ماذا يحدث وفيما الجلبة.
  وصل الجميع إلى الجناح المقصود، وكانت جميع أبوابه مفتوحة على مصرعيها والمكان خالٍ كأنه صحراءُ خاوية، دلفوا بلا عناء يتلفتون حولهم، رأوا جسد إمرأة مرتمياً في وسط البهو الخاوي، وبجانبها طفلة صغيرة تنتحب، مهلاً!!..إنها جوان!!.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《16》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "مشفى(__)، الخرطوم":-
 كم مرّ من الوقت وهو جالسٌ كصنم في مكانه لا يُبدِ أي حركة، قد يُخيل لك أنه لا يتنفس حتى، شابكاً أصابعه أمام وجهه ونظراته مُثبتة على نقطة في الفراغ، ملامحه مُظلمة، يبدو رجلاً بائساً، جسده هنا بينما عقله في مكان أخر، في ذلك الفندق حيثُ وجدوا جوان وسيرين على الأرض فاقدة الوعي، لقد تجرأ ذلك الكلب الحقير على خطف إبنته، ورفع يده على حبيبته، ووضع نفس اليدين القذرتين على شقيقته، لم يشعر بأنه عاجزٌ هكذا من قبل، لم يشعرُ بكل هذا الضعف ولم يكره نفسه لهذه الدرجة أبداً قبلاً، فرّط بها، لم يستطع حمايتها، هي بين أنياب ذاك الوغد الأن والذي يجهل الجميع مكانه، شعر بأنفاسه تتهدج من الغضب، قلبه كبُركان، أطرق رأسه مغمضاً عينيه وألم العجز يملأ صدره، تنهد ليعود ويرفع بصره على صوت أُسامة يناديه من بعيد "همّام" ، لقد وصل أخيراً، هبّ همّام واقفاً ويداه ترتجفان، لم يشعر هكذا قط، في كُل حياته، وصل أُسامة وبرفقته الرائد حنان..
_همّام خليك متماسك وقوي، ح نلقاها، قال أُسامة واضعاً كفه على كتف صديقه يواسيه..
_ح..نلقاها بعد شنو!، ح تكونـ..قطع جُملته وصوته يتحشرج ويخرجُ مرتجفاً، نظرات صديقه المُشفقة المليئة بالأسى على حاله تزيده ضعفاً..
_داهمنا مخازن أمين ولقينا كميات هائلة من المواد الممنوعة، واتواصلنا مع شرطة بورتسودان وأبلغناها تداهم مخزنو في ميناء (*)، وتفتش أي سفينة ترسي شايلة حاوية وبضاعة بإسمو أو أسم الشركة، عندنا أمر قبض رسمي عليهو، من الجهات العُليا، قالت حنان ظناً منها أنها ستواسيه بهذه الكلمات، بينما همّام كان كُل ما يجول بذهنه، كُل ما يُفكر به، هو حالها، يتخيل ذلك * يضع يداه عليها، كان مُجرد التفكير يُشعل قلبه، كم يود قتله، لا يتمنى أي شئ أخر سوى أن يلُفّ يديه حول عنق ذلك السافل حتى تنقطع أنفاسه، خرجت الممرضة من الغرفة التي بها جوان وسيرين تُنبئهم أن الطفلة إستيقظت..
  _
_جوان، إنتِ كويسة موش!، م عمل ليك أي شي، م إتعوقتي في أي مكان صاح!، سأل وهو يُمسك كفها بين قبضتيه..
_نفت جوان برأسها، كانت ملامحها الطفولية المليئة بالمرح قد إختفت، عيناها ذابلتان، أنفاسها مختنقة، تشعرُ بضيق في صدرها، كيف لطفلة أن تتحمل رؤية كُل ما رأته، تدخلت الممرضة من خلفهما تقول لتطمئنهم: عملنا ليها فحص كامل، ما عندها شي سليمة..
_أطرق همّام رأسه وشد قبضته على كف إبنته، حركت جوان يدها الحُرة لتمسح على شعر أبيها، كأنها تفهم ما يمرُّ به، رفع عينيه إليها لتقول: عمتو أميرة أدتني تلفونها،قالت لازم أديك ليهو..
_شنو!!، سأل همّام وأُسامة وحنان في نفس الوقت..
   حكت لهم الصغيرة أن أميرة قبل مُغادرتها برفقة أمين وتركهما هي وسيرين الغائبة عن الوعي، سألته أن يُعيد إليها هاتفها، قالت أن به الكثيرُ من الذكريات، وبعض الأشياء المُهمة، لم يقتنع أمين بما قالته، وكان الهاتف بحوذة أحد رجاله حفاظاً على أمنهم، أخبرتهم أن أميرة ترجتُه كثيراً قائلة أنه ذكرى مُهمة من والديها المُتوفيان، فقد ذهبت برفقتهما حين أبتاعته-وهذه كذبة-رقّ قلبُ أمين على ما يبدو، خاصة أنها أعطته لجوان أمام عينيه، ليغادروا بعدها.
  وفعلاً كانت الممرضة قد وجدت الهاتف بجيب بنطال جوان الذي ترتديه؛عندما شرعت تفحصها، فوضعته جانباً على الطاولة.
  _
بدأ الظلام ينقشعُ، راحت تتململ قليلاً لتفتح عينيها بعد ذلك، أول من وقعت عليه عينُها كان همّام، نظرت حولها تستكشف المكان، هُناك ضابطا شُرطة يرتديان زيّا رسمياً، يبدو أنها بالمشفى..
_إنتِ كويسة سيرين!، سأل همّام والقلق بادٍ على وجهه..
_كويسة، صمتت قليلا لتُردف: أميرة!..
_أطرق همّام رأسه، أجاب أُسامة الواقف خلفه: أمين إختفى وهي معاه..
_امين الكلب الحقير.
_ح يتقبض، بس لو نعرف مكانو، قالت حنان بوعيد يظهرُ بصوتها.
 كان الوقت مُتأخراً، حلّ الليل، إنها الثامنة، غادر كلٌ من سيرين وجوان المشفى لعدم إصابتهما إي إصابة خطِرة، أما أُسامة وحنان فعادا الى القسم، كان عليهما وضع خطة لإيجاد اميرة والقبض على أمين مع رؤساهما، يجب أن تكون خُطة مُحكمة، لا سبيل لإقتراف اي خطأ، لا مجال لوجود ثغرات أو نقاط عمياء غائبة عنهم، يجب أن تكون هجمة واحدة ويجب أن تنجح، فالخطط البديلة لا تفيدُ في مواجهة رجلٍ كأمين.

   __
كانت السيارة تسيرُ منذُ ساعات، تجهلُ إلى أين يتجهون، إنها خارج العالم، لا تعلم كم الساعة كما أنها تجهلُ بأي أرضٍ هم الأن، كانت متكئة على مقعدها خلف مقعد أمين الجالس بجانب السائق، متكئة بجبينها على زُجاج النافذة، شاردة في اللاشئ، عقلها متعطلٌ عن التفكير والإدراك تماماً، كانت عيناها تغمضان لتجد نفسها نائمة سهواً، تستيقظُ بعدها عند إرتجاج السيارة لمرورها بمطبّ أو حفرة ما على الطريق، تشردُ ثانيةً، لتستيقظ وهي لا تذكرُ متى غفت عن الواقع مُجدداً، إستمر الحال هكذا إلى أن أحست بالسيارة تتوقف، كانت مُغمضة عينيها ما بين غفوة وصحوة، كانت تسمع بعض الأصوات، لكنها لم تستيقظ، عقلها صاحٍ بينما جسدها نائمٌ وعيناها مُغمضتان.
 شعرت بأحدٍ يحملها، دلفّ بها الى مكان ما، فقد شعرت بالدفء، وتوقفت الرياح التي كانت تُداعب وجهها، فتحت عينيها ببطء لتجد نفسها بين ذراعي أحدهم، كان يحملها كطفلة، رأسها يرتاحُ على كتفه بأمان، شهقت بعدها حين عاد إليها إدراكها، إنه أمين، تعلمُ هذا جيداً من رائحة سجائره الممُيزة، والتي تملأ أنفها الأن، عادت تُغمض عينيها بقوة، ستتظاهر بأنها لم تصحو بعد علّه هكذا لن يؤذيها، إبتسم أمين الذي شعر بتشنج جسدها المُفاجئ، كما أنه سمعها تُصدر صوتاً مُتفاجئاً قبل قليل، يعلمُ جيداً أنها قد إستيقظت، دفع باب إحدى الغُرف بقدمه، والذي لم يكُن مُغلقاً بالكامل، وضعها على الفراش بلُطف، تكاد تجزمُ أنه شخص أخر، شخصٌ مُختلف عن ذاك الذي شدّ شعرها بقسوة قبل ساعات، لم تتوقع أبداً أن أمين يملك جانباً لطيفا ودافئاً كهذا، بل لن يتوقع أي أحدْ..
  __
 كانت تتجول في الغرفة تستكشف المكان حولها، غُرفة دافئة جُدرانها مطلية باللون الرمادي، إضاءة جيدة وتدفئة، أريكة مُلاصقة للسرير المُريح ذو الفراش الدافئ والوسائد الناعمة، وستائر دانتيل بلون هادئ، كما أن هناك سجادة فروٍ مُربعة متعددة الألوان، تتوسط أرضية الغرفة السيراميكية، كانت حافية تماماً تقفُ عند النافذه المُطلة على الخارج تُطالع الظُلمة، لا بد أنها العاشرة، أو ربما مُنتصف الليل، لا تدري، فقدت إحساسها بالزمن منذُ مُدة، يبدو الخارج هادئاً جداً، حتى أمين منذُ وضعها على هذا السرير وغادر لم يُعد مجدداً، هل يُمكن أنها تُركت وحيدة بهذا المكان!!، بدأت دقات قلبها تتسارع فزعاً حين راودتها هذه الفكرة، إقتربت من الباب تسيرُ على أمشاط قدميها، فتحت الباب بهدوء ودون إصدار أي صوت، يبدو الخارج هادئا كذلك، أكملت فتح الباب ببُطئ تجول عيناها على غرفة الإستقبال الجميلة، كانت ذات أثاث جميل كذلك، تعلقت عيناها على شاشة التلفاز المُعلقة على الحائط، وكانت من نوع "KMC" مقاس ٤٢ بوصة، تعجبت لما تعمل على وضع كتم الصوت!، من يشاهد التلفاز بدون سماع أي شئ، لتقطع تفكيرها بصوت شهقتها مفزوعة متفاجئة حين جُرّ الباب بشكل مفاجئ وفُتح بالكامل، ترنحت أميرة التي كانت ترمي بثُقل جسدها عليه، مدّ يده يُثبتها، رفعت إليه عينان متسعتان متفاجئتان لتجده هو، أين كان ومن أين ظهر هكذا!، يبدو أنه شعر بالباب يُفتح فأبتعد عن مرمى نظرها ليُباغتها بوقوفه خلفه هكذا ..
 إنتفضت تبتعد عنه كالملسوعة، إنها فضولية بشكلٍ يوقعها بالمشاكل دائماً، ماذا كان سيحدث لو عادت إلى فراشها ودثرت نفسها جيداً بغطاءها، ثم خلدت للنوم، لما عليها أن تتبع فضولها وتتصرف كالأطفال في كُل مرة!.
  _
 تُمسك كوب القهوة الذي أعده أمين بنفسه بين يديها، تطالعه بشرود نظراتها مُركزة على البُخار الذي يتصاعد منه، من المقعد المُقابل كان أمين جالساً بهدوء يحتسي قهوته هو الأخر، واضعاً قدماً فوق الأخرى ومُتكئا على ظهرية المقعد المُريحة، عيناه مُثبتتان عليها، لسبب ما لا يستطيع إبعاد ناظريه عنها، تُثيرُ إهتمام قلبه وتشده بقوة، رفعت بصرها أخيراً لتجده يُطالعها هكذا، سألته بإرتباك: ف..في شنو!..
_حرك رأسه نفياً، أنزل قدمه يتكئ على فخذيه مُقترباً من الطاولة التي أمامه ليضع الكوب الذي بيده، إرتعبت أميرة، ظنت أنه يهمُّ إليها، أشار بيده "إهدئي" ثم قال: م جعانة!، وأشار إلى المطبخ الرخامي والمُطل على غرفة الإستقبال خلفه..
_هزّت رأسها نفياً بلا تفكير لتسأل بعدها:الس..ساعة كم!..
_رفع يده يُطالع ساعته الثمينة، كانت من نوع "Jovial" السويسرية، معدنية مطليةٌ بالذهب وإطارها يأخذُ اللون الفضي : واحده إلا..
_ط..طيب وين ن..نحنا!..
_دي مزرعة بعيدة بره الخرطوم، مافي زول عارف انو عندي مزرعة في المكان دا، مكاني المُفضل، ممكن أجي أقعد شهور وبكون مُرتاح شديد هنا..
 عم صمتٌ المكان، كانت أميرة تسأل نفسها، ليس رجلاً سيئاً، تذكرُ أنه لم يأخذ منها المبلغ الذي كانت تدين له به بسبب الحزمة التي أضاعتها، وتذكرت كلام جوان حين أخبرتها أنه أعطاها بعض الشوكولا، هو رجلٌ جيد، ليس شخصاً سيئاً البتة، إذاً لما يقوم بكل هذا؟، لما يُحيط نفسه بهذه الهالة التي تجعل الجميع يأخذ فكرة سيئة عنه!..
 لم تنتبه أنها كانت تطالعه وتُحدث نفسها كُل هذا الوقت، أفاقت من خيط أفكارها وهي ترى إبتسامة جانبية غريبة ترتسم على شفاهه، لديه أنياب حادة، كأنه مصاص دماء، عقدت حاجبيها عند وصولها لهذه النقطة من التفكير، بدأت ترمش بسرعة حين رأته يقفُ ثم يتقدم نحوها، إقترب منها ليرتمي إلى جانبها بالمقعد الذي تجلسُ به، لف يده خلفها لتستريح على ظهر المقعد، كانت مُتصلبة تماماً، تجلسُ مُتأهبة للهروب في أي لحظة، وصدرها يعلو ويهبط، هي في قبضته، أين يُمكنها الهروب، كما أنه قد وقعت على ورقةِ عقد الزواج السري(عُرفي)، لم تتخيل يوماً أنها ستتزوج هكذا! ..
_ كان يتأملها بجرأة، يعلم أنها تُحدث نفسها كثيراً، لأنها قليلة الكلام، كلماتها محدودة تسأل أو تُجيب بشكل مُختصر، رُغم هذا تُعجبه كثيراً، ربما لأنها تُذّكره بماضيه، عندما كان يُعاني من عقدة نفسية بسبب عدم مقدرته نُطق أي كلمة بشكل صحيح، ربما يكون قد تخلص من هذه المُشكلة الأن، لكن ذكريات تلك الفترة من حياته باقيةٌ راسخة بذهنه. حرك يده الحُرة إلى شعرها، إلتقط ضفيرتها بين أصابعه وهو يقول مُبتسماً: فعلاً شافعة، ثم قرّبها من أنفه يشُمها، كما فعل سابقاً، هبّت أميرة واقفة وهي تتلمس رأسها، أين حجابها، هل كانت جالسة هكذا منذُ ساعة وهي لا تدري!! إرتعش جسدها حين أمسكت قبضته بذراعها، جرّها بقوة لتفقد توازنها وتعود جالسة في المقعد، لف ذراعه حولها، وجدت نفسها بحضنه، بدأ الخوف يتسلل إلى قلبها، بعد أن كاد يُفلح بطرده قبل قليل..
  _
_ح نقعد هنا فترة لحدي م الاجواء تهدأ في الخرطوم، قال وهو يرفع يدها الصغيرة ويخلل أصابعه بين أصابعها بتلاعُب..
_ظلت أميرة صامتة، لا تسمع شيئاً سوى طبول الخوف التي تُقرع بصدرها، هي مُجبرة على البقاء هكذا فيده التي تُحيط بها تمنعها من التحرك، أغمضت عينيها يائسة تسأل نفسها لما تورطت بكُل هذا!.
 فتحتهما مُجدداً على صوت سؤاله: مالك م بتتكلمي!..
_حركت رأسها بعشوائية لتجيب: سـ..ساي..
_إبتسم وهو يقول: عايزك تتكلمي، بحب طريقة كلامِك، قهقه قليلاً ليُردف يُخبرها أن تتلعثم كما تشاء، فهو يعشقُ ذلك التلعثُم الذي يصدرُ من بين شفتيها الصغيرتين، ختم جملته وهو يدعوها بأميرته، شرع قلبها بالخفقان بقوة، وجدت نفسها تقول: لـ..ليه بـ..بـ..بتلعب دور الشرير وانت مـ..ما كـ..كدا!..
 قهقه بصوت عالٍ، كانت قهقهته تدوي بأُذنها بشدة، فقد كانت تضع رأسها وأُذنها ملاصقةٌ لجدار صدره، تنهدّ بعُنف ليقول بعدها: كِبرتا وأنا جواي كُره وحقد كبير إتجاه كُل الناس..
 عاد لتنهُد ثم أكمل..
   <<•••••••
 أنه وُلد في واحد من أقذر وأفقر أزقة الخُرطوم، نزحت والدته من إحدى مناطق الحروب، تشردت بالخرطوم،  مُتشردة تنامُ بالطرقات تتوسد الجرائد وتفترشُ الورق المُقوى "الكراتين"، وقعت بعينا رجل قذر، كان "قواداً" يهوى جمع العا*هرات، كهواية البعض جمع المُلصقات والطابعات، مدّ يد اللُطف إليها، عاملها بشكل ودود، أعطاها طعاماً وبعض الماء، ظل يأتي يتفقدها ويُحضر الطعام والماء وبعض الملابس الدافئة إليها، في يوم إنقلب ذلك الرجل الودود إلى رجلٍ أخر، يُطالب بأن تدفع ثمن كُل ما أتى به إليها، همس بأُذنها أنه لم يكُن مجانياً لأنه لا شئ بالمجان في هذه الحياة.
  حمِلت به أُمه عن طريق الخطأ، وُلد في وسط القذارة، يذكرُ أمه تخرجُ لتعود في وقت متأخر تُجرجر قدميها بقهر، كانت تكره ما تقوم به لكن لا خيار أمامها، ما كانت تفعله لتردّ الدين لذلك الحقير صار مهنةً تُسدُّ بها رمق حملها الوديع الصغير، أخبرته والدته يوماً أن والده رجلٌ فاحش الثراء، أحد أثرى الرجال بالعاصمة، رجلٌ مهمٌ ذو نفوذ، رأه مرة على التلفاز، كان برفقة عائلته، زوجته وأبناءه وبناته، كانوا سُعداء يبتسمون، كيف ينامُ ليلاً بين أبناءه بينما يعلم بوجود إبنٍ أخر، بلا مأوى وبلا سند، يذكرُ أن جمرة الحقد والكُره بقلبه تأججت وإشتعلت في تلك اللحظة.
 كبُر وأصبح فتاً غاضباً، عنيفاً، ويعاني من صعوبة في الكلام، تخلص منها أثناء نموه وبلوغه ليُصبح رجلاً، كان يتشاجر مع والدته دائماً، يكره ما هي عليه، صار على أعتاب الرجولة ولن يسمح لها بالإستمرار في هذا العمل، كان يدرسُ ويعملُ في السوق، ليعود أخر الليل مُنهكاً تعباً، يرتمي بفراشة ويسقط بالنوم، إستمر الحال هكذا حتى إكتشف في يومٍ أن والدته لم تترك ما أمرها بتركه، إشتعل غضباً حين أخبرته أنهم لم يسمحوا لها بتركهم، وهددوها بأنهم سيأذونه، وحيدها، الذي لم تُشرق عليها شمس يومٍ جديد وهي تتنفس إلا لأن قلب الأُم داخلها يأبى تركه يتخبط في ظلمة الحياة وحده، هي التي حاربت وجابهت الجميع حين طلبوا منها إسقاطه، كانت لتقتل نفسها منذُ سنوات، لترتاح، لكنها آثرت العيش ولو بطريقة قذرة، فقط لأجله.
 قال أن أول وأخر شخصٍ تلطخت دماءه بيده كان ذلك اللعين الذي إستغل والدته، ثم هرب برفقتها إلى مدينة أُخرى، بعيداً عن العاصمة، سمع فيما بعد أنه لم يمُت، فقد تم إسعافه بسرعة، لكنه لم يُبلغ الشُرطة عن الفاعل حتى لا تتم إدانته وإكتشاف الأعمال غير المشروعة والتي يقوم بها، في تلك الليلة التي هرب فيها برفقة والدته وعد نفسه بالعودة، كرجلٍ أقوى، لينتقم من الجميع، سيُطلق نيران غضبه لتُحرق كل ما أمامها ولن يرحم أحداً.
  إلتحق بالجامعة في تلك المدينة التي هرب إليها، درس إدارة الأعمال مع أنه كان قد بدأ يُدير أعماله غير المشروعة من وقت أبكر بكثير، منذُ بلوغه سن الخامسة عشر. عاد إلى العاصمة بعد تخرجه، لديه الشهادات التي تخوِّله بإنشاء شركة ليوسع أعماله تحت غطاءها، ولديه الفكرة مُسبقاً، يحتاج لتمويل، رجلٍ ثري، تاجرٌ لا يهتم بأعمال الشركة والأوراق والاجتماعات، ولا تجذبه المكاتب والصفقات، تاجر ثري لديه إبنة جميلة تُصبح خيط الوصل الذي سيوصله لتحقيق أحلامه "ثناء حُسين الجعفري".
 "كان غضبُه قادراً على حرّق مدينةٍ كاملة، وقد فعل".
   •••••••>>
 تنهدّ في حيرة، لما يبوح لها هي بالذات بمكنونات صدره!، مرّ بلحظة ضعفٍ فوجد لسانهُ ينطلقُ ليحكي كُل ما كان يسجُنه داخله لسنوات، حكى لها ما لم يحكيه لثناء التي أحبها وعاش معها أحد عشر عاماً كاملة، لكن لما هي هادئة هكذا!؟، حرك رأسها ليرى وجهها، تفاجأ بأنها نائمة، ضحك كثيراً، يحمدالله، لا أحد يعلمُ بعد ماضيه المؤلم الحزين، سيستمر في إخفاءه، فهو لا يُحب رؤية نظرات الشفقة والتأثر إتجاهه بأعين أي أحد.
  ____

  "الطائف، الخرطوم":-
حركّت يدها تمسحُ هلى شعر صغيرها الذي يتوسد صدرها نائما بعمق، كم باتت تشعرُ بالوحدة، أحبته بصدق، وإخلاص، وتفانٍ، كانت مُستعدة أن تُضحي بحياتها لأجله، حتى بعد أن إكتشفت سوءه وأعماله القذرة التي يُخفيها، حتى بعد أن إكتشفت أنه تم خداعها ببساطة من قبل الرجل الذي شغِفتُه حُباً، لكن قلبها الذي تخلى عن كرامته رفض أن يتوقف عن النبض له، في السنوات الأخيرة تغير، لم يعُد كما كان، كانت تراه في المناسبات المُهمة فقط، تكحل عينيها وتشبع من رؤيته لانه سيعود لهجرها مُجدداً، حدث هذا التغيُر بعد أن إكتشفته وقامت بمواجهته، أصبح بارداً، لكنها ظلت تتمسك بخيط أملٍ أخير، أنه لا يزال يُحبها، لانها تعلمُ جيداً أنه لم ينظر لإمرأة غيرها قط، إنقطع ذلك الخيط الأخير حين أخبرتها رؤى بأمر تلك الطفلة التي بدأ يحوم حولها، أغمضت عينيها تتنهد بحنين لأيام الماضي، الذي مضى، ويبدو أنه لن يعود أبداً..
   <<•••••••
 كانت وقتها تدرسُ التخدير، بإحدى الجامعات السودانية العريقة  والمعروفة، كانت كُلما خرجت من بوابة الجامعة وجدته، شاب أسمر البشرة، وسيم الملامح، طويل القامة ذو نظرة حادة، وكانت نظرته الحادة تخترقُها إختراقاً، فهو يتأملها بإعجاب من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها، كانت مُعتادة على نظرات الإعجاب تلك من الشباب، فجمالها لا يتجادلُ فيه شخصان، الجميع متفقٌ على ذلك، لكن هذا الشاب بدا مُختلفاً، في الأيام الأولى كانت تتجاهله تماماً، حتى أعتادت وجوده حولها، فإذا خرجت ولم تجده في مكانه المُعتاد تحت شجرة النيم الضخمة التي تستغلها "ست شاي" معروفة بإسم روضة، كانت تشتاقه بشكل غريب، شهران كاملان لم يملّ من مُلاحقتها بنظراته، حتى حان الوقت الذي قرر فيه تطوير الإعجاب الذي بينهما وبدء حديث معها، تذكرُ ذلك اليوم جيداً كأنه كان البارحة، حين خرجت وعيناها على المكان الذي تراه فيه دائماً بالجهة اليُسرى من البوابة الرئيسية، لكنها لم تجده، جُن جنون قلبها، راحت تجول عيناها على كُل المكان بحثاً عنه، تنهدت بإستسلام لتلتفت أمامها مُتابعة طريقها، فتتفاجأ به يقفُ على بُعد خطوات قليلة منها، يتأملها وإبتسامة عريضة مرسومة على ثغره، حتى أنيابه الحادة تبدو بارزة كأنياب الذئاب، خفق قلبها بشدة، عامل المُفاجأة تتضامن مع عامل ال"حُب" ليجعلا قلبها ينتفضُ إنتفاضاً يكاد يقفزُ من بين أضلُعها، إقتربت منه في طريقها وهي تتوسط صديقتيها، أشاحت بوجهها خجلاً فقد أطالت النظر إليه وهي التي تتظاهر بعدم إهتمامها بأي شاب، ناداها بإسمها لتتوقف مشدوهة، حتى أنه يعرفُ إسمها!..
  بعد ذلك اليوم إزداد تواصلهما وتحدثهما إلى بعضهما، عرفت أنه قادمٌ من مدينة(**)، وأنه لا يعلم شكل والده حتى، وأنه عانى مع والدته في صغره من الفقر المُدقع، لم يتركها لوحدها أبداً، حتى فارقت الحياة قبل تخرجه بعام..
 رقّ قلبُها له، أحبته كما لم تُحب احداً من قبل، رفضت الزواج بغيره بالرغم من أعتراض كُل أقاربها، لأنه فقير وليس من مستواهم، هذا طبعاً بغض النظر عن أنه "مقطوع من شجرة" كما يقولون، لا أهل ولا أقارب، لكنها أصرت على رأيها، حُبها أعماها عن كُل شئ، وها هي الان تعضُ أصابع الندم والحسرة.
   •••••••>>
زفرت بعنف، هذا الصغير الذي ينامُ بصدرها قطعةٌ منه، يشبهه في كُل شئ، حتى في طباعه عندما يقع بالحب، فهو يعشق بإخلاص، إبتسمت عند هذه النُقطة وهي تذكرُه يُحدثها عن جوان، إنه غارقٌ للأعماق، مثلما كان أمين غارقٌ بها، تعلمُ جيداً أن تلك الصغيرة ليست مجرد نزوة، لا بد أنها حركت أحاسيس من نوع ما بداخله، أمين ليس من النوع اللعوب بمعنى أخر أنه ليس "زير نساء"، تعرفه لا يُعيرهنّ إهتماما مادامت تسكنُ قلبه واحدة منهنّ، تلك الفتاة سيكون صادقاً معها إلى النهاية، أما هي فلم يعُد لها مكان هُناك، لقد رمى بها بعيداً.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《17》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 فتحت عينيها تمطُّ يديها بتعب، جلست على فراشها تفركُ عينها، لقد نامت جيداً، مهلاً، نامت جيداً!!، على أحضانه وبين ذراعيه!، إتسعت عيناها بصدمة، يبدو أنها فقدت عقلها، ماذا يحدثُ لها!، كيف تطمئنُ إليه هكذا، كيف نامت بل كيف شعر قلبها بالأمان، زفرت بقوة وأحاسيس مُتضاربة تجتاحها، نهضت من فراشها وتوجهت نحو خزانة الملابس، تنام ملتفة بعباءتها هذه منذُ البارحة، فتحتها لتجد ثياباً مُختلفة، كُلها رجالية، لا بد أن هذه غُرفة نومه، إن كانت تنام هنا فأين نام البارحة!.
 خرجت من الغرفة وهي تلفُ حجابها بإحكام حول عنقها، مرّت بالكنبة التي تتوسط غُرفة الجلوس، رأت غطاءً ووسادة؟ يبدو أنه نام ليلة البارحة على الكنبة، إبتسمت بإطمئنان، هي هنا معه وحيدة، يمكنه فعل ما يشاء بها لكنه يحترمُ مشاعرها ولم يتعد حدوده معها بأي شكل مُبالغ فيه حتى الآن، "أنه رجلٌ جيد"  همست لنفسها وتابعت طريقها إلى الخارج، وضعت قدميها الحافيتين على على الأرض التُرابية وراحت تتأمل المكان حولها، هُناك الكثيرُ من أشجار الليمون على الجهة اليُمنى وعلى إمتداد البصر، بينما على الجهة اليسرى يوجد المانجو، وبعض أشجار القشطة، تنهدت تتأمل المكان بإعجاب وإبتسامة عريضة ترتسم على شفتيها، الهواء مُنعش رُغم أشعة الشمس الحارقة، المكان جميلٌ جداً، تمشت حافية نحو أشجار المانجو، بعضها يحملُ ثماراً ناضجة وتبدو شهية، إقتربت أكثر ليُغطيها ظل إحدى الأشجار، لتعبق رائحتها الشهية بأنفها، مدت يدها تحاول قطف ثمرة ناضجة مُغرية للعين، كادت أصابعها تُمسك بها، بدأت تقفزُ قليلاً وهي تمدُّ يدها أكثر، لا فائدة لا تستطيع الوصول إليها، زفرت يائسة وهي لا تزال ترفع رأسها تُطالع تلك الثمرة، تودُّ حقاً الحصول عليها، أحست بدفء مُفاجئ خلفها، إلتفتت بسرعة لتجد أمين يمدُّ يداً ويقطفها بسهولة، إنه طويل القامة بشكل جذاب، ظلت تُطالعه بعيناها المُتسعتان كقطة، وبدت لطيفة للغاية، إبتسم أمين وهو يناولها ما قام بقطفه، أخذتها منه شاكرة برضى، داعب أنفها بإصبعه ليخبرها أنه كان يُراقبها منذُ خروجها، فقد كان يسترخي تحت ظل إحدى الأشجار البعيدة..
_هداك الحمام، أشار الى مكان ما ثم أضاف: أُخدي راحتك، في فُرشة جديدة ومعجون وشاور حمام، وفي ملابس مُريحة مُعلقة كمان،  وبعد تطلعي الأكل جاهز في المطبخ، من أمس م أكلتي شي أومأت برأسها "حاضر" توجه أمين عائداً إلى المكان الذي قدم منه، وقفت تتأمله وهو يبتعد، يُجيد القيام بكل شئ، ويُتقن كُل ما يفعله، لا عجب أن الشُرطة لم تجد له أثراً ولم تستطع حتى التحصل على صورة له، أو مجرد دليل يقود إليه، فحياته تسيرُ بترتيب وخُطة مُحكمة.
  _
خرجت من الحمام وهي تشعرُ بإنتعاش كبير، دلفّت إلى الداخل وتوجهت للمطبخ مُباشرة، عصافير بطنها تُزقزق من الجوع، ستأكل كُل ما تجده في طريقها، نظرت حولها لتجد إفطارها مُجهزاً، رفعت الغطاء عن أول طبق، وكانت الأبخرة المُتصاعدة مُتكاثفة على الغطاء الزُجاجي لتعطي مشهداً شهياً، وجدت به البيض المقلي، والطبق الأخر به بعض السلطة مع قطعٍ من الجُبن والزيتون، الطبق الأخير كان يحتوي على شرائح المارتديلا الوردية وقطعتان من الخُبز الأسمر بجوار الأطباق، جلست تتناول طعامها بشهية، ستُعيد التفكير لاحقاً إن كانت تنتظر إنقاذها من هذا الرجل أم العكس، حالياً لتستمتع بطعامها.
  _
دلفّ أمين إلى الداخل وكان يرتدي شيئاً مُختلفاً، يبدو أنه أخذ حماماً هو الأخر، كان يرتدي قميصاً قُطنياً بأكمام ورقبة عالية، كان باللون البيجي، بنطالاً قصيراً من القماش به العديد من الجيوب، كان أسود اللون، يبدو مُختلفاً حين لا يرتدي الزي الرسمي الذي يرتديه عادةً، ساقاه طويلتان، رنّ هاتفه ليردّ في تلك اللحظة، ردّ، بدا مُنفعلاً، يبدو أن هناك مُشكلة ما، كان يُصيح ويُحرك يداه بعنف وإنفعال، رمى بالهاتف على الكنبة بغضب، غادر مُتجهاً إلى الغُرفة وهو يشتُم، وبدا مُنزعجاً كثيراً، نظرت أميرة إلى الهاتف الصغير "نوكيا" الذي إستقر بين وسائد الكنبة، إبتلعت ريقها وهي تُفكر، لقد تركت هاتفها برفقة همّام، إن إتصلت برقمها الأن، فسيمكنهم تتبُع مكالمتها، وتحديد موقعها، وسيهبون لإنقاذها، كما أن عائلتها ستطمئن عليها قليلاً، لا بُد أنهم لم يستطيعوا النوم ليلة البارحة من التوتر والقلق وكثرة التفكير بها، ستتصل بهم، ستُخبرهم أنها بخير، لم يؤذها أمين ولن يفعل "إتضح أنه رجلٌ جيد".
 خرج أمين من الغرفة وهو يطوي الأرض طياً من الغضب، غادر المكان وهو يُخبرها أن لا تبرح مكانها، وأن تبقى بالداخل إلى حين عودته، أومأت برأسها دون جدال، كان التوتر سيقتلها، لا تُصدق أنه قد نسي أمر الهاتف.
  _
وما إن أدار مُحرك سيارته وشاهدته يُغادر ويبتعد ثم يختفي عن نظرها، أسرعت لتلتقط الهاتف بيدها وتُسرع به إلى غُرفتها، بدأت تُسجل رقم هاتفها الذي تحفظه عن ظهر قلب، بأصابع مُرتجفة، يكاد قلبها يخرجُ من مكانه، كما أنها تتعرق بشدة..
 إن إكتشف أمين هذا، سيُجن جنونه.
 _

  "الرياض، الخرطوم":-
عيناه جافتان مُحمّرتان، متورمتان، لم يغمض له جفنٌ منذُ البارحة، قضى طيلة الليل جالسٌ على مقعده في غُرفة الإستقبال شارداً في الفراغ، يكسرُ صوت تنهُده المُتكرر صمت الليل، أحس بإهتزاز بجيب بنطاله، من يتصلُ به الأن!؟، نظر إلى ساعته فوجدها العاشرة صباحاً، أخرج الهاتف ليتفاجأ أنه ليس خاصته، بل هو الذي يخصُ أميرة، وكان المُتصل مجهولاً، ردّ على المكالمة، ليأتيه صوت شقيقته عبر سماعة الهاتف وكانت تهمسُ همساً "أ..ألو ألو، ه..همام أنا أم..أميرة"..
_أميرة!، هب واقفاً كالملسوع، بدأت أطرافه ترتجف، سألها بصوتٍ مُتحشرج: إنتِ كويسة!، عمل ليكِ شي؟، وين إنتِ؟، كيف نقدر نصلك؟؟..
 كانت أسئلة مُتتالية لم يعطها فُرصة لتُجيب حتى، أخبرته بأنها لا تعلمُ أين جاء بها، فقط تعلمُ أنها بمزرعة خارج الخرطوم، بها الكثيرُ من أشجار الليمون والمانجو والقشطة، كما أنه ليس سيئاً كما ظنوا، فقط عليهم تجنُب إغضابه، لم تكد تُنهي جُملتها حتى سمع شهقة فزعة، همست مُتلعثمة "ر..رجع" أغلقت الهاتف بوجهه، بدأ همّام يصيح، لم يفهم شيئاً ولم يحصُل على معلومة مفيدة..
_آلوو، أميرة، لأ لأ لأ، أنهى جملته وهو يلكمُ الحائط أمامه بغضب، لم يشعر بألمٍ حتى، شرع يخيطُ الغرفة يروح ويجئ، ماذا سيفعل!، كيف يتصرف!، رنّ هاتفه يخرجه من تلك الحالة، هذه المرّة كان خاصته، وكان أُسامة يتصلُ به بعد عشر دقائق تقريباً من مكالمتها، يُخبره أن أحد "عساكره" إتصل يُبلغه أن المُكالمة قد سُجلت بالكامل وأنهم قد أفلحوا في تحديد موقعها، إنها في (**)، على بُعد عشرة أميال جنوب الخرطوم، سيطلب دعماً ويتوجهوا إلى هناك فوراً لإنقاذها، كاد همّام يطيرُ فرحاً، نسي أمر جهاز التنصُت المزروع بهاتفها، بصراحة أبهره ذكائها، سيُصر لتعود لإكمال دراستها بعد عودتها سالمة، ذكاءٌ كهذا "حرام يضيع ساي". خرج من المنزل بعد تلقيه تلك المُكالمة السعيدة من صديقه، تحرك متوجها إلى قسم شُرطة أُمدرمان، حيثُ يعمل أُسامة، سيرافقهم وإن كانوا يتوجهون إلى نهاية العالم، لن يمنعه أو يُثنيه أي شئٍ من مرافقتهم، وإن إضطر لملاحقتهم خُلسة.
 همس وهو يكزُّ على أسنانه، لقد أقترب أجلك أيها الوغد اللعين، ستموتُ مُحترقاً بنيران غضبي.
 _
 في طريقه وردته مكالمة من إيهاب يطمئنُ على حاله، زفّ إليه الخبر مُبتهجاً، كما أخبره أنه يتوجه للقاء أُسامة، أنهى مُكالمته بعد أن واعده إيهاب أنه سيلتقيه هُناك أيضاً، ضغط همّام على دواسة البنزين ليزيد من سرعته، نحنُ في طريقنا إليكِ، إصبري قليلاً، قليلاً فحسب.
 ___

_
إرتمت بجسدها على السرير، تذكرت موقفها سابقاً فوضعت يدها على صدرها تزفرُ بقوة، تذكرُ صوت همّام حين إتصلت به، بدا مُرهقاً، مُتعباً، متأكدة أنه لم ينم الليلة الماضية.
   •••••••>>
 كان صوته قلقاً مُرهقاً، لم يُصدق أنه يُحدثها وأنهال عليها بسيلٍ من الاسئلة يحاول الإطمئنان على حالها، أخبرته ما تعرفه ولم تكُن تعرف الكثير أصلاً،  وبينما تُحدثه، سمعت صوت سيارة تتوقف، يبدو أنه أمين قد عاد مُتذكراً أمر هاتفه، أنهت المُكالمة بشكل سريع، بدأ الأدرنالين يسري بكل جسدها، أصابعها ترتجف بقوة، وقلبها ينبض بمعدل مائة نبضة في الدقيقة، تحاول حذف أخر مُكالمة صادرة في قائمة المُكالمات، وهي تتجه مُسرعة نحو غرفة الجلوس ومع ضغطها على "موافق"، وإعادتها للهاتف إلى مكانه بين الوسائد، كان الأخرُ يفتح الباب بقوة ويدلفُّ، وقف قليلاً يُطالعها بتفحص، أطرقت رأسها في خوفٍ وجسدها يرتجف بالكامل، إقترب منها وأبعد الوسادة رامياً بها بعيداً ثم ألتقط الهاتف وهو يقول: نسيت تلفوني..
_أهاا، أومأت برأسها..
 ألقى عليها نظرة أخيرة قبل أن يُغادر مُجدداً.
   <<•••••••
يا ترى هل إستطاعت الشُرطة تحديد موقعها في هذه الثواني البسيطة؟، هل كان كافياً ليقوموا بتتبع المُكالمة؟، إنقلبت تنام على جانبها، تكورت على نفسها وطوت ركبتيها قريباً من صدرها، لما قلبها يُعارض ما قامت به!، لما هُناك جزءٌ صغير منها يتمنى أنهم لم يفلحوا في تحديد موقعهم، هنا تشعرُ أنها خارج العالم، كأنه عالمٌ خاص، تتصرف بسجيتها وتتلعثم براحتها، لا ضغوط، تنهدت وهي تهمس:" كـ..كأنو أنا فـ..في رواية"، أغمضت عينيها ببطء فقد تسلل النُعاس إليهما، لا تفعلُ شيئاً سوا النوم وتناول الطعام وإحتساء القهوة، تخشى أنها أضحت مُدمنة لمرارة الكافيين المُحببة، مثله تماماً.
  _
فتحت عينيها على صوت سيارةٍ تصِفُّ خارجاً، عاد أمين، قفزت من مكانها بلهفة، شعرت بالوحدة حقاً في هذه الفترة البسيطة التي غاب فيها، لقد أعتادت وجوده حولها، رائحة سجائره الممُيزة التي تعبقُ بها ملابسه، وكل ما يلمسه، نظراته الحادة والتي كانت تُخيفها سابقاً، إبتسامته وأنياب مصاصي الدماء خاصته، وصلت إليه تلهثُ فقد ركضت مُسرعة حينما سمعت صوت السيارة، وجدته يتحدث على هاتفه، يُكلم أحدهم وقد سمعت جزءاً من حديثه،" لالا ما قدرت أمشي البيت، أعمل لي إجراءات السفر بسرعة، وعايزك تكلم "يعقوب"يعمل جواز لزول بعرفو، في اليومين ديل وبأسرع فُرصة، لازم أتخارج من البلد سريع".
 أنهى مكالمته، كانت واقفة تطالعه بتركيز، تحاول فهم ما وصل إلى مسامعها، وضع هاتفه جانباً لينظر إليها، لم يكن في مزاج مُناسب ليرى أو يُحدِّث أي أحد، داهمت الشرطة مخازنه، صادرت كُل ما يُخزنه، كُل ثروته، وأصبح مُلاحقاً من قبلهم، ذهب ليتأكد بنفسه من ما سمعه، وجد منزله مُحاطاً بعساكر الشُرطة، ويعلم أن الشركة مُراقبةٌ كذلك، يتصيدون أي فرصة للإمساك به، لديه بعض الأوراق المُهمة، جواز سفره، وأوراق ملكيته لبعض قطع الأراضي كذلك، طلب من رجله الذي أنهى مكالمته معه آنفاً، إبلاغ "يعقوب" هذا بتزييف كُل الأوراق المهمة والتي لا يستطيع الوصول إليها في الوقت الحالي، وتزيف جوازي سفرٍ لهما، سيأخذها معه، ستُرافقه إلى "أديس أبابا" إلى حين تُحل الأمور وتهدأ الأجواء، أشاح بعينيه عنها، رمى بجسده على الكنبة بجواره وزفر بعنُف، كُل ما قام به خلال الخمس وعشرين سنة الصارمة يُدمر أمام عينيه، لا يدري كيف حدث هذا، ولماذا بشكل مُفاجئ هكذا!، رفع بصره إلى الواقفة في مكانها بصمت تُطالعه، منذُ دخولها إلى حياته إنقلبت كُلها رأساً على عقب، بدءاً من إضاعة حُزمة المخدرات التي كان ربُحها يصل إلى ال"٥٠٠" مليون، خسارة إحدى أفضل مروجيه، والتي إختفت فجاءة وكأن الأرض إنشقت وإبتلعتها، كان رجاله على بُعد خطوات منها لكنها فلتت من بين أيديهم، ثم إكتشاف ثناء بأمرها وتهديده أنها ستُدمره إن فكر مُجرد تفكير بالدعس عليها وتزوج إمرأة أُخرى، تنهدّ حين وصل إلى هذه النُقطة، هل يُمكن أنها ثناء وشت به إلى الشُرطة؟، هل يُعقل أنها نفذت تهديدها!، هبّ واقفاً عند سماعه لصخبٍ وجلبة بالخارج، "من هناك!" صاح بفزع، نظر إليها فوجدها تُحدق إلى الخارج بصدمة، عيناها المتفاجئتان أنبأتاه أن شيئاً سيئاً سيحصل، توجه نحو الدرّج بخطوات مُسرعة وأخرج مُسد*سه الشخصي، كان من نوع "Glock 19" مطليٌ بلون الذهب، تأكد أنه مُعبئ ثم إقترب من النافذة بخطوات مُتعجلةٍ وحذرة في نفس الوقت، قطّب جبينه من هول ما رأه، المنزلُ مُحاطٌ بالكامل بأفراد من الأمن والشرطة، وبعض من أفراد الجيش، هل كانو يتبعونه دون أن يلحظ!، نظر إلى أميرة المُتصنمة بمكانها ترتعدُّ خوفاً، تذكر عندما عاد لأخذ هاتفه الذي نسيه، لا بد أنها قد إستعملته، لقد إطمئن إليها أكثر من المفترض، هذا خطأه وحده، إتصل بمونتي يطلبُ الدعم والمساعدة، أشار إلى أميرة أن تختبئ بالمطبخ، فالحائط الرخامي قادرٌ على حمايتها من أي رصا*صة طائشة.
  _
 _إيهاب!، إنتا أخدتا تدريب عسكري صاح!، سأل أُسامة وهو يهمُّ بالترجل..
_أي، أجاب إيهاب يطالعه مُتسائلاً، رمى إليه أُسامة بمسد*س صغير من نوع "Browning" كان سلا*حاً شخصياً بلجيكياً صغير الحجم، يسهل حمله كما يسهل إستخدامه، أخبره أنه مُعبئٌ ب"١٤" رصا*صة، إن حدث أي خطب، أو هرب أمين وأخذ أميرة هو أو أحد رجاله فعليه ألا يتردد في إطل*اق النار..
_بتعرف تصوب صاح!..
_نظر إيهاب إلى همّام الذي يُطالعه بنظرات قلقه، أومأ برأسه، هو لم يُجرب من قبل إطلاق النار على أحدهم، لكنه تعلم ذلك في فترة التدريب العسكري والتي خضع لها قبل سنوات.
 غادر أُسامة، تركهم على بُعد عُدة كيلومترات من المزرعة المقصودة، سمح لهم بالمجئ وهذا سيوقعه في مشاكل مع قائد وحدته إن علم بالأمر، لكنه لن يُخاطر بتعريضهم لأي خطر، سيبقون هنا وينتظرون، لكنه ما إن إبتعد حتى ترجل همّام، حاول إيهاب إيقافه لكنه لم يستمع، جلس إيهاب قليلاً ينتظره علّه يعود، في النهاية ترجل غاضباً وهو يشتم، يُمسك مسد*سه بقوة وإحكام وتبع همّام.
   _
تقدم بعض الجنود، يرفعون أسل*حتهم أمامهم مُتأهبين، وحاولوا كسر الباب الذي كان مُغلقاً من الداخل، أما أمين فقد كان ينتظرُ وصول مونتي، "ذلك الأحمق لما تأخر" من المفترض أنهم على بُعد دقائق من هنا، كانت المرة الأولى التي تراه فيها متوتراً هكذا، كانت جالسة تضمُ قدميها إلى صدرها بخوف وتحدّق به، تتنفس بصوت مسموع، هي حقاً خائفة، كثيراً، كلما ضُرب الباب إرتعد جسدها، حدث صخبٌ عالٍ خارجاً، وصل رجال أمين على ما يبدو، وحدث تبادل لإطل*اق النار، أصوات عالية وصرخات، جلبة مدوية، أغمضت عينيها بقوة ووضعت كفاها تُغطي أذنيها، جسدها يرتجف وينتفض، رصا*صة طائشة أصابت كأساً زُجاجياً أمامها، تطايرت قطع الزجاج الحادة في الأنحاء وإنغرست شظية بساقها، صرخت بقوة حتى تحشرج صوتها، الألم لا يُحتمل، عند هذه النقطة فقط، هذا كُل ما تذكرُه، لا تتذكر شيئاً بعدها، حل الظلام، أغمضت عينيها، لقد أُغمي عليها.
 _

 "مشفى(__)، الخرطوم":-
 بعد ساعتين من الحدث:-
 نهضت مفزوعة وهي تشهق بصوت عالٍ، تتعرق كما لو كانت تركض في ماراثون لمدة ساعتين، نظرت حولها فزعة تائهة، لا تفهم شيئاً، أين هي؟، وماذا حدث!، "أمين" همست بصوت شبه مسموع همّت بالوقوف، وخزةٌ حادة بقدمها منعتها، تأوهت متألمة تنظرُ إلى ساقها، من أين يأتي كُل هذا الألم!!، وجدتها ملفوفة بضمادة وموضوعة على وسادة ترفعها عن الفراش قليلا، تذكرت الأن، أغمضت عينيها بقوة وألم حين تذكرت منظر الشظية تنغرس بساقها، أتت ممرضة مُسرعة على صوت تأوهاتها، وجدتها تحاول النهوض فأعادتها إلى مكانها وجعلتها تستلقي بالفراش مُجدداً، نظرت إليها أميرة بعينين تجمعت بهما الدموع، همست مُتألمة بصوت مُتقطع: هـ..هـ..همام، همام..
  _
_أميرة، أميرة إنتِ كويسة!..
 دلف همّام مُتعجلاً، إقترب منها وجلس على الكرسي المجاور لفراشها، كانت تنظرُ إليها ودموعها على وشك التساقط، قلبها يؤلمها وساقها تؤلمها كذلك، مسح على شعرها بحنان، إشتاق النظر لهاتين العينين الواسعتين، أما هي فكانت تطالعه بضياع، لا تدري من أين تبدأ، من ماذا تسأله أولاً، خرج صوتها مُختنقاً من حلقها، "أمـ..مين!؟"..
 _الحمدلله أمين ما*ت في إطل*اق النار الحصل، بتلاتة رصا*صات على صدرو..
_لم تسمع بقية الكلمات، ظل كلامه يتردد بأُذنها، "أمين ما*ت، أمين ما*ت،": أمـ..ـين مــ..، قطعت جُملتها فقد شعرت بشئ يعتصرُ قلبها بشدة، إختنقت الحروف بحلقها، لم تخرج سوى تنهيدات بُكاء، إنهارت بعدها تنتحب بألم، دموعها تنهمر كالسيل تأبى التوقف، ظلت تنتحب وتنتحب وتنتحب، لا تستطيع منع نفسها، بل لا تريد ذلك.
 تعجب همّام من نوبة البُكاء الحادة التي دخلت بها، ظن أنها ربما أثار الصدمة، فقد أُنقذت من عملية إختطافٍ للتو، لم يكن بمقدوره منعها فأكتفى بمواساتها فقط.

 "كيف لقلبي الصغير والذي بحجم قبضة اليد أن يحتمل وداعاً أبدياً كهذا!؟، لقد أعتادك للتو!".
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《18》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "مشفى(__)، الخرطوم":-
 نفس المشفى الذي به أميرة:-
مسحت "حليمة" دموعها بطرف ثوبها "تُوبها" وهي تعاتبه على تورطه بهذا الأمر، كانت الشُرطة لتحُل الأمر، لما عليه حرقُّ قلبها ألماً عليه دائماً، لما يقوم بكُل هذه التصرفات الطائشة!، إكتفى إيهاب بالإبتسام ثم أجابها أن ما حدث قد حدث، لا داعي لكُل ما تقوم به، كما أن إصابته ليست خطرة لهذه الدرجة، أنهى جُملته وهو يُلقي نظرة خاطفة على أُخته الواقفة إلى يمينه، يطلبُ منها المُساعدة فوالدتهما لن تكف عن البُكاء ولن تجف عيناها ما دامت قد فتحت هذا الباب، تدخلت تالين قائلة: خلاص يا أومي، إنتِ مفروض تكوني مبسوطة ولدك طلع بيعرف يعمل شي مُفيد، ضربته بمرح وهي تُتابع: ولااا شنو يا سوبر هيرو هيهيهي، تأوه إيهاب يكتمُ ألمه، أقنعت تالين والدتها أن تخرج وتغسل وجهها وقد كان، وما إن خرجت حتى إلتفتت إلى شقيقها وراحت تؤنبه وتعاتبه هي الأُخرى..
_تصدقي، ما عارف نفسي إندفعت وعملت كُل العملتو دا لشنو، قال وهو ينظرُ بعيداً بشرود وضياع، إبتسمت تالين إبتسامة عريضة وهي تضربه مُجدداً وتقول: شكلو في زول إتخطى حبو القديم ووقع في حب جديد، تأوه إيهاب بصوت مُرتفع وصاح عليها: يدي يا عواليق، قهقهت تالين بصوت مُرتفع وهي تقول: تاني عشان م تتقمص شخصية البطل، وبينما هما على أمرهما هذا طُرق الباب طرقات سريعة مُتتالية ليُفتح بعدها مُباشرة ويطل أُسامة، دلفّ وأغلق الباب خلفه وهو يقول: حمدلله ع سلامتك، كان قد وصل إليه حين قال: إتفاجئنا كُلنا من الحصل، طلعت مكنة يا زول، إبتسم إيهاب وأطرق رأسه بحُزن، يعلم أن كوابيس تلك اللحظة ستُطارده لسنوات، لم يتوقع يوماً أنه سيُهدرُ د*م أحدهم، ربت أُسامة على كتفه يواسيه، يعلمُ أنه ليس أمراً سهلاً، يتذكُر أول إطلاق رصا*ص له على هدف حي، ظلت يداه ترتعشان ليومين بعدها، رفع عيناه يُطالع تالين، إلتقت أعينهما، إبتسم لها فأشاحت بوجهها تتظاهر بأنشغالها..
  _
_أها أنا ماش بعد دا، أشوف همّام وأختو وأطمن عليهم كمان..
_يا زول!، إنتا ما شوفتهم للآن؟
_لالا جيتك أول قُلت أطمن عليك بعدين أمشي ليهم، رفع عينيه يُطالعها، هي السبب الذي جعله يأتي إلى هُنا أولاً، كان يشتاقُ رؤيتها، أضاف وهو يتظاهر بالنسيان: بعدين هم نازلين في ياتو غرفة زاتو؟ تصدق نسيت يا مان!..
_نظر إيهاب لتالين وهو يقول: تالين جات هسي من عندهم، ممكن توصلك، تفاجئت تالين، نظرت إلى أُسامة مُضيقة عينيها بوعيد، إنها خُطته من البداية، ممُثل بارع، مُتأكدة أنه لم ينسى أي شئ، بل هي خُطة حبكها، مثلما تظاهر بإضاعة هاتفه قبلاً ليتحصل على رقم هاتفها..
  إبتسم أُسامة لتُحفر غمازته بعمق على خده الأيسر، غمزها يُعلمها بإنتصاره، ثم عاد يُحدث صديقه.
  __
 كانا يمشيان جنباً إلى جنب على الممر المؤدي إلى الغرفة المقصودة، بدوا كثنائي، ثُنائيٌ مثاليٌ ومتكامل، لكنهما كانا يسيران في صمت تام، "ثُنائي صامت" تنهدّ أُسامة بصوت مسموع للفت إنتباهها وهذا ما حدث، نظرت إليه متسائلة لتجده يبتسمُ مُنتصراً، ككل مرة، سألها عن حالها فأجابت بإختصار ثم عادت للصمت..
_ما ح تسأليني من حالي يعني؟..
_زفرت بنفاذ صبر لتقول: أها حالك وأخبارك!؟..
_مجروح، ردّ بطريقة درامية وهو يرسمُ ملامح حزينة على وجهه..
_خير إنشاءالله مالك! .
_في بت، حلبية قصيرة عيونها مُكحلة طبيعي، كُل ما أشوفها قلبي بيدُق، بس للأسف هي ما معبراني..
_كانت نبضاتها تتسارع لسماع ما قاله، شعرت بالإرتباك الذي بدا جلياً عليها، لم تُعقب على كلامه وأكتفت بالصمت..
_توقف أُسامة يُمسك بطرف كُم عباءتها التي ترتديها ليوقفها، لم يكن يريد لمسها، يرى جيداً مدى إلتزامها وسيُزعجها كثيراً إن فعل، نظرت تالين ليده التي أفلتتها بسرعة، ثم رفعت إليه عينان غاضبتين، إبتسم مُجدداً وهو يُدسُ كفاه بجيوب بنطاله، كان يقفُ مُتكئاً على الحائط وهي تقفُ أمامه على بُعد خطوات قليلة تطالعه تنتظرُ تبريراً، زفر ليقول وقد رسم ملامح جادةً على وجهه..
_شوفي يا بت الناس، بدون لفّ ودوران، أنا شهرين بس وشقتي تكتمل، يعني نهاية السنة دي أنا بكون جااهز للعرس، موافقة ولا م موافقة!؟..
_قطبت حاجبيها وعيناها الكحيلتان مُتسعتان تُطالعه مشدوهة مصدومة متفاجئة..
_هاا قولتي شنو؟..
_بتقول في شنو إنت!!
_كلامي واضح نعم ولا لأ، موافقة ولا م موافقة عايز جواب الأن. أنهى جُملته بنبرة آمرة حاسمة جادة، عقدت حاجبيها ووضعت يديها بخاصرتها تستعدُ لشجاره، لما يحدثها بطريقة الأمر والنهي هذه؟، أيظنها أحد جنوده!، ليتفاجأ الإثنان بصوت زغروته أُطلقت من خلفهما، كانت حليمة، أنهت زغروتتها مُبتسمة إبتسامة عريضة وهي تقول: أكيد موافقة، تلقى زيك وين!..
_أوومي!!، نادتها بنبرة عتاب مُحرجة..
_كدي أسكتي يا بت، كلها أربعة شهور وتتخرجي، وعادت تُطلق ذلك الصوت المُزعج مُجدداً، حتى خرج أحد الأطباء منزعجاً من العنبر المجاور يطلب منها الكفّ عمّا تقوم به "يا حجة نحنا في مُستشفى، إحترمي الناس العيانين ديل على الأقل".
أسرعت تالين تضع كفها تُغطي شفاه والدتها وتعتذرُ بإحراج، بينما أطلق أُسامة الذي يراقبهما قهقهة عالية، كان يضحك بجنون ضحكة خارجة من أعماق قلبه، وكانت غمازته تحفرُ مكاناً له في قلبها، تُطالعه بشرود وإعجاب تعلمُ أنه لن يراها في هذه اللحظة، فلتتأمله كما تشاء، إنه يفوز، تلاعبه وضحكته، غمازته تفوز في هذا التحدي، فهي تعبثُ بقلبها وتدغدغه بشعور لذيذ، الحُب يفوز.
  "إبتسِم فقط، فحُفرة غمازتك هدمت سقوف الجمال".
  __

 
  "الطائف، الخرطوم":-
_ماما!..
 شهقت فزعةً تلتفت خلفها، لقد إنتزعها صوت وحيدها المُنكسر من شرودها، أضحى يتيماً الآن، لا والد لديه ولا ظهر يسنده وقت الشدائد والصعاب، لقد يتمت صغيرها، لو لم تخبرهم بكُل ما تعرفه لما حدث ما حدث، ثكلى هي الأن، كأُمٍ كفيفة فقدت وحيدها الذي كان عيناها بشكل مُفاجئ، لم تصغي لما قاله بعد مُناداته لها، ترى شفاهه الصغيرة تتحرك فحسب، ظهر باسل من خلفه فعلمت أنه كان يُنبئها بوصول إبن خالتها الذي جاء لتعزيتها، تلك النظرة المُشفقة على عينيه، يُدرك أنها تلومُ نفسها على كُل شئ، وضع يده على كتف الصغير، إنحنى يهمسُ له بكلمات ما، أومأ مروان برأسه، ثم لم يلبث أن غادر مُسرعاً، أكمل باسل فتح باب الغرفة الذي كان مفتوحاً بشكل جزئي، "ثناء أنا.." قاطعته وهي ترفع كفها تأمره بالوقوف مكانه، أطرقت برأسها تهمس أنها أرملةٌ الأن، عليها أن تُكمل عُدة الأرملة المتوفي عنها زوجها، لا تُريد رؤيته لمدة أربعة أشهرٍ وعشر أيامٍ كاملة، أمرته بالمغادرة وهي تشيح بوجهها، عادت تلتفت إلى مرآة تسريحتها الجالسة أمامها بشرود وحُزن منذُ تلقيها الخبر المؤلم، رأت إنعكاسة يُنصرفُ مكسوراً، شهقت شهقة قوية، حاولت منعها بتغطية فمها بكفيها لكنها عجزت، نظراتٌ جزعه مُتألمة تنعكسُ على المرأة، وجهٌ مكروب حزين، دموع تنهمر كسيلٍ ينهمر مُندفعاً من أعلى الجبال، بدأت الشهقات تتوالى، تحولت لتنهيدات بُكاء مكتومة ثم لعويل بصوت مُرتفع، لقد رحل، لن يعود، لم يعُد له وجود في هذه الحياة بعد الأن، أسرع إليها مروان فزعاً من حالتها، يسألها ما بها لكنها لا تُجيب، ضمته إليها تعتصرُ جسده الصغير بقوة إلى صدرها، تكاد عظامه تُسحق تحت ضغط يديها، لكنه لم يمنعها، يعلم أن هنالك خطباً ما، يعلمُ أن مكروهاً قد أصاب والده.
 تركها تنتحب بأعلى صوتٍ تملكه وهي تضمه هكذا، كادت حبالها الصوتية تتقطع من شِدة عويلها، وخارج الغرفة، على بُعد خطواتٍ من الحائط كان باسل يقفُ مُطرقاً رأسه بحُزن، ألمها هو ألمه، يشعرُ بنحيبها يخترقُ أنسجة قلبه، كسكاكين تُغرسُ في صدره بلا رحمة، واحدة تلو الأخرى، مع كُل شهقة تخرجُ مختنقة من حنجرتها.
 حتى بعد رحيله، ما زال قادراً على إيذاءها، لا يزال يتقدمه بخطوة، لا يزالُ يُمثلُ جداراً عالياً يحُولُ بينه وبينها، حتى بعد رحيله!.
 _
وصل والدا "ثناء" وبقية الأهل وشرعوا بإقامة مراسم العزاء، بينما توجه مروان إلى غرفته مُظلم الملامح، أغلق الباب على نفسه وأنزوى إلى رُكنٍ بعيد، أخذ هاتفه وشرع بالبحث على أحد تطبيقات الأخبار التي تتابعها والدته،  أدخل إسم والده كاملاً والذي يحفظُ طريقة كتابته عن ظهر، بدأ يتهجأ كلماتِ أول مقال ظهر على شاشته، "مـ..مقتل، رجُلِ ال..الأعمااال الش..ش..هـ..ير..صااحب ..ش..شركة "بابلو"..والذي أو..كتششف أنه "أُسو،..أُسكوبار" ملك المُخ..مُخدراات بمدينة الخرطوم..الخ الخ" إلى نهاية المقال.
 رمى مروان بهاتفه بعيداً وضمّ ركبتيه إلى صدره بقوة، دفن وجهه بينهما، وظل ساكناً على هذه الحال. مُظلماً، مُنطفئاً، ضائعاً بين ثنايا هذا الشعور الغريب الذي يغزو قلبه لأول مرة، لم يكُن حُزناً بل كُرهاً.
  __

   "الحلفايا، بحري":-
 اليوم الذي يلي الحادثة :--
 فُتح باب السيارة، إقترب منها همّام يسنُدها لتترجلّ، كانت تشعرُ ببعض الوخز المؤلم، لكن الطبيب قد شخص إصابتها بأنها ليست خطرة، ستحتاج لتنظيف الجُرح وتغير الضمادات، كُل يومٍ والأخر، وقد أخذت بعض الأدوية المُسكنة والمضادة الحيوية، لفّت ذراعها حول عنق شقيقها تتكئ عليه بينما همّام يحمل ثُقل وزنها بلفّه يدُه بخاصرتها، كانت تعرُجُ وتتألم مع كل خُطوة، جُلُّ ما تُفكر به الأن هو الوصول إلى غرفتها، فُتحت بوابة المنزل لتُطل فاطمة بنظرات مُشفقة حزينة على حالها، وأسرعت إليها جوان تُمسكها من يدها الأخرى، ظناً منها أنها تسنُدها هكذا، إبتسمت أميرة بألم، إقتربت من فاطمة التي دعت لها بالشفاء العاجل، دلفّت أميرة إلى المنزل الذي غادروه ليلاً وبشكل سري قبل ما يُقارب الأسبوع، خوفاً من "أمين"، لكنه قد رحل الأن، يُمكنهم العودة فلا شئ سيُعكر صفو أيامهم، تجمعت الدموع بعينيها، عليها التماسك، إنتحبت بما يكفي في المشفى، خاصة عندما أخبرها همّام بالطريقة التي ما*ت بها أمين، وكيف أن إيهاب أطلق عليه تلك الرصا*صات الثلاث حين رآه يحملها ويهرُب بها من الباب الخلفي..
   <<•••••••
 فبعد أن غابت عن الوعي، وأشتبك رجال أمين مع عناصر الأمن خارجاً، وجد أمين فُرصة للهروب من نافذة الغرفة الخلفية، أخبره رجُله   "مونتي" أنه أوقف سيارة لتُقِّله في الجانب الجنوبي من المزرعة، خارج السور خلف أشجار الليمون، بينما كان الإشتباك يحدث ُ في الجانب الشرقي، في تلك اللحظة، حملها أمين، إستطاع الخروج بشكل سري عبر النافذة المُطلة على سور المزرعة الغربي، تسلل مُتجهاً شرقاً، حيثُ تنتظره السيارة التي ستُساعده على الفرار، رآه همّام بينما كان يقتربُ من الخلف، وكان يتبعُه إيهاب، ركض همّام  يُلاحقه وهو ينبه الجميع أنه يلوذ بالفرار، ويأخذها معه، مُجدداً، تبعه إيهاب، وبعض الجنود، لكن أمين أختفى بين الأشجار الكثيفة، تفرق الجميع ينتشرون في الأرجاء، ولم يرى إيهاب بعدها، إلا حين سمعوا صوتاً قوياً لإطلاق رصا*ص يدوي في الأجواء، توجه الجميع يركضون إلى جهة الصوت وهو من بينهم، ليسمعوا مجدداً صوتاً لإطلاق ثلاث رصا*صات مُتتالية، وصلوا ليتفاجئوا بأمين جُثة هامدة، عائمة على بِركة من الدماء، جسدُ أميرة فاقدة الوعي ملقيٌ بجانبه وساقها تنزفُ بغزارة، ومن الجهة المُقابلة وعلى بُعد أمتار قليلة منهما، كان إيهاب جالسا على الأرض بتعب وألم يُمسك يده اليُمنى، أُصيب برصاصة من مسد*س أمين، وكانت دماءه كنافورة، أتضح أن الصوت الأول لإطلاق النار كان صوت مُسد*س أمين، كان قد أطلق عليه حين وجده يُلاحقه بضراوة يقتربُ من إمساكه، أما الرصا*صات الثلاثة الأخرى المتتالية، فقد أطلقها إيهاب، جعل الجميع يُذهلون من دِقّة تصويبه بيده اليُسرى-فقد كان أعسراً-رُغم إصابته، أطلق ثلاث رصا*صات متتالية كفعلٍ تلقائي تبرمج عليه دماغه وجسده نتيجةً لما تلقاه سابقاً من التدريبات.
  أخبرهم أُسامة لاحقاً حين قدِم لزيارته، والإطمئنان على أميرة، أن "أمين" لو لم يكن يحمل أميرة بين يديه، ربما كان ليُفلح في الفرار، لو لم يكن يحملها ربما كان ليُطلق النار بشكل أفضل، ويصيب إيهاب إصابة أخطر، إصابةً تمنعُه من التصويب عليه وإرداءه قتيلاً.
   •••••••>>
 تأوهت بقوة وفاطمة ترفع ساقها المُصابة تضعها على الوسادة، إعتذرت منها الأخرى لأنها قد آلمتها، إكتفت أميرة بالإبتسام وهزّ رأسها، جاءت بعدها ليلى تطمئنُ على عمتها، مازحتها أميرة أنهما قد أصبحتا كبعضهما، ستعُرُجان لفترة قبل أن تُشفى إصابتهما بالكامل، بقي الجميع معها قليلاً بالغرفة، نظراتهم كانت تكشفُ الأسئلة التي تدور بأدمغتهم، أسئلة يعجزون عن طرحها في مثل هذا الوقت وهذه الظروف، لقد كانت مُختطفة لمدة ستٌ وثلاثون ساعة، يومٌ ونصف، كانت برفقة رجل غريب، مُجرم، وخطير، أجبرها على توقيع عقد زواج "عُرفي"، هل يُحتمل أنها لا زالت بخير؟، هل هي لا زالت سليمة!.
  _
خرج الجميع لتركها ترتاحُ قليلاً، حاولوا تلطيف الأجواء وتخفيف ألمها قدر المُستطاع، كانت ترسمُ إبتسامةً باهتة، لكن ما إن خرجوا وأُغلِق عليها الباب، ما إن وجدت نفسها وحيدة حتى بدأت دموعها بالإنهمار، إنكفئت على وجهها تمدُّ يدها تتحسس ساقها المُصابة، وهي تبكي بهيستريا، تكتم صوتها حتى لا يسمعها أحد، كانت تصرخُ بصمت، كان عويلاً لكن بلا اي صوت، كمية الألم الذي تشعرُ به، نفسياً وجسدياً، الفقد، وإحساس المرارة الذي سيرافقها طوال عمرها، فقط لو تنسى كُل لحظة سعيدة قضتها بجانبه، فقط لو تنسى كُل إبتسامة رسمها على شفاهها، كُل شعور جميل لامس قلبها بسببه، فقط لو تنسى هذه الفترة القصيرة من حياتها وتنساه، وتنسى أنها كانت السبب في رحيله.
  __
في مساء ذلك اليوم، عجّ الطريق أمام بوابة ذلك المنزل بالسيارات، كُل من علم بالخبر السعيد جاء ليطمئن ويبارك الخبر، كانت سيرين أولهم، جاءت برفقة والدتها، وكذلك يوسف وزوجته، وجميع أصدقاء ومعارف همّام، ووالدته "فاطمة" واصدقاء ومعارف "منصور" من حياته، وكذلك بعض أقرباء أميرة من والدتها والذي يقطنون بالعاصمة، كان المنزل ممُتلئاً بالوجوه، تعبت أميرة فطلبت من سيرين والتي كانت تجلسُ جوارها طوال الوقت أن تُغلق الباب، بدت مُختنقة ومُتضايقة، بقيت سيرين ووالدتها وبرفقتهم جوان بجوارها في الغُرفة، وضعت رأسها على الوسادة وهي تتأوه بتعب، أغمضت عينيها، تحتاج للنوم قليلاً، فتحتهما مُجدداً على أحساس كف جوان الصغير يمسح على شعرها، إبتسمت تشعرُ بإمتنان كبير إتجاه هذه الصغيرة صاحبة القلب الكبير واللمسات الحنون، عبست جوان تقول "عمو أمين شرير، بسببو إنتِ إتعوقتي"، تجمعت الدموع بعينيها مُجدداً، ليس شريراً، بالرُغم من أنه يبدو كذلك، لكنه كان رجلاً جيداً، جيداً كثيراً وبشكل مُفرط يجعلها تتألم كُلما تذكرته، ستكون هذه أسوأ فترة تمر بحياتها، بعد تلك الفترة التي أخذت وقتاً طويلاً تتعالج منها بعد رحيل والديها.
  أغمضت عينيها بقوة تحاول منع دموعها، أشاحت بوجهها لئلا تراها جوان، فوجدت سيرين تنظرُ إليها بتأثر واضح، إقتربت منها، همست بأُذنها أن تكون قوية، ما حدث كان مُقدراً..
_شوفي دكتور نفسي..
_شفطت أميرة أنفها الذي بدأ يسيلُ مع سيلان دموعها، قالت برجاء وصوت متحشرج: عـ..عايزة أمشي من هنا، مـ..ما بقدر أقعد، ح أجن.
_ مسحت سيرين دموعها وهي تزمُّ شفتيها، لتقول بشكل فاجأ الجميع وبدون مُقدمات: "تمشي معاي تُركيا!؟".
  __
تنهدّ بتعبٍ وهو يختلي في الجانب الخلفي من حديقة المنزل، يجلسُ بأحد الكراسي الموزعة في المساحة الفارغة هناك، إتكأ بظهره على الكُرسي ليرفع رأسه ويزفر بصوت مسموع، تلك الأيام الثلاثة المُنصرمة كانت الاسوأ على الإطلاق، لم ينل قسطاً كافياً من النوم والراحة منذُ اليوم الذي أُختطفت فيه شقيقته، أسدل جفنيه وأرخى جسده الذي بدأ النوم يغزوه، لكن قبل أن يغرق بعالم الأحلام جاءه صوتٌ يألفه قلبه يُنادي بإسمه من بعيد، كانت سيرين تتقدم نحوه بخطوات وملامح جادة، جلست على الكُرسي المُقابل مُباشرةً وهي تقول بلا مُقدمات: همّام، خلي أميرة تسافر معاي تُركيا، م ح تقدر تواصل حياتها بشكل طبيعي هنا بعد الحصل، قالت بعضمة لسانها إنها ح تجنّ لو قعدت هنا، أخذت نفساً عميقاً لتواصل: جدي وحبوبتي جدودها، وأبوي عمّها، وأنا أُختها الكبيرة، وعد مني إني ح أختها في رموشي وأعاملها زي م بتعامل الأُم بتها، و ح أقنعها ترجع تتم دراستها وأسجل ليها في أفضل جامعة هناك، بس إنتا خليها تمشي معاي، وتبعد من السودان دا..
_أطرق همّام رأسه بضياع، إبتسم بمرارة ثم عاد يرفع رأسه ينظرُ لعينيها قائلاً بحُزن: إنتِ ح ترجعي تُركيا بعد دا!، إتمنيت لو تقعدي فترة أطول..
_إبتلعت سيرين ريقها، شعرت أن الزمن يمرُّ ببطء وهي ترى هذه النظرة المُحبطة الخائبة على سوداويتيه، يعزُّ عليها فراقه أيضاً، فقد بدأت تُكنّ له المشاعر تواً، أشاحت بوجهها تحاول إخفاء لمعة الحُزن التي ظهرت بعينيها، هبّت واقفة وهي تقول: المُهم فكر في القلتو ليك قبل شوية، ولو على رأي أميرة فهي عايزة تمشي، بس قالت خايفة قرارها يزعلك..
 إنصرفت سيرين ليعود إلى خلوته وسكونه، زفر بعُنف وهو يغمض عينيه ويُعيد رأسه إلى الخلف، يبدو أنه لن يرتاح أبداً، من أين خرج له هذا الأمر الأن؟.

"سَـ أخبركَ أنِــي أرسلُ روحِـي إلى السمـآء لِـ تلتقِــي بكَ، وتحتضنُ روحك، وتطمــئنَ عليك، كُلما إشتقتُكَ".
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《19》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 إنصرفت سيرين من أمامه تسيرُ بخطوات شاردةٍ تائهة، لا تود الدخول الأن ستتمشى قليلاً بالحديقة، دست كفيها بجيوب ذلك البنطال المطاطي الضيق الذي ترتديه، كان أسود لامعاً بنعومة، فوقه أرتدت قميصاً نسائياً ناعماً بأكمام طويلة مُنتفخة، وذو لون وردي غامق، وكان قُماشه شفافاً يُظهر القميص الأسود المطاطي والضيق، عاري الأكمام من تحته، ليرسم رشاقة جسدها وجمال ذراعيها بوضوح، أخرجت كفها تُحركه على شعرها القصير بشرود، إتكأت على السور الأمامي تنظرُ خارجاً، تلك الأحاسيس التي تنتابها كُلما إلتقت سوداويتيه بعينيها تُضعفها، يمكنها التخلي عن كُل شئ في تلك اللحظة وهذا ما لا تُريده، ستعود وتعمل بالسفارة الروسية، كما أرادت وخططت دائماً، يجب أن تُفكر بطريقة عملية بحتة، العاطفة في هذه الأمور المُهمة تخلقُ لحظات الندم لاحقاً، ضحت بما يكفي لرجلٍ من قبل، لا تُفكر بالتضحية بأحلامها بعد الأن، زفرت بصوت مسموع وهي تقف بإستقامة ترفع وجهها تُطالع السماء ونجومها اللامعة، قطع تأملها صوتٌ غير مألوف سمعته من خلفها، صوت إمرأة..
_سيرين!..
 إلتفت سيرين بسرعة عند سماع إسمها واصلت صاحبة الصوت: إنتِ سيرين صاح!..
_أعادت سيرين خصلات شعرها إلى الخلف تُدقق النظر إليها، أجابت "نعم" وهي لا تزال لم تستحضر أين رأت هذا الوجه الأُنثوي الجميل بعد، إقتربت منها أسيل وهي تُحرك أصابعها المُخضبة بالسواد على خُصلات شعرها التي تأخذُ لونها من ظلمة الليل، أصلحت حجابها الذي كان يُظهر جزئاً كبير من خُصلاتها، ترتدي فُستانا "مُزهراً" به الكثيرُ من الألوان المُبهجة، مضمومٌ عند خاصرتها برباط من نفس لونه، وحذاءأً ذو كعب عالٍٍ يُصدر ضجيجاً على الأرضية البُلاطية مع كُل خطوة تقترب فيها منها..
_إبتسمت أسيل وهي تقفُ أمامها تفصلهما خطواتٌ قليلة، كانت أطول منها ببضعة سنتيمترات بفعل ما ترتديه في قدميها، إبتسمت لتقول: إنتِ سيرين يعني، تأملتها بغيظٍ من أسفلها إلى أعلى رأسها، إلتقت عيناها بعسليتي الأُخرى التي تُطالعها حائرة..
_ههه شكلك م عرفتيني، إنحنت قليلاً تقتربُ منها: بتذكر شوفتك في صالة الفرح، يوم عرسي والجيتي همستي فيهو ل"جوزيف" بكلمات المُباركة..
_إتسعت عيناها بذهول حين أدركت من تكون: أسي..أسيل صاح؟..
_أيوا..
_أهلاً، إقتربت منها سيرين تنظرُ إليها بتحدٍ وثبات وقد أعادت دفن كفيها بجيوب بنطالها..
_لالا بس كان عندي فضول أعرف البت الأخدتا منها حُب حياتها، همست تتُابع بشماتة: وأعتذر ليها..
_رسمت سيرين إبتسامة جانبية وهي تقول: إنتِ م أخدتي يا قمر، أنا رميتو ليكِ، عشان كدا مافي داعي تعتذري..
_والله!..
_صدقيني، صمتت سيرين قليلاً لتُردف: وبقدر أكد ليك وأبصم بأصابعي العشرة إني لسه في قلبو و م قدر ينساني، ودا سبب جيتك الغريبة لي ووقفتك قدامي بالطريقة دي حالياً، إتسعت إبتسامتها لتُضيف: نار الغيرة مولعة بعيونك، بس خليك مُطمنة ما أنا البرجع وأخد شي رميتو في الزبالة..
_إشتعلت عينا أسيل بالغضب، لكنها إبتسمت مُتظاهرة بقوة موقفها لتقول: جد!، بس نظراتك وضيقك يومتا ما قالو كدا، زمّت شفتيها ثم أفرجتهما تهمس: لو ما متذكرة أذكرك، يوم إتلاقينا في "زلابينو"، همّت سيرين بقول شئ لكن خيال ذلك القادم من خلفها، وصوته الذي حُفرت  نبراته في جدار قلبها، منعها، تقدم يوسف نحوهما وهو يقول: أسيل!..
 وقف بجوار زوجته لكن عيناه اللتان تعلقتا بها تُنبئ عن مدى تفاجئه بوقوفهما مواجهتان لبعضهما هكذا، الشوق الذي لمع بهما، ملامحه التي لا تُفسر، الغيظ الذي رأته بعيني "أسيل" حين رأته يُطالعها هكذا، إبتسمت  سيرين بإنتصار ثم تحركت من أمامهما بزهوٍ وغرور وهي تقول دون أن تُكلف نفسها عناء الإلتفات: مرتك لمها عليك لو سمحت، ما ناقصة غيرة وعوارة أخر الليل، يا يوسف.
 لم تُناده بإسمه من قبل، كان دائماً "جوزيف" حبيب قلبها، لكنه لم يعد كذلك الأن، بات يوسف فحسب، تركته هو وإسم "جوزيف" لتلك الحمقاء البلهاء عدوة نفسها، فلتهنأ به قدر ما تشاء، أصبح رجلاً من الماضي بالنسبة لها، أصبح يوسف الغريب.
 بينما هي تبتعد مُغادرةً بثبات كانت ناعستاه تُتابعانها بشرود، كفعل لا إرادي، لم يستطتع منع نفسه من مُلاحقتها بنظراته، التي جعلت هذه الواقفة بجانبه تحترق وتتلوى بنيرانها، أصبح وجهها احمر اللون من حرارة الجحيم المتأجج داخلها، تقفُ أمامه وعيناه على إمرأة أُخرى!، "لاااه جبتها كبيرة المرة دي"، ضربته على صدره بقهرٍ وهي تقول: غبي..
 إنتبه لتصرفه الأبله، فضربة يدها التي تلقاها على صدره إنتزعته من اللاوعي الذي يُدخله به وجود سيرين بالأنحاء، نظر إليها مُرتبكاً وأراد قول شئ، أشاحت وجهها  عنه بحدة وغيظ واضح، همّت بالمغادرة فألتوت قدمها بسبب الكعب العالي الذي تصرُّ على إرتداءه دائماً، تأوهت لتجد نفسها تستندُ على صدره ويده تُمسك ذراعها بقوة تمنعها من السقوط، نفضت بها بعيداً وهي تدفعه بحدة، وتنظرُ إليه شزراً، ثم واصلت طريقها تطوي الأرض طياً من غضبها.
  _
دخلت إلى مجلس الضيوف ورمت بجسدها على أقرب كُرسي، أعاد نفس الحركة مُجدداً، يتابعها بنظرات هائمة كُل ما مرت أمامه، هذا ما حدث قبل أن تخرج لتُجري معها تلك المُحادثة-الودية-آنفاً، كانت قد مرّت من أمامهما تقصدُ الخارج، شرد هو بها ببلاهة، فشعرت هي بنار تشتعل داخلها ونهضت تتبعها، سمعت الحديث الذي جرى بينها وبين همّام، فقد كانت مُختبئة بالظلام، ورأت أيضاً تلك النظرات التي تبادلانها، عند تذكُرها لهذه النُقطة إرتسمت إبتسامة عريضة على شفتيها، يجب أن يعلم يوسف بأن حبيبته السابقة وصديقه المُقرب يُكنانّ العاطفة لبعضهما، ستستمتع كثيراً برؤيته وهو يحترق بصمت.
  _
 في اليوم التالي:-
 مدرسة(__) الابتدائية بأركويت:-
 قُرع جرسُ الإستراحة فوجدت قدماها تقودانها إلى شجرة الأكاسيا، حيثُ مكانهما المُفضل، توقفت تُحارب إحساسها القوي بالذهاب والجلوس إلى جانبه، كان جالساً شريداً بحُزن وملامحه مُظلمة متألمة، كان يتكئ على ركبتيه بوجهٍ حزين ومنطفئ، أصرّ على القدوم رُغم أنه لم يمض على وفاة والده سوى ليلتان، أضحى البيت كسجن بُنيت جُدرانه من مرارة الحزن المُعتق بالنسبه له، كُل شئ كئيب، غُرف المنزل تفوح منها رائحة الموت والفقد، ففضل الهروب من هُناك إلى حصنه وملجئه، شجرة الاكاسيا برائحتها العبقة، حيثُ يرى أميرته الجميلة تُطبطب على أحزانه بدفء، توقفت جوان تتأمله من على بُعدٍ وأحاسيس متضاربة داخلها، عاهدت نفسها أنها لن تُحدثه مجدداً، بسبب ما جرى مؤخراً، كان صراعٌ قوي يحتدم داخلها، رفع مروان عينيه صُدفةً فرآها، إلتقت صقريتيه بلوزيتيها الواسعتان، شعرت بقلبها ينتفض، أشاحت بوجهها وإنصرفت مُسرعة من هناك، لكنها لم تلبث أن وجدته يلحقُ بها مُسرعا، ينادي بإسمها فترفض التوقف أو الإلتفات، لم تعُد تسمع صوت خطواته تلحقها، توقفت وإلتفتت ظناً منها أنه قد رجع، تفاجأت به يقفُ ومرارة حقيقية مرسومة بملامحه، كانت بينهما مسافة كبيرة، ظل يُحدّق بها خائباً، لم يعتقد أنها قد تُعامله هكذا يوماً، وفي اللحظات التي يحتاجها فيها حقاً إلى جانبه، قلبه ينزفُ من جميع الجهات، كم سيتلقى من الصدمات المؤلمة بعد! أطرق رأسه  وأنصرف عائداً إلى مكانه مُنكسراً، ما بينهما قد أنتهى، صداقتهما تلاشت، فهذا سيكون أخر لقاء، وأخر نظرات يُلقيانها على بعضهما..
  _
  "الحلفايا، بحري":-
 بعد ساعات:-
 في غرفة أميرة:-
 أفاقت من شرودها الحزين لتُطالع تلك الصغيرة الجالسة إلى جانبها، كانتا تُشاهدان حلقة من ذلك الأنمي المُفضل لدى جوان، لكنها على غرار طبيعتها كانت حزينة صامتة، خالية من الحماس الذي بملأها كُلما لوح "لولوش" بسيفه في وجه الأعداء، وتلك اللمعة بعينيها الواسعتان قد إنطفئت، زفرت أميرة بقلقٍ تسألها..
_ج..جوان!، إنتِ ك..كويسة!؟.
_رفعت جوان بصرها لعمتها، تفاجئت الأُخرى بكمية الدموع المتجمعة بهما، أحاطت خديها الممتلئان بكفين دافئين وهي تقول: جـ..جوان!، أحـ..حكي لي مالك!..
_مسحت جوان دموعها وشرعت بالبكاء تُخبرها من بين شهقاتها الموقف الذي حدث بينها وبين رفيقها الصغير نهار اليوم بالمدرسة، كما أخبرتها بقرارها الذي إتخذته والذي يؤلم قلبها بشدة أيضاً، ضمتها أميرة إلى صدرها تواسيها ثم قالت وهي تمسح على شعر جوان ووجها الصغير مدفون بصدرها..
_إنـ..إنتِ ليه بـ..بتعاقبيه على حـ..حاجة مـ..ما عـ..عـ..عملها!؟، غلطانة في حـ..حقو، هـ..هو ما عندو ذ..ذنب في الحصل..
 فكرت جوان قليلاً فوجدت أن عمتها مُحقة، إقتنعت بالعدول عن قرارها، والإعتذار إليه صباح الغد لأنها قد ظلمته، إنشرح صدر جوان وإنفردت ملامحها، بعد أن فضفضت بما كان يعتمل في صدرها، رددت بعفوية وسعادة حقيقية تجتاحها "شُكراً عمتو💛".
  _
إجتمعت العائلة في مساء ذلك اليوم على طاولة العشاء، كان الجو كئيباً والصمت يحلُ على رؤوسهم، رفع همّام عينيه إلى أميرة، والتي كانت قد تحسنت وبدات تتمشى هُنا وهُناك قليلاً، يذكرُ ما قالته سيرين عن أنها تودُّ حقاً مفارقة هذا المكان لكنها خائفة على مشاعره إن أظهرت رغبتها، لماذا تُراعي لمشاعره بينما هي على هذه الحال!؟، أليس من الأولى أن تُفكر بنفسها، حياتها، مُستقبلها، لأنه لن يكون موجوداً دائماً لترجع إليه جميع القرارات المُهمة في حياتها، تنهدّ ليضع المعلقة على الطاولة، رفع جميع من بالمائدة أعينهم ينظرون بترقُب، إبتسم بمرارة وهو يُطالع أميرة التي تجلس بمحاذاته..
_طبعاً حابي أكلمكم بقرار مُهم وتغير كبير ح يحصل في حياتنا في الأيام الجاية صمت قليلاً ليُضيف: أميرة حسب رغبتها ح تسافر تُركيا وتكمل دراستها الجامعية هناك، شدد همّام على جُملته الأخيرة كأنه يُخبرها أنها لن تغادر أرض الوطن إلا لتتحصل على العلم وتكمل دراستها، نظرت جوان إلى أميرة مصدومة، ثم غادرت المائدة بسرعة وبلا كلام، همّت أميرة بالوقوف لكن همّام منعها، تحتاج وقتاً مع نفسها تتقبل فيه هذا الخبر الصادم بالنسبة لها، زفرت أميرة وقلبها مشغول بصغيرتها وصعوبة تلقيها هذا الخبر، فهما مُتعلقتان ببعضهما كثيراً..
_والله يا بتي خطوة كويسة، تُركيا قرايتها سمحة زي ما سمعنا، بس خليك واعية وخلي بالك لنفسك..
_حـ..حااضر ماما "فاطمة".
 حوّلت أميرة نظرها إلى"ليلى" الجالسة بصمتٍ تُراقب ما يحدث، لا يظهرُ على ملامحها أي تأثُر، ولا تُبدي ردة فعلٍ واضحة للعين بتاتاً، إبتسمت لها أميرة بحنان، ثم إلتفتت  لهمّام الجالس على شمالها وهي تقول بإمتنان وحُب كبيرين: شُ..شُكراً..
 حركّ همام رأسه نفياً ليمدُّ يده إلى كفها المُستقرة على الطاولة، يحتويها بكفه ويُحرك إبهامه على ظهر كفها ليقول ما يعجز عن قوله، كوني بخير، سأكون هنا دائماً، كُلنا هنا دائماً وأبداً موجودن لأجلكِ، إذا حصل أي شئ، أي مُشكلة لا تلتجئي لأي جهة غريبة، ولا تترددي في إخبارنا، سنُهبُّ فوراً لمساعدتكِ ونجدتكِ، فهذا هو السبب الذي خُلقت لأجله العائلة.
 _
_"تُك، تُك، تُك"..
_....
_جـ..جوان، ما عـ..عـ..عايزة تتكلمي معاي؟، زعلانة مني؟..
_.....
_زفرت أميرة بصوت مسموع وقالت بحُزن: كـ..كدا؟، ترضي تِزعلي عـ..عمتو منك وما ترضي تـ..تفتحي الباب وتُشوفيها!؟..
  همّت بالمغادرة لكنها قبل أن تبتعد جاءها صوت جوان باكياً من خلف الباب"خُشي عمتو، الباب مفتوح".
 _
_جد ح تسافري عمتو!؟..
 قالت جوان بإستجداء وحُزن واضح، أومأت أميرة برأسها تقول: عـ..عايزة أسافر، أ..أتغير، أبعِد مـ..من المكان الما نمَّا فـ..فيني طـ..طول العشرين سـ..سنة دي غير الضـ..ض..ضعف والهشـ..شاشة، عـ..عايزة أعتمد على نـ..نفسي وأبقى أقوى..
_أطرقت جوان رأسها في صمت، ظنت أميرة أنها ستواصل جدالها ومحاولات إقناعها عن العدول عن قرارها، لكن تفاجئت بشهقات بُكاء مكتومة تخرجُ قصراً من حنجرتها، مدّت يديها تلفُهما حول الصغيرة وتضمها بقوة، علمت أنها فهمت كُل ما قالته لها وتفهمته كذلك، لا تود أن تُثنيها عما قررت لكن يعزُّ عليه الفُراق، مسحت على شعر صغيرتها وهي تُقبّلها بقوة على رأسها، قُبلة أفضت فيها كُل كلمات الإعتذار والأسف.
  _
نامت الإثنتان إلى جانب بعضهما تلك الليلة، ربما أكثر من سيؤثر بها غياب أميرة هي جوان الصغيرة، لكنها ستعتاد على ذلك، ستضغط على قلبها، ستكون سعيدة أن عمتها "أميرة" تشُقَ طريقها أخيراً، وتمضي قُدماً بحياتها.
 _

 "المُلازمين، أُمدرمان":-
رنّ مُنبه هاتفه يُنبئه أنه وقت الإستيقاظ، فتح عيناه الناعستان بتكاسُل، يُعاني من صعوبة في التأقلُم على الإستيقاظ مُبكراً؛ فقد إعتاد الخمول في عطلة شهر عسله الطويلة والتي إنتهت منذُ يومان فقط، فقد تعاقد مع أكبر شركات المقوالات الهندسية بالقطاع الخاص، وبدأ عمله بشكلٍ رسمي مع بداية هذا الأسبوع، وبالصدفة المحضة تزامن ذلك مع إنتقالهما إلى الشقة التي إستئجرها بحي المُلازمين لتكون "أسيل" قريبة من والديها وأخواتها ألى أن يحين موعد وضع مولودها الأول، مدّ يداه يتمطى بتعب، إستوى جالساً في وسط السرير، تنهدّ وهو ينظرُ إلى الفراش الخالي، لم تنم بجانبه منذُ عودتهما من منزل همّام، تلك الليلة التي وجدها تقفُ مع سيرين، أدرك من حدسه الذي لا يُخطئ ما جرى، وعلم أن ذلك لن يمرّ على خير، تعامله بجفاف وبرود، ترفض أن تنام بجواره وترفض محادثته، تقوم بكُل واجباتها المنزلية كزوجة، ثم تُغلق الشقة وتطلب "ركشة" وتتوجه إلى منزل والديها، لتعود بعد حلول الظلام، يرجع هو من عمله بوقت أبكر بكثير، الرابعة مساءً يكون بالمنزل الهادئ المهجور كبيتٍ للأشباح، ليجد طعامه مُعداً، ومنزله نظيفاً، أبعد الغطاء عن جسده وترجلّ مُتجهاً إلى الحمام، خرج بعد دقائق قليلة وأرتدى ملابس رسمية مُرتبة، توجه بعدها إلى المطبخ ليُعد لنفسه كوباً من الشاي الأخضر يبدأ به نهاره، وصل إلى مسامعه صوت باب غُرفتها يُغلق فعلم أنها مستيقظة أيضاً، تفاجأ بعدها بكوب الشاي مُعداً حديثاً تتصاعد منه الأبخرة الساخنة، زفر مُبتسماً وهو يتناوله يرشفُ منه مُتلذذاً بطعمه الذي يهواه.
  __
سمعت صوت باب الشقه يُغلق، فعرفت أنه قد غادر، همّت بالوقوف متوجهةً إلى الخارج وهي ترفع خُصلاتها حالكة السواد تجمعها في "كعكة" عشوائية أعلى رأسها، كانت ترتدي قميصاً مُريحا بلا أكمامٍ من الكتان، يأخذ لوناً مُتدرجاً ما بين الأصفر الباهت والمسترضى، يصلُ إلى ما فوق رُكبتيها بقليل، فتحت الثلاجة لتُخرج برطمان مُخلل الخيار والجزر، أصبحت تشتهيه وتتناوله بكميات كبيرة مؤخراً، هذا بفعل الصغير الذي تحمله بأحشائها، كما لاحظت زيادة وزنها وإنتفاخ وجهها وإمتلاء خديها، شكلُها يتغير، "من يهتم" وضعت قطعتين من شرائح الخيار بفمها وهي تُصدر صوتاً يدلُّ على إستمتاعها بما تفعل، بدأت تتمايل على ألحان أُغنية عالقة برأسها وهي تُدندن بصوت غير مفهوم وتضع قطعتين أُخرتين بفمها، إتسعت إبتسامة ذلك الواقف خلفها منذُ فترة طويلة محاولاً كتم ضحكاته، كان يُراقبها بصمت وهدوء، طاوياً يديه أمام صدره يتكئ بكتفه على باب المطبخ، تظاهر بإنصرافه حتى تطمئن الفريسة-زوجته-وتخرج من جُحرها، قرر مُصالحتها فبقائهما على هذه الحال يبدو غريباً لزوجين، خاصةً إن كانا قد تزوجا حديثاً، يُدرك خطأه جيداً، حنينه إلى إمرأة أُخرى جريمة لا تُغتفر، يعلم أن ذلك أذى مشاعرها وكبرياءها، ربما قد أشعرها دون قصدٍ منه بأنها غيرُ كافية، حانت منها إلتفاتة لتتفاجأ به واقفاً هُناك يتأملها، شهقت بقوة، حموضة المخلل علقت بحلقها فشرعت تسعُل وقد دمعت عيناها، أسرع إليها يوسف يناولها كوب ماءٍ وهو يمسح على ظهرها، هدأت قليلاً بعدها وتوقف السُعال، رفعت إليه عينان كعينا قطة شرسة، راحت تضربه على صدره بكلتا يديها وهي تقول بغيظ: عايز تجنني إنت!؟، هااا وريني عايز تجنني؟!.
 أمسك يوسف مرفقيها وهو يقهقه بجنون، ضحك حتى دمعت عيناه، في النهاية إنحنى يتكئ على رُكبتيه وهو يعتذر، لم يستطع تمالك نفسه، كان منظرها مُضحكاً، إزدادت غيظاً منه، فشتمته وهي تبتعد غاضبة، كانت تُهمهم ببعض الكلمات، عند الباب باغتها يوسف يُغلق الطريق أمامها بجسده، توقف عن الضحك وعادت ملامحه الجادة، طوت يديها تزفرُ بوجهه وقد نفذ صبرها، أخذ يوسف نفساً عميقاً ليقول بعدها: ح نستمر كدا لمتين؟..
_كدا كيف؟، سألت بتحاذُق تشيح ببصرها جانباً.
_إنتِ فاهمة بطلي تتغابي، ليك يومين بتنومي في غرفة منفصلة، وما بشوف وشِك إلا صُدفة وإنتِ داخلة أو طالعة من الحمام..
_المُشكلة وين؟ ما فهمت، قالت تطالعه بنظرات باردة مُستفزة..
_يالله الصبر والسلوان، بت!، إنتِ مالِك مُستفزة كدا، أنا قاعد اعتذر منك هنا، ما تنرفزيني..
_رمقته بنظرة حادة جعلته يُدرك أنه قد أفسد كُل شئ، إلتفتت متوجهة إلى "البوتاجاز"، ستُحضر لنفسها شيئاً يُهدئ أعصابها إلى أن يملّ ويغادر، لا يظن أنها ستسامحه ببساطة، ستجعله يـ.. قُطع خيط أفكارها بيديه تلتفان حول خاصرتها تضُمانها إليه بقوة وهو يقفُ خلفها، دفن وجهه بين خُصلات شعرها ليهمس بنبرة جعلت الأحاسيس تتفجر بخافقها : أنا أسفٌ، "يا سيدتي"..
 شُلت حركتها وتجمدت بمكانها، قلبها سيخرج من مكانه، أطرقت رأسها تُغمض عينيها بخجل وإرتباك، لم تستطع محاربة تلك الإبتسامة الدافئة التي إرتسمت بثغرها، رفعت يدها وحركتها على شعره كأنها تقول سيدتك قد قبلت إعتذارُك، ورضت عنك.
 "مُدّ خُنصرك إلى خُنصري، دعنا نتواعد، وعدا لا يُحنث، أنّ حُضني سيظلُ سمائك الواسعة، وعالمك الخاص، الذي تعود إليه مهما طالت أسفارُك وغُربتك، وبأن قلبي مهما غضب وإشتعل، فبهمسة فقط، تخرجُ صادقة من قلبك، سينسى لك ويغفر".
   __

  ----
 بعد مُضي أسبوعين:-
 يوم الأُثنين، الرابعة فجراً:-
دلفّ همّام الى البيت بهدوء، أغلق الباب متوجهاً نحو السلالم حيثُ غرفته، يشعرُ بتعبٍ مُبالغ فيه، فقط يود الوصول إلى سريره، تنهدّ واضعاً قدمه على أول درجات السلم ليتفاجأ بظلٍ صغير يجلسُ عند نهايته في الظلام وفي صمت وسكون تام، دقق عينيه يحاول تبيُن ماهيته، نادته بصوت مُتحشرج: بابا، عمتو أميرة ماف في غرفتها..
_زفر همّام الهواء من رئيتيه وتقدم نحوها يجلسُ جوارها على السلالم قائلاً: عمتو أميرة قالت ليك معسلامة وخلي بالك من نفسك ومن أُختك، وقالت لي أقوليك "خليك بت قوية دايماً"..
_لا هي سافرت يعني، بدأت جوان تبكي بأعلى صوتها، كيف سافرت هكذا، لما لم توقظها لتودعها!، كانت تود مُرافقتهم للمطار وتوديعها مثلهم..
_قالت ما يصحوكِ وإنتِ نايمة، طيارتها قامت قبل نُص ساعة، هي وخالتو سيرين وخالتو صوفيا..
_ليه ما ودعتني يا بابا تاني ما ح أشوفهااا، أنهت جُملتها تنتحب بقوة، أمسك همّام رأسها يضعه على صدره، خلل أصابعه بين خُصلاتها الناعمة، تنهدّ ليقول: م تبكي خلاص، موش قالت ليك خليك بت قوية!، وبعدين موش وعدتكم تجي نهاية السنة عشان تحضر عرس أُستاذة تالين وعمو أُسامة!؟، ليه البُكا؟..
   __
وضعها على فراشها بهدوء وحنان، نشر عليها الغطاء لتبقى دافئة، لقد إنتحبت على صدره كثيراً تلك الليلة، إلتفت إلى ليلى النائمة بالسرير المجاور، غطها جيداً وقبلها على خدها بدفء، ليخرج بعدها متوجهاً صوب غرفته لينال قسطاً من الراحة، إرتمى على فراشه بتعب، وضع ذراعه يغطي عينيه المُغمضتان، صغيرته قد غادرت العُش اليوم، قراره بالسماح لها بالسفر وحيدة كان أكثر القرارات صعوبة في حياته، ستُنهي دراستها وتعود، هذا كان وعدها له، لن تبقى أكثر من خمس سنوات هناك، إبتسم حين تذكر النظرات الأخيرة التي ألقاها عليها..
   <<•••••••
 كانت تقفُ بجانب سيرين، أما صوفيا فذهبت إلى دورة المياه حتى لا تحتاج لذلك
بعد إقلاع الطائرة، إبتسم همّام بحُزن يوصيها على نفسها، كان صوته دافئاً، كأب، بدون مقدمات تقدمت نحوه تحتضنه بقوة، كانت تحاول كتم شهقاتها، علا صوتٌ على الميكروفون يُخبر المسافرين التوجه إلى بوباتهم، أمسكتها صوفيا تحتضنها إليها يتوجهون إلى بوابتهم بخطوات ثقيلة، تتبعهم سيرين التي إلتفتت تُلقي عليه نظرة أخيرة، إبتسم لها يُحرّك كفه ملوحاً لها، ليتفاجأ بها تعود مُقتربة منه بخطوات مترددة، أمسكت يده تضع شيئاً بها وتقول: ح أجي معاها بعد ست شهور لعرس أُسامة وتالين، خليها معاك ذكرى من لقائنا الأول، لأننا ح نتلاقى تاني أكيد، إلتمعت سوداويتاه، غمزته الأُخرى تحاول حبس دموعها، تركت يده لتبتعد مُسرعة تركضُ إلى بوابة طائرتها، رأها تمسح دموعها خفيةً، زفر بعنف رافعاً كفه يرى ماذا وضعت به، وجدها نظارتها الشمسية ذات العدسات الملونة بألوان الطيف، إبتسم ليهمس، "كان هذا لقائنا الثاني، يا سريعة النسيان".
   •••••••>>
سرقه النوم في وسط تلك الذكريات، فالتعب قد أنهك جسده وعقله.
  _
تململت جوان قليلاً لتفتح عينيها مُجدداً، كانت غفوة قصيرة، جلست في منتصف الفراش بضياع، أصبحت وحيدة تماماً، لماذا يُغادر الجميع معاً وبنفس الوقت، غادر مروان أيضاً، منذُ أُسبوعين، وبنفس الطريقة لم تودعه، غادر بدون وداع، فلتت شهقة يتيمة من حنجرتها، مدّت جوان يدها إلى حقيبتها المدرسية على دُرج الدراسة بجانب سريرها، أخرجت رسالته إليها، والذي خطها بيده، وسلمها إلى معلمتهما "تالين" لتُسلمها إياها، فذلك اليوم الذي رفضت فيه الحديث إليه فيه كان يومه الختامي، فوالدته قررت العودة والبقاء بمنزل والديها بأُمدرمان، سيحوّل إلى مدرسة أخرى بأُمدرمان، بدأت تستهجئها محاولةً قراءتها، تلتها لها عمتها في ذلك اليوم، تذكرُ بعض الكلمات، قال لها: "دعينا نلتقي مُجدداً لاحقاً، تحت شجرة الأكاسيا".

  "دائماً ما نُعاني في تفاصيل الوداع".
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《20》
#الاخيـــــــــــــــــــــــــــــرة
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
  "خرطوم٢، شركة(__)المحدودة":'
 دلفّ إلى الشركة يرتدي زيّه الرسمي الخاص بالعمل، قميصٌ بأكمام طويلة أبيض اللون، وبنطال أسود أو من الجينز يطوي بداخله أطراف القميص، إتجه إلى قسم الحسابات، لقد غاب عن هذا المكان طويلاً، شهرٌ كامل، تعافت إصابته بشكل كامل، كما أنه ملّ من ملازمة المنزل والبقاء بلا عمل طيلة هذا الشهر.
  __
_أووو حبيبنا، حمدلله ع سلامتك، قال أحد زملائه ما إن رآه، إلتفت البقية وتهافتوا نحوه يلقون التحية ويطمئنون على حاله، جلس أخيراً إلى مكتبه، ينتظره الكثير من العمل، وجد جبلاً من الملفات والأوراق مكوماً على طاولة المكتب، تفقد حاسوب الشركة ليجد بريد العمل خاصته يتزاحم بالرسائل الواردة، إتكأ على مقعده مُرجعاً رأسه إلى الخلف يزفرُ هواء رئيتيه بعنف، سينقسم ظهره ريثما يُكمل كُل هذا..
 __
_تُك..تُك..تُك..
_رفع إيهاب بصره ناحية الباب، ليجد همّام مُتكئاً يبتسمُ برضى وهو يقول: welcome back bro ، نورت الشركة.
_إبتسم إيهاب وهو يقول: الشركة منورة بوجودكم، صمت قليلاً ليُضيف: لكن ما بالغتو معاي!..
_سأله همّام مُتعجباً: في شنو!..
 عاد إيهاب بظهره إلى الكرسي مُتكئاً يطوي إحدى يديه أمام صدره بينما أشار بالأخرى  إلى كومة الأوراق أمامه..
_قهقه همّام وهو يتحرك قائلاً: أكرُب قاشك ساي يا زول..
_أمشي ي بتاع الHR، ياها حركاتكم..
_عاد همّام يرسم نظرة جادة على وجهه ويقول: قولت شي!، م سمعتك..
_قُلتا ليك مرورك نورنا ههه..
  _
إنصرف همّام وعاد إيهاب مُنكباً على حساباته يُنجزها، كان يشُمر عن ساعديه ويعمل بكُل حواسه كعادته، فهو يحبُ أن يكون عمله مُتقناً ومُجوّداً دائماً.
 ______

  "خمسة أشهُرٍ مضت"
            ____

_بابا، بابا موعد طيارة عمتو أميرة قرب، الساعة سبعة جات، قالت جوان وهي تهزُّ والدها تحاول إيقاظه، كان قد وعدهم بأخذهم لإستقبالها بالمطار، طائرتها كانت ستهبط عند الثامنة والنصف، عاد همّام من الشركة وخلد إلى فراشه ينتوي أخذ قسط من الراحة حتى يحين موعد تحركهم، لكن جوان ظلت تأتي برفقة ليلى كُل دقيقتين وتذكره بأن الموعد إقترب، وكانت متلهفة ومتحمسة لرؤية عمتها كثيراً، فمنذُ معرفتها بخبر قدومها أصابتها "مُتلازمة السعادة"، كانت تُعاني من فرط الحركة، وفرط التكلم، وفرط الضحك، في النهاية إستسلم همّام ونهض زافراً بعنف من فراشه، إقتنع أنه لن يغمض له جفنٌ مالم تنتهي هذه القصة، توجه إلى الحمام ليأخذ دُشاً ويبدل ملابسه ويأخذ طفلتيه لإستقبال أُخته العائدة من الخارج، إبتسم عند وصول تفكيره لهذه النُقطة، أميرة المُدللة، كثيرة الوقوع بالمشاكل وكثيرة البُكاء، تلك الصغيرةُ الهشة، تغيرت كثيراً في الأشهر الست الأخيرة، تم قبولها بجامعة سكاريا بعد سفرها بشهر، إستقرت في مدينة سكاريا في سكن جامعي خاص بالطالبات الأجانب، بدأت دراستها مُباشرة  بتخصص "إدارة الأعمال"، وقد أنهت المستوى الأول من سنتها الأولى، تزامنت عُطلة إنتقالها إلى المستوى الثاني مع وعدها الذي قطعته بحضور حفل زفاف تالين واُسامة، والذي سيكون بعد يومين..
 ليس نادماً على سماحه لها بمغادرة العُش، إنها تمضي قُدماً، لاحظ تغيُرها من خلال مُكالماتها التي لم تنقطع منذُ سفرها، تُخبرهم بكُل ما يحدث معها، إستطاعت سيرين التحصل لها على هذا المقعد الدراسي مجاناً، فقد قُبلت بمنحة دراسية، الأن وجهها المُظلم أضحى مُشرقاً، إختفت تلك الهالات السوداء تحت عينيها، يذكرُ أنها أخبرتهم شروعها في تعلم "الميكب"، أسعده الخبر أكثر من أي شئ، يحبُ كيف أن الحياة عادت تدّبُ بها.
  __
 "مطار الخرطوم الدولي، الخرطوم":-
 في صالة الإنتظار، كان همّام قد جلس في أحد المقاعد، على يمينه جلست ليلى الصامتة، ومن الجانب الأخر تجلسٌ جوان "الثرثارة"، لم تكُفّ عن الحديث منذُ مُغادرتهم المنزل، جلسوا ينتظرون وبنتظرون، شعرت جوان بالنعاس، صمتت، إتكأت على ذراع والدها تنتظر بشرود..
_قولتا ليك الوقت بدري لسه، إنتِ أصريتِ تطلعينا..
_مُشتاقة ليها عشان كدا..
_إبتسم همّام وقرص أرنبة أنفها مُداعباً، لفتت إنتباهه ليلى وهي تقول: ب..ب..باا..
 كانت قد بدأت تنطقُ ببعض الحروف مؤخراً، وكان ذلك من أسعد اللحظات التي مرت عليه في حياته، أشارت ليلى إلى مكان ما، كانت إحدى البوابات، حيثُ طلت أميرة تحمل حقيبة يدها الجلدية متوسطة الحجم، ترتدي بنطالاً واسعاً وفوقه قميصٌ واسعاً يأخذُ ال"أوف وايت"، يبلُغ طوله ما فوق ركبتيها وحجاباً بنفس اللون، بدا حضورها مُختلفاً، تسيرُ بثقة تتلتفت حولها، عيناها الواسعتان تبحثان عنهم، عن عائلتها، هرعت إليها جوان وهي تصبح بإسمها ليملأ صوتها أرجاء صالة الاستقبال، لم تُخفف من سرعتها فأصطدم جسدها الصغير بجسد أميرة بزخمٍ عالٍ، جعل الأُخرى تترنح إلى الخلف وإبتسامة كبيرة تملأ وجهها، عانقت الاثنتان بعضهما بحرارة، كان غياباً قصيراً طويلاً، وكان عناقاً صغيراً كبيراً.
 وصلّ همّام يسيرُ مع ليلى إليهما، أميرتي الصغيرة قد كبُرت، نظر إليها يتأملها بنظرات تنضحُ بكثير من المشاعر، تنهدت أميرة وهي ترفع بصرها إليه، تحاول حبس دموعٍ أثقلت جفنيها، ما لبثت أن أرتمت على صدره تضمه بقوة تبثُه كل أشواقها، كُل ما تعلمه أنه كان دائماً الأفضل، أفضل أخ، وأفضل أبٍ بعد وفاة والدها، ستظلُ مدينة له أبداً، لن تستطيع ردّ كُل ما قدمه لها، لكنها ستحاول.
 _ل..ليلى!..
_اممم، ردت ليلى تبتسمُ لها، إقتربت منها أميرة لتأخذها إلى صدرها تضُمها وتمسح على شعرها الأجعد ذو اللون البُني، تزداد شبهاً بوالدتها يوما بعد يوم، همست ليلى بأحرفٍ مُتقطعة قُرب أُذنها "ع...متو، أم..يرة!".
_ب..بقت تتكلم، همّام ليلى ن..نطقت إسمي قبل ش..شوية، صاحت أميرة ولهفة وسعادة حقيقية تغمُرها، أومأ همّام يُحرك رأسه مُبتسماً برضى وهو يقول: اي، بدت تتكلم أخيراً.
 _عادت تضمُها برضى وهي تقول: الحمدلله.
  __
في الطريق حكت لهما أميرة عن حياتها الجديدة بمدينة سكاريا وأنها لا تبعُد من بيلجيك الكثير، سألها همّام عن سبب قدومها وحيدة، يذكرُ أن سيرين وعدته بمجيئها لحضور حفل الزفاف الذي دعتها لحضوره تالين شخصياً..
_س..سيرين، أخر مرّة ش..شوفتها قبل شهر تصدق، في ع..عطلة نهاية الأسبوع، ما شوفتو ح..حماسها بعد ما إشتغلت مُ..مُترجمة في السفارة الروسية في إسطنبول، تنهدّت تتابع: حققت حُ..حُلمها أخيراً..
 إبتسم همّام، سعيدٌ لأنها وُظفِت بوظيفة أحلامها، ما كان ليكون أكثر رضىً من ذلك، رُغم تلك الخيبة التي ملأت قلبه عندما لم يرها برفقة شقيقته بالمطار.
  __
إرتمت على فراشها تستنشقُ هواء غرفتها بقوة، إشتاقت لهذا المكان، إنقلبت تنام على بطنها تحتضنُ وسادتها، يبدو أنه لم يدخل أحدٌ الغُرفة منذُ مُغادرتها، كل شيءٌ كما هو لم يتغير، أغمضت عينيها بإطمئنان ودفءٌ كبير يجتاحها، ذلك الشعور المُريح الذي يجتاحُ المرء عندما يكون بدياره، وبين أهله.
 __

   "بعد يومين":-
 "صالة دلاس، أمدرمان":-

 _أوو يا مان الأخبار، تسلم يا رب وعقبالك، ناس كمال في التربيزة ديك، أشار إيهاب إلى إحدى الطاولات الدائرية الموزعة في جميع الصالة، التي كان ديكورها يتراوح بين أفرشة الطاولات ذات اللون الخوخي الهادئ، وباقي الديكور يأخذ اللون الخمري، بينما الأرضية مفروشة بسجادات ناعمة باللون الاسود، تنهدّ إيهاب بتعب، كُل العمل يقع على عاتقه بما أنه الأخ الأكبر والوحيد للعروس، يوسف وقف بجانبه وساعده كثيراً، لكنه قد لا يستطيع المجئ، أسيل منذُ دخولها للشهر السابع من حملها إزداد وهنها ومرضها، قضت طيلة الاسبوعين المُنصرمين تقصد المشفى وتعود منها، والدا أسيل قد حضرا، إتجه نحوهما فقد كانا يبحثان عنه، كانت شقيقة أسيل الصُغرى برفقتهما، وصل إيهاب وألقى التحية ليباركوا له زواج أُخته ويهنئوه بسعادة، أشار إلى حيثُ توجد والدته "حليمة"، التي تجلسُ بنفس الطاولة مع والدا "أُسامة"، فقد سألت "روضة" عنها، تريد تهنئتها على زواج إبنتها، زفر إيهاب يحركُ أصابعه على شعره بعد إبتعادهم، كم يتمنى أن ينتهي هذا اليوم المُرهق، مهلاً لما همّام لم يحضُر حتى الان!، تلفت حوله، ربما قد غفل عن رؤيته، لاحظ ل"أمل" الشقيقة الصغرى لأسيل ترمُقه بنظرات الإعجاب منذُ وصولها، لا أخفيكم فإيهاب يبدو وسيماً اليوم، كان يرتدي بدلة كاروهات من نوع "slim" الأنيقة جداً، تتكون من ثلاث قطع، جاكيت وبنطلون وبيبيون باللون الرمادي الغامق، كرافيت أحمر مُشبع"كبدي"، حذاء تركي أسود لامع، حدث تواصلٌ بصري بينهما لاكثر من مرة،إضطر في النهاية الإشاحة بوجهه للجهة الأُخرى فهي لا تُثير إنتباهه البتة، لكنه ما إن إلتفت حتى تجمدّت حركته للحظة، حين وقعت عيناه على تلك التي تسيرُ بجوار صديقه، شعر أن أنفاسه قد توقفت، حتى أجفانه توقفت فأصبحت لا ترمش، كانت أميرة ترتدي فُستاناً باللون القرمزي السادة، يُناسب لون بشرتها، سحاب في القسم العلوي من الخلف، وحزام في الوسط ليُعطيه إتساعاً إلى الاسفل، ترتدي حجاباً وتضع بعض المكياج الهادئ، لم يرها بهذا الجمال قبلاً، ولم يرى فتاةً بجمالها مُطلقاً، إبتسم بشرود يُراقبها تُمسك بذراع أخيها حتى لا تتعثر بذلك الكعب الرفيع الذي ترتديه، أما همّام فقد إعتمد بدلة عصرية تحتوي على صديري وبنطلون باللون الأسود، مع جاكيت يأخذ البيج الفاتح، وبيبيون سوداء، أتت برفقتهما جوان أما ليلى فقد آثرت البقاء بالمنزل تُؤنس جدتها. رنّ هاتفه ينتزعه من حالة الشرود ويخبرُه بوصول العروسان، سيارتهما تقف بالخارج، ألقى نظرة أخيرة على همّام وأُخته وإبنته "جوان" يجلسون على إحدى الطاولات، لمحه الأخر فهمّ بالوقوف، أوقفه إيهاب بحركة من يده، ثم توجه خارجاً وهو يشيرُ لطاقم الخدمة بالصالة ينبئهم بقدوم العروسان، ليطلبوا من كُل الحضور الجلوس بأماكنهم ويلتزموا الهدوء، بينما يقومون بتشغيل الاضاءة والموسيقى المناسبة والخاصة بدخولهما..
 _
_م..مالك وقفتا؟..
_شوفت إيهاب هنااك، ردّ همّام وهو يعود للجلوس، صاحت جوان: بابا بابا شكلو العرسان جوا، مع نهاية جُملتها كانت الصالة قد أظلمت بالكامل، أُطفئت الاضواء بشكل مفاجئ جعل الجميع يصمتون، أوضئ ضوء بالأورجواني عند المدخل ليظهر إيهاب ممُسكاً بيد أُخته العروس يلفُ ذراعه حول ذراعها، كانت تالين ترتدي فُستان زفاف منفوش يُناسب المُحجبات، فكان ذو أكمام طويلة من الجوبير والذي يغطي الصدر والرقبة كذلك، أما التنورة المنفوشة فمُصممة من الشيفون المُطرز بالجوبير الابيض الأنيق.
  شرعا يسيران ببطء على السجادة الحمراء الطويلة، جعل الجميع يتلفتون أين العريس، قبل وصولهما بخطوات قليلة أُوضئ ضوء بالأزرق، ليظهر أُسامة عند نهاية السجادة، يرتدي بدلة كلاسيكية من ثلاث قطع بالأسود، قميص أبيض وربطة عُنق كلاسيكية صغيرة على شكل فراشة، كانت إبتسامته نابعة من أعماقه، وتزيد من وسامته غمازته اليُسرى، يُتأمل تالين يتطلع لوصولها إليه، وما إن اقتربت لتلُف ذراعها حول ذراعه حتى إمتزج اللونان الأزرق والاورجواني يصنعان دائرة مُركزة عليهما، وصدح صوت أُغنية في أرجاء الصالة..
 زغــروتــة مــن أُمــو  ولمــت البــنوت♡.
 خمـجـوا الدلــكة وجـابـوا ليـه الســوط♡.
 جـابـوا ليــه الســوط وقــالوا ليــه أبشــر يـا عريـس مـبروك يـلا قـوم بـشـر...أُمـك الراجيـاك وأنـت ضـو البـيت♡.
  __
_الف مبروك يا عريس، وانشاءالله بيت مال وعيال، قال همّام مُباركاً وهو يهزُّ يد صديقه مُصافحاً بود.
_تسلم يا خوة، ردّ أُسامة مبتسماً إنحنى يقتربُ قليلا ويهمس: وعقبالك كمان..
 بينما عانقت أميرة العروس مُباركة، همست لها تالين  وهما تتعانقان بكلمات غريبة، لم تتبين أميرة مقصدها، ولم تفهم ما رمت إليه"عقبالك إنتِ كمان"، صمتت قليلاً لتُردف: "وإيهاب برضو".
 وبينما هم على أمرهم، يتبادلون التهنئة بسعادة، لفت إنتباههم صوتُ يوسف الضاحك من خلفهم يقول "خلاص، لقد وقعت بالفخ ههه"، إلتفت الجميع إليه ليجدوه واقفاً، لم يكُن ليفوت حضور حفل زواج صديقه، ترك أسيل ترتاح وتنام وقصد الحفل مُباشرةً، مع أنه وصل مع نهاية الحفل تقريباً، إبتسم أُسامة بصدمة "يوسف!، جيت!؟".
_معقولة ما أجي عرسك!؟، قال يوسف وهو يقترب فاتحاً ذراعيه يُعانق الأخر، كان يرتدي بدلة بالكحلي الغامق، بدون الجاكيت خاصتها، يرتدي قميصاً باللون النبيتي فوقه البيبيون الكحلي، أما حذاءه فقد كان جلدياً ذو لونٍ بُني فاتح، بارك له زواجه وهنئه وهو يُربت على ظهره بسعادة عارمة.
  _
_اووف رجلي، تأوهت أميرة بألم وهي تجلسُ على عُشب الحديقة خارج صالة الزفاف، خلعت حذائها ذو الكعب العالي والذي آلم كاحلها، وضعته جانباً وأتكأت على يديها تُطالع السماء بشرود، المكان في الداخل صاخبٌ جداً، خرجت تتنفس بعض الهواء النقي، إلتفتت على صوت إيهاب يقتربُ قائلاً: شكلو الزحمة والجوطة جوه صدعت براسك..
_لالا م كدا، قُلت أشم حبة هوا وأرجع، همّت بالوقوف فمنعها إيهاب، جلس بجانبها على العشب طاوياً ركبتيه وهو يتنهدّ بتعب..
_تصدقي من قومة الساعة اربعة صباحاً تاني م ختيت جنبتي، مُرهق مُرهق شديد..
_ظ..ظاهر الإرهاق ف..في وشك، قالت ردّاً عليه وهي تُطالعه، إلتفت ناحيتها لتلتقي نظراتهما، شعر أن قلبه قد توقف عن النبض مُجدداً، راح يتأمل ملامحها وشعورٌ بالغرابة يملأه، مالذي أصابه!؟، زمّت أميرة شفتيها وعادت تنظرُ أمامها لتقول: بالمناسبة، ي..يدك بقت ك..كيف؟..
_يدي؟، صمت قليلاً ليتذكر فيُضيف: قصدك الرصا*صة العوقتني قبل ستة شهور؟، كويسة، شُفيت تماماً، قال يُحرك ذراعة بشكل دائري، يستعرض قوتها.
_إبتسمت ثم قالت بشرود والحُزن يملأ صوتها: شُ..شُكراً، م لقيت فُ..فُرصة اشكرك فيها، بسـ..
_بس شنو؟  قالت بإهتمام وتساؤل، زفرت هواء رئتيها وهي تُطرق رأسها، إقتلعت بعض العُشب، ماذا ستقول له، ما كان عليه إطلاق الرصا*ص؟، هل ستلومه وتعاتبه؟..
_أميرة!..
_حركت رأسها نفياً لتقول: أن..أنسى.
  __
جلسا يتحدثان معاً لوقت طويل، قُطع حديثهما حين رأى إيهاب صديقه يوسف يركضُ مُتعجلاً يتوجه إلى سيارته، كان والدا أسيل قد غادرا الحفل مُبكراً، قبل حضوره، كأنهم يتناوبون بالإعتناء بها، حدسه أخبره أن هنالك خطب ما، إستأذن ليُسرع إليه يسأله ما الأمر، أجابه يوسف والقلق يطغى على ملامحه:"أسيل في المُستشفى، شكلها ح تولد، زفر بعنف ليتابغ: في سبعة شهور"، أدار مُحرك سيارته لينطلق مُخلفاً وراءه غُباراً يمتزج بدُخان السيارة المُسرعة، تنهد إيهاب يطالع الفراغ حيثُ إختفت سيارة يوسف مع خط الأُفق، "لقد أفلح في تخطي الأمر" إنتزعه صوت أميرة تسأله: في شنو؟ مالو يوسف؟.
_إلتفت ليتفاجأ بها واقفة بجانبه حافية، تحمل حذائها بيديها، تعجب وهو يجيب:" قال أسيل في المُستشفى"، أردف يسأل: دا شنو؟، مُشيراً إلى ما تحمله بيديها، ضحكت على ملامحه المُتعجبة لترد: رجولي تعبو من الكعب العالي، عشان كدا قلعتوا.
  ___
  تلك الليلة، بدا كما لو أن كُل شئ سيدوم هكذا، في الصباح بُشر يوسف بخبر مولوده الأول، لتُكتمل سيمفونية السعادة بعزف أخر ألحانها، رُزق بفتاة جميلة، ستبقى بالحضانة قليلاً لكنها ستكون بخير، يوسف أيضاً ربما أفلح في تخطي الأمر، وبدأ من جديد، وعد نفسه في تلك اللحظة التي حمل فيها جسد إبنته الصغير بين يديه أنه سيكون أفضل أب بالنسبة لها، قبّل جبين أسيل مُمتناً، لقد منحته هدية، منحته إبنة، هذه المرأة تستحقُ منه كل الحُب والإحترام.

  "في الختام أودّ القول بأنه لا توجد نهاية، فالنهايات دائماً ما تكون خيوطاً لبداياتٍ جديدة تلوح بالأُفق".
 وحابة أبشركم بأنو الجزو التاني من الرواية ح ينزل طوالي بس أخد فترة راحة شوية، تابعوني في #تحت_شجرة_الأكاسيا، وشكراً💛.
 
 
النهـــــــــــــــــــ💛ـــــاية

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال