رواية لا_تعبث_بقلبي -(الفصل الاول)

لا_تعبث_بقلبي

#بقلم_إيمان_ماجد

 

#لا_تعبث_بقلبي《01》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 حوالي الساعة العاشرة صباحاً، في شقة كبيرة بالرياض، هاتفٌ يرنّ بإلحاح منذُ دقائق عُدة، مد يديه بتكاسل وصمّت هاتفه ثم عاد الى النوم لكن سرعان م ايقظه رنين هاتفه مجددا من غيبوبته، تناوله بنفاذ صبرٍ وفتح سوداويتيه الناعستان يُناظر شاشته، "ست الحبايب"، سحب على شاشته ورد وهو يتثائب ليأتيه صوتها حنونا دافئا كما العادة...
_ست الحبايب: صباح الخير ي همام ولدي كيف اصبحتا..
=صباحي منور باتصالِك وصوتِك، تصدقي ياادوب صحيت، قال جملته الاخيرة وهو يتثاءب مجددا.
_امس م جيت سوقتا البنات! شكلك اتأخرتا..
=استوى على ظهره في فراشه الوثير وهو يمّطُ إحدى يديه بتعب: رجعت متأخر من عرس "يوسف"، كل المسؤلية كانت في راسي لانو "ايهاب" م قدر يجي، وديتهم الاستديو وبعدها انتظرتهم لحدي م موعد طيارتهم قرّب اخدتهم على المطار..
_قالت برضى: والله م قصرت معاهم، صمتت قليلا لتردف برجاء مُغلف بأمل بعيد:عُقبال افرح بيك انتا كمان ي  ولدي..
=عم الصمت لثانية، لم يكن هناك جواب، حاول تلافي الاجابة وتغيير الموضوع حين قال بمرح:اجهزي وخلي أميرة تجِّهز البنات وتجهز معاهم، الليلة يوم مفتوح، نطلع ونتفسح سوا😉..
_والله يا ولدي انا م اظن اقدر اطلع معاكم، لكن بكلم "أميرة" والبتين.
  -------------
   نهض وقد بدأ النشاط يدب بجسده، رمى بهاتفه على الفراش بعد ان انهى مكالمته مع والدته، "فاطمة" صاحبة القلب الطيب والنظرة الحنون، دائما م كانت تحمل همه، لم ترتح يوما، لم يهدأ قلبها ولم يهنأ خاطرها منذ أمد بعيد، منذ رحيل زوجته وحبيبة قلبه الوحيدة، والدة طفلتيه الصغيرتين "جوان وليلى"، رحلت وتركت له فتاتان كاللقمر ليلة تمامه تأخذان من ملامحها الكثير، تنهد بعمق وهو يتجه نحو الحمام، يحاول طرد الذكريات المؤلمة، فليأخذ حماما هانئاً الان ويُنزل كُل م اعتلاه من تعب ليلة البارحة، وبعدها يستعد للخروج مع طفلتيه واخته الصغرى"أميرة".
   ___
خرج من الحمام وقطرات الماء متناثرة على جسده الرياضي الممشوق لتعطينا مشهدا مُثيراً، كان يجفف شعره حالك السواد بمنشفه ويلف خاصرته بأُخرى، اتجه نحو المرآة واخذ يرش برفانه المفضل على كامل جسده وشعره، وقف قليلا يناظر انعكاسه " كم تبدوا وحيدا وكئيباً يا همام، كم تبدو مُزرياً" ابتعد من امام المرآة بحركة مفاجئة قاطعا محادثته الى انعكاسه، يبدو انه بدأ يفقد م تبقى من عقله الذي فقد جزءاً منه حين غادرته "سارا"، ابتسم بسخريه على حاله وأخذ يرتدي ملابسه ..
   ____
اوقف سيارته "الجِيب" امام البوابة ونزل دالفاً المنزل، رأى جوان وليلى يلعبان في الحديقة ببراءة، ابتسم برضى يتأملهما، قطعتي الشوكلاته، كنزه الثمين واغلى ما ورثه منها، كان يحبهما اكثر من نفسه ويرى فيهما حبيبته الراحلة، كانتا امانتها التي تركتها بعنقه، اتجه نحوهما وما إن رأتاه حتى تركتا كلُ شئ في أيديهما الصغيرة واسرعتا تتسابقان في براءة للوصول إليه، كان الحُب متبادلا، كل من يعرف هذه الاسرة الصغيرة الجميلة يرى ذلك جلياً ..
وصلت جوان اولاً بما انها كانت الأكبر سناً "٦ اعوام" أما ليلى "ليلي" كما يناديها والدها فقد وصلت متأخرةً عن اختها بفارق خطوات بسيطة، انحنى همام وحمل ليلى صاحبة ال"٤" أعوام بين يديه وداعب انفها بخفة..
_كيف اصبحتو؟!..
=جوان تجيب بلهفة: كويسين، امس نومنا مع عمتو أميرة في غرفتها😆💃..
_همام يبتسم ثم ينظر ل "ليلى" سائلاً: حتى انتي نومتي مع عمتو!..
=اومأت ليلى وأبتسامة عريضة على شفتيها "ااي"😊..
 شدت جوان على بنطال والدها لينحني مقتربا منها ويسمع همسها وهي تتلفت حولها بحزر وببراءة : وساهرنا ولااا نومنا بدري، حضرنا تلاتة حلقات من لولوش..
_لولوش؟ سأل همام متعجباً..
="كود غياس" يا بابا حكيت ليك قصتو انا وليلى المرة الفاتت..
_ايوااااا اتذكرتا، تظاهر بأنه يفهم ما تقولانه حتى لا تنزعجا، اصطحبت الفتاتان والدهما الى حيث تجلس جدتهما "فاطمة" وجوان تثرثر بما حصل ل"لولوش" بطل الانمي الذي تتابعه بينما ليلى توافقها على حديثها بإيماءها المتكرر والابتسام.
  __
_وين أميرة م جهزت؟!..
=عمتو اميرة في غرفتها قالت م ماشة، ردت جوان.
 وقف همام على قدميه وهو يسأل والدته: مالا الايام دي شايفها م على بعضها، رجع ليها الاكتئاب تاني ولا شنو؟!..
_والله ي ولدي م عندي علم، رددت فاطمة بضياع، قالت كلماتها الأخيرة وهي تُطالع إبنها يتحرك نحو الدَرَّج"السلالم" قاصداً غرفة أُخته،تنهدت بعمق  وهي تهز رأسها بيأس وأسى على حال تلك المسكينة أميرة، منذ وفاة والديها وهذه حالتها، اصابها الاكتئاب وانتكست فترة طويلة، حتى انها تركت دراستها، خرجت من مركز معالجة الادمان قبل شهرين بعد ان اكتشف همام متابعتها لصديقات السوء وادمانها لاحدى الحبوب الممنوعة، كانت صدمة بالنسبة للعائلة، خاصة همام، فقد كان يوليها عناية خاصة لانها وحيدة ويتيمة بعد وفاة والدتها ووالدها -الذي هو نفسه والده- في حادث اثناء رحلتهم لتأدية عُمُرة، كان يراها أمانة، لم يعاملها يوما على انها ابنة المرأة التي هُجرت والدته بسببها، لم يعاملها على انها ابنة ابيه، بل كان يراها كأبنة له، يراها مثل جوان وليلى وحيدة وعاجزة، تحتاج لمن يسندها  ..
  _____

           ****
    في مكان اخر من مدينة الخرطوم، امام مدخل فندق "كورنثيا" وضعت "سيرين" نظارتها الشمسية لتحمي عينيها العسليتان من الضوء، كانت الاجواء خريفية جميلة في هذا الوقت من السنة، وغيمات متفرغة في السماء تحجب اشعة الشمس وتقلل من حدتها، كان طقساً مُناسبا للتمشي..
 وضعت سماعات اذنها ايضا واخذت تسير بخطوات مسترخية تتامل المكان حولها، تتامل السيارات والاشخاص، الشوارع والطرقات .. كل شي مختلف عن تركيا، كان بعض المارة والجالسين يرمقونها بنظرات غريبة، لا ترتدي شيئا غريبا حتى، لماذا يتصرف هؤلاء القوم هكذا، انه فقط بنطال من الجينز ازرق اللون فوقه قميص قطني ابيض وواسع، شعرها جمعته الى مؤخرة راسها، وكان قصيراً يصل بداية كتفيها، تنتعل حذاءً رياضيا بالاسود، لم تعتقد انها ستشعر بالاختلاف وعدم الانتماء لهذه الدرجة، مع ان هذا السودان هو المكان الذي تنتمي اليه أصلا، لطالما حلمت بزيارته، والان تحقق حُلمها " تباً، تدين بالشكر لذلك الوغد، فقد كان سبب قدومها بشكل أو بأخر".
 سرّعت إيقاع خطواتها وواصلت المسير دون هدى او وجهة محددة،  لقد كان ما فعلته  شيئاً جنونياً، ما إن علمت بموعد زواجه حتى اخبرت الجميع انها تود السفر، الى أين؟!، إلى السودان، تذكُرُ نظراتهم البلهاء المتسائلة، كيف لأبنة تركيا أن تطلب فجاءة الذهاب للسودان، لموطنها وبلدها الذي تنتمي اليه لكنها لم تعرف عنه الا بعض القصص سمعتها من جديها، رغم أنها وُلِدت وتربت بتركيا ب"بيلجيك" تحديداً، إلا  أنها سودانية في الأصل، كان جداها سودانيان، هاجرا الى تُركيا في بداية حياتهما واستقرا بها، وُلد والدها هناك ايضاً، والدتها صوفيا هي الوحيدة ذات الجذورٍ التركية من جهة والدتها، كانت صوفيا ذات شعر ذهبي وعينان خضراوان، بشرتها حليبية ورثتها عن امها، لكن ملامحها سودانية أخذتها عن أبيها، لم تأخذ "سيرين" شيئا من جدتها أو والدتها كانت تشبه والدها شبها عظيماً، عينان لوزيتان حلوتان كالعسل، شعرٌ بُني قاتم، انفٌ صغير وشفاه ممتلئة سمراء كسُمرة بشرتها.
  تمشت مسافه طويلة، كان هناك الكثير من الأجانب في الأنحاء، لم تدرك أنها إبتعدت كثيرا عن الفندق إلا عندما إتصلت بها والدتها تسألها عن مكانها، تخبرها بأنه موعد الغداء، تلفتت "سيرين" حولها، لا تدري أين هي، وقعت عينها على مقهى صغير (زلابينو) ، إتجهت نحوه وهي تملي والدتها إسم المحل ..
_طيب انا ح انتظرك في المحل دا؟
=اوك، ١٠ دقايق واكون عندك.
 أغلقت الهاتف ودلفت إلى المقهى،  جلست على إحدى الطاولات قُرب النافذة الكبيرة المُطلة على مشهد نيلي يأثر الألباب، أخذت نفساً عميقا وأستنشقت هواءً مُنعشا، جلست في سكون تتأمل الخارج وهواء النيل العذب يُداعب وجهها ويُلاعب خُصلاتٍ شاردة من شعرها..
 لم تُكن تفكر في شئ فقط شاردة بهدوء وضياع.
   
         
     
         *****
وفي جانب آخر ،كان همام يقود سيارته ويفكر في أمر أخته التي كانت تجلسُ في المقعد جانبه بهدوء وشرود ، لم يكف عن التفكير بها ولا ثانية، ما بالها عادت كما السابق بل أسوأ، هل يُعقل  أنها إنتكست وعادت لتلك العادات السيئة مرة أخرى؟، كثيرٌ من التساؤلات تدور بذهنه، نظر إليها نظره خاطفة، تبدو منطفئة وباردة، حتماً هي ليست بخير، عيناها غائرتان تحتهما هالتان عظيمتان، لم تحاول اخفائهما حتى، بشرتها القمحية ليست نضرة كما يُفترض أن تكون بشرة فتاة في سنها، هي لا تزال صغيرة، وردة تفتحت للتو، لكنها ذابلة للغاية، همّام يعلمُ مدى ما تشعر به أخته من الوحدة، كان يحاول جاهداً لأجلها لكنها لم تنتمي لا اليه ولا الى والدته "فاطمة" يوماً، هي إبنة المرأة التي فرّقت شمل عائلتهم، كانت عائلة سعيدة فيما مضى لكنها باتت مشتتة الآن ومنذ ذلك اليوم الذي إكتشفت فيه "فاطمة" زواج والده " منصور" في السر، علمت أن لديه عائلة اخرى وزوجة أخرى، رأته إحدى نساء الحي يتجول مع امرأة تحملُ طفلة صغيرة بمتنزه، لم تُصدق "فاطمة" ما قيل، لكنها بدأت تُراقبه عن كثب، تُراقب كل خطوة، كل اتصال وكل كلمة يقولها، حتى تأكد لها الخبر وصار يقيناً، إفتعلت مشاكل كثيرة حينها لكنها لم تكن قادرة على ترك همام وإخوته، كان حنان الأم وقتها أقوى من غيرتها كزوجة، إستسلمت، بقيت مع أبناءها، لكنها حرّمت منصور نفسها.
 الآن، كبُر صغارها، تزوج من تزوج، ورحل عنها من رحل، لكن همام بقي قُربها ، كان يقويها ويسنُدها تماما كما كان في صغره، كان الإبن الأقرب إلى قلبها دائماً.
   ___
 لاحظ همام إرتباك أميرة حين اهتزّ هاتفها، من يتصل بها ولماذا ترتجف هكذا؟،ربما هي واقعة في مشكلة؟ ربما؟!..قاطع صوت جوان تركيزه وتدفُق أفكاره حين صاحت بلهفة من المقعد الخلفي ..
=بابا بابا، دا موش شارع المحل الاتلاقيتو فيه انتا وماما؟..
 تلفّت حوله، إنه شارع النيل، هنا التقى ب "سارا" قبل ثمانِ سنوات، هنا وقع بحبها أول مرة ومئة مرةٍ بعدها، كان كُلما رآها ينتفضُ قلبه بقوة، يكاد يخرجُ من مكانه، وكأنه يراها لأول مرة، كان يقع في حبها مراراً وتكراراً، فقد كانت جميلة كفراشة، لكنها فراشة مكسورٌ جناحها، فعائلتها تعاني من فقر مُدقع، والدها طريحُ الفراش وهي أكبر اخواتها، والدتها تعمل بمكينة خياطة أما هي فكانت تعمل هنا، تخدم الزبائن، ربما ملامحها الجميلة هي ما فتحت لها باب العمل في هذا المقهى، منذ ذلك اليوم، صار "زلابينو"  مكانه المُفضل.
 عاوده الحنين، إنه يشتاقُ هذا المكان كثيراً، يذكر تماما م كان يحدث، حين كان ياتي ويسترق النظراتِ إليها خُلسةً، يعجبه تعاملها المحترم مع الجميع، هنا، اعترف لها بحبه، وهنا أيضاً طلب يدها للزواج، يذكرُ تلك الأيام، وتلك اللحظات، كأنها كانت بالبارحة، " اااه يا سارا، لو تعلمين كيف أصبحتُ مثيراً لشفقة بعدكِ، أصبحتُ بائساً".
 
  ____
اوقف السيارة أمام المقهى المقصود، نزلت أميرة وكلٌ من الفتاتين، تأخر همام قليلا، تأكد من وجود بطاقاته، ثم  نزل يلحقهنّ، وما إن وضع قدميه على أرض مدخل المقهى، حتى أشتعل قلبه كجمره، تسارعت نبضاته بحرارة، يشعر بشئ مؤلمٌ، هنا تماما، في صدره، أغمض عينه لحظة واضعاً يده عليه وكأنه يقول "إثبت ايها الصغير، كُن قوياً" ، تنهد بقوة وفتح عينيه ليتابع طريقه، ليصطدم بإحداهنّ، " عطرٌ برائحة الليمون المُنعشة💛"،سقط منها شئٌ إثر إصطدامهما فانحنى يأخذه وهو يعتذر بحرج، إستقام واقفاً وتفاجأ بها، كانت نفسها، نفس الفتاة من حفل صديقه البارحه، وجهها خالٍ من المكياج وملامحها اكثر براءة ، لكنها حتما نفس الفتاة..
 لم ينتبه أنه واقفٌ ببلاهة يطالعها إلا حينما إقتلعت نظارتها الشمسية من بين أصابعه منزعجة وأختفت من امامه وهي تهمهم ببعض الكلمات.
    "عجيبٌ هو أمر البشر، كيف لرجلٍ أن يقع بحُبِ إمرأتين مختلفتين وبنفس المكان".
  لم يستطع منع نفسه من الإلتفات ومتابعتها بعينيه، توجهت إلى سيارة تقف أمام المقهى، كان بها سيدة اخرى، عيناها خضراوان وخصلاتها ذهبية، تبدو أجنبيه، صعدت معها على السيارة وانطلقتا، تبدوان غريبتان عن المكان، لا بُد انهما نزيلتان بأحد الفنادق القريبة من هنا.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《02》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "جوهانسبرج، جنوب افريقيا":-

 كان يجلس في اريكة غرفه الفندق الذي اختارا  النزول به،يجلس بشرود، يذكر ما حدث البارحة، لقد أتت من تركيا فقط لتهمس بتلك الكلمات بإذنه وتبارك  زواجه؛كأنها تخبره انها قوية،صامدة،لن يكسرها شئ، الآن بات يشعرُ بالخزي من ضعفه، لم يستطع الوقوف بوجه والديه حين رفضاها، لم يُحارب بشكل كافٍ لأجلها، لاجلهما معاً، كان يُمسك بين يديه كوباً من القهوة فقدت مزاقها المُرّ المُحبب وأصبحت باردة، كبرودة مشاعره وقلبه في هذه اللحظات، جاءه صوتٌ من الخلف، جعل قلبه يرتجف من الحنين لذلك الأسم..
 _صباح الخير....."جوزيف".
 التفت يوسف متفاجئاً، هي وحدها من تناديه هكذا، هي فقط لا غيرها، كانت نظراته تحكي ما يدور برأسه، ، إبتسمت "أسيل" ابتسامة جانبية ذات مغزى ثم جلست بجانبه على الأريكة، مدت يدها وتناولت كوب القهوة من يده لترتشف بجرأة رشفة صغيرة وعيناها مثبتتان على عينيه ..
_امم، م رديت لي ..
=صباح النور، صمت قليلا ثم أردف سائلا: كيف مع تعب السفر؟
_كويسة ، ردت اسيل بإقتضاب، كم كانت تود أن يسألها لما نادته هكذا، لكنه لم يفعل، كانت ستخبره أنها سمعت همسها له بذلك الإسم، كانت ستخبره أنها لاحظت نظراته لها، نظرات تحمل الكثير من الحنين "تشتاقها اليس كذلك؟" ودّت لو تطرح عليه هذا السؤال، هل تراه سيُجيبها، أم انه سيتهرب، على كل حال لن تؤثر عليها الأجابة كثيرا فهي تعلم مُسبقا، تعلم القصة بينهما وتعلم رفض عائلته لها رفضاً قاطعا، تلك المسكينة لا بُد أنها تألمت كثيرا عندما تركها..
 الجميع مرّ خلال حياته بقصة حبٌ فاشلة، مرة على الأقل، حتى أسيل تركت حبيبها لتتزوج هذا القادم من تركيا، رمته كخِرقة باليه، استبدلته كقطعة خردة لا نفع لها، ما كانت لتفوت فُرصة كهذه على نفسها، عندما عِلمت انّ والدة يوسف ترشحها خياراً مُناسباً له، حرصت على أن تكون الخيار الاول والاخير، من غير يوسف المهندس القادم من تركيا يستطيع أن يُقيم لها حفل زفاف كهذا، حفلُ أحلامها، من غيره كان سيأتي بها الى "جوهانسبرج" أسبوعان كاملان كشهر عسلهما، باتت تؤمن تماما أن العواطف شئ فارغ، الإنسان لا يتصرف تِبعاً لعواطفه، بل تبعاً لعقله، ها هو يوسف أمامها تزوجها تبعا لقرار عقله، ترك حبيبته وتزوج قريبته، لأن العقل يقول أن زواجاً يرفضه جميع الأهل والأقربون حتما لن يكون زواجاً هانئاً،لم تعد تؤمن بالحب بعدما مرّت به، مقولة كاذبة تلك التي تقول أن الحُب يصنع المعجزات،إنه عاجزٌ حتى عن تغيير شخصٍ واحد، مجرد تغيير، أي مُعجزات تلك التي يتحدثون عنها!.
تركته جالساً يحتسي باقي قهوته وأتجهت الى المرآة، طالعت إنعكاسها بغرور، لا ينقصها شئ، جميلة ومتعلمة، تستحق يوسف وهو يستحقها، هو أفضل خيار لها من بين جميع أبناء عمومتها، افضل من "إيهاب" حتى، عند هذه النقطة تسلل بعض الحزن الى عينيها، لم يحضُر زفافهما، زفاف إبن خاله وصديقه المُقرب، لا جدال أن الأمر كان قاسياً عليه، لا بُد أن الصدمة أثرت عليه كثيراً، ترجو أن لا يكون قد أصاب نفسه بمكروه، طردت تلك الأفكار عن راسها "يستحق كُل م حصل له، أخبرته مئة مرة أن يُقلع عن الهباب الذي يُدمنه ويصبح رجلا يُعتمد عليه، أخبرته أن يُصبح مسؤلاً ويأتي لطلب يدي من والدي، لكنه ظل يتماطل، هذا جزاؤه، الى متى كنت سأنتظر!؟".
 التفتت على صوت يوسف يدلف الغرفه وهو يقول ..
_أتجهزي، ح ننزل نفطر في مطعم الفندق..
=...لم تقل شيئاً وظلت صامته تطالعه لا ينظر اليها عندما يُحدثها ، إنه باردٌ جداً معها، لا كلمات غزل ولا حتى إبتسامة، مُجرد إبتسامة ويبخل بها على عروسه في أول صباح من شهر عسلهما، كُل هذا بسبب قدوم تلك الغريبة المفاجئ الى الحفل، أرادت أن تفسد سعادتنا وقد أفلحت، رفع يوسف عينيه الناعستان اليها، وجدها تقف ومرارة وااضحة تظهر بعينيها، تنهد وهو يحدث نفسه " لا ذنب لها،أنا الوحيد المُلام،لن أؤذي إمرأتين أدخلتهما حياتي بسبب ضعفي" عاد ينظر اليها فأبتعدت من أمامه وتوجهت نحو الخزانة، لا تريد الأجابة حتى، قال تجهزي فلتتجهزي، وقفت أمام الخزانة تحاول أن تداري هذا الشعور غير المريح الذي تمرُّ به، كأنها فرضت نفسها عليه قسراً، لكن هذا ما ارادت، يجب ان تتحمـ..قُطعت افكارها بيديه وهو يقف خلفها يكاد يلتصق بها، تسارعت نبضاتها من قربه المُفاجئ، لم تستطع الإلتفات ظلت تراقب يده التي بدأت تعبث بملابسها المعلقة، كان يختار لها شيئاً ترتديه، صوته الخشن يأتيها من خلفها مباشرةً "قريبٌ جداً"..ليست من النوع الخجول أبدا لكنها كانت المرة الأولى التي يقترب منها هكذا، حتى البارحة ليلة زفافهما تحجج بالتعب وبإرهاق السفر وخلد الى النوم، أربكها تغيره المُفاجئ كثيراً..
 أختار يوسف شيئا على ذوقه وهو يقول : دا عجبني، ممكن تلبسيه!..
=مـ..مُمكن أكيد.. لما يرتجف صوتها هكذا؟، حتى الكلمات تخرج بصعوبة من بين شفتيها، هل يُعقل انها!!...
_إبتعد يوسف من وراءها واتجه نحو المرآة، بدأ يرُشٌ عطره المُفضل إستعدادا للنزول غير مُدرك م سببته حركته العفوية بقلبها.
 إرتدت أسيل م اختاره لها زوجها، كان فستاناً بدون أكمام "تانك دريس" ذو ملمس مطاطي "فنايلي" أبيض عليه خطوط سوداء، وضعت فوقه قميصاً من الجينز،وحجاباً بلون فاكهة المانجو، كان شيئا مُريحاً، جميلاً، خاليا من التكلُف، لم تتوقع انها سترتدي شيئا بهذه البساطة في أول أيام زواجها، حتى أنه أخبرها بألا تضع الكثير من المكياج، لا يُحب كيف تخفي الفتيات ملامحهن الجميلة بتلك الاشياء، ضحكت أسيل على بساطته، من يعتقد أن ذلك الذي أمضى كثيرا من حياته بين المُتبرجات يقول هذا..
 جلست أسيل على طرف السرير وشرعت ترتدي حذائها الجلدي ذو الكعب العالي، لم يكن مُناسبا لكنها أرادت إرتداؤه بشدة..
_اناا شايف احسن تلبسي اسبورت، قالها يوسف وهو يضع حذائاً رياضيا أمامها..
=بس دا حلووو، عاجبني شديد، قالت بدلال تحاول إستجداء عطفه..
_على كيفك، م عايز أفرض رأيي بس ح يتعبك شديد بعدين، لأنو ح نتفسح شوية ونتمشى نشوف البلد دي وكدا يعني.
=م تشيل هم، بعرف أمشي بيهو.
 عادت تكمل ارتداؤه وابتسمت بإنتصار، من يظن نفسه حتى يملي عليها كُلَ م تفعله " مشيتو مرتين كفاية" همست لنفسها بصوت منخفض لم يصل الى مسامعه.
 

          ****
 "أب روف، أُمدُرمان":-

  بيت ذو طابع بسيط، بنيانٌ قديم، حيطان متهالكة، غُرف أكل عليها الدهر وشرب، ومن عريشة صغيرة في ذلك البيت، نادت "حليمة" على ابنتها الصغرى "تالين" ..
_توتاااه، يبت توتااا م سامعاني ولا شنو!
=ااي يا أُمي في شنو؟!..
_أقلعي السماعات ديل من اضنينك عشان مبقياك طرشى رسمي وقانوني..
=يااخ ي امي منادياني عشان تقولي لي الكلام دا هسي؟!..
_لالا، قلتاليك، كدي وريني صور ود خالك امس في الصالة، م شوفتهن سمح.
=طبعاً أسيل طلعت موووبااالغة أمس، رددت "تالين" بإنبهار واضح وهي تتجه للجلوس قرب والدتها تسحب على شاشة هاتفها لتريها الصور..
_علا أصلا بنات روضة ديل سمحات كدي، أسيل دي موش الدكتورة؟!..
=م دكتورة يا أمي، قارية تمريض دي..
_المهم كلو واحد، كدي كدي وريني..
 أخذت حليمة وابنتها تتفرجان على صور يوسف وأسيل، كانت حليمة عمته ليوسف، بينما تربطها صلة قرابة غير مُباشرة بوالد أسيل، لكن نسبه لسكنهما في النفس الحي تقريبا، علاقتها بروضة والدة أسيل كانت جيدة، كانتا تلتقيان في الاعياد ومناسبات الحي واجتماعات نسائه "اللمات، الجمعيات" غالبا، كانت "حليمة " أرملة، توفي زوجها في الحرب مُبكرا، أختارت أن لا تُدخل رجلا غريبا على وحيديها "إيهاب و تالين" فلم تتزوج بعد والديهما قط . كان معاش زوجها هو لقمة عيشهم الوحيدة، فبدأت ببعض الأعمال من منزلها، فكانت تصنع البخور والعطور النسائية لتزيد دخلها، أصبحت الصِنعة حرفتها الأساسية، كانت تجني من وراءها مالا وفيراً، أستطاعت به ان تُدلل صغيريها وتُلبي كُل طلباتهما، لم يكن ينقصهما شيئ،دللتهما للحد الذي أفسدهما ربما، بمالها استطاعت شراء هذا البيت القديم المتهالك، بمالها دفعت رسومهما الدراسية بأفضل المدارس والجامعات، كانت حريصة أن لا يشعرا بغياب الوالد في حياتهما وأفرطت في حرصها، كُبر إيهاب وهو يرى كل طلباته مُجابة ومُلبية، كان ولداً ذكيا في المدرسة لكنه انحرف وتبع رفقة فاسدة من الشباب، بدأ التدخين بعمر صغير، بدون علم والدته طبعا، بعدها أنتقل لما هو اسوأ منه، لم يترك شيئاً سيئاً الا وجرّبه، أستمر الحال هكذا وعندما كبُر قليلا، وبعد ان اكتشفت "حليمه"أمره عاد الى رشده، أبتعد عن رفاقه، خضع لإمتحان الشهادة السودانية وأحرز نسبه جيدة، درس المُحاسبة ويعمل بشركة مرموقة الآن وهي نفس الشركة التي يُديرها "همّام"، ولكن إنتكست صحة والدته فجاءة وتعرضت لفشلٍ كلوي حاد، مرضت بشدة، اخبرهم الاطباء انها ستحتاج لغسيل الكلى كل شهر تقريبا وهذا ما حدث، كُل ما يجنيه إيهاب من المال ينفقه على علاج والدته ورسوم دراسة اخته التي لم تُكمل تعليمها بعد، في فترة ما من حياته شعر بضغط كبير، إنتكس وعاد يُدخن بشراهة، ثُم أصبح يُدخن الحشيش  "البنقو"، ومن يومها أصبح مُدمناً.
 وهما لا تزالان على نفس وضعهما، تعلقان وتتهامسان أمام شاشة الهاتف، خرج إيهاب من غرفته، مرّ بهما وكان يسير بخطوات متثاقلة مُتعبة، عيناه غائرتان ومتعبتان، شعره المجعد أشعث كمكنسة، نظرت اليه والدته وهي تقول:
_من صباح الرحمن نايم زي الميت، مالك ي ود في شنو الحاصل عليك شنو انتا؟، الأيام الأخيرة دي شايفاك م تمام..
=ياخ تعبان شوية ي حجة، م تحكيها معاي شديد عليك الله مُصدع وحيلي م شايلني..
_حيلك م شايلك؟ عملت شنو هاا؟ م نايم من الصباح الشُغل ليك أسبوع م مشيت..
=أخدت إجازة شهر ..
_ايواا، طيب وعرس ود خالك مالك م مشيت، الناس دي كُلها تسأل منك، يوسف دا لو ما ود خالك صحبـ..
=قاطع كلامها بحدة: يوسف م صاحبي، تحرك بخطوات منزعجة يكمل طريقه..
_ تدخلت تالين بسرعة وهي تقول: قاعدين نتفرج على صور العرس تعال شوفـ... قطعت كلامها فجاءة، نسيت أن أخاها يُعاني بشدة الآن، هي الوحيدة التي تعلم بقصة حُبه لأسيل، لم يُخبرها بنفسه لكنها لاحظت ورأت الكثير، مُذّ كانتا بالثانوية هي وأسيل، عندما تأتيان له ليدرسهما بعض ما يصعب عليهما، لاحظت لنظراته، تصرفاته، بعدها بفترة أخبرتها أسيل بأن إيهاب إعترف لها بحبه، كان هذا قبل ثلاث سنوات، تعلم جيدا ان أخاها قد أحب تلك الفتاة حُباً جمّا، مع أن أسيل إمتنعت أن تحكي لها أي تفصيلة تخصهما بعدها، وكأنهما اتفقا على المواعدة سراً، لا يريدان لأحدٍ أن يكتشف ما يُكنانه لبعضهما وقد كان، كانت قصة حُب جميلة وانتهت، دون علم احد.
 توجه ايهاب الى المطبخ متجاهلاً نداءات والدته، كانه رأسه ثقيلا ويشعر بالكسل والخمول بكل جسده، لا بد أن هذا بسبب إقلاعه المُفاجئ عن التدخين "البنقو"، فهو كغيره من المخدرات لا يُمكن التوقف عن أخذه بشكل فجائي، فيجب التوقف تدريجيا وخطوة بخطوة، رغم انه كان يعلم هذا جيداً الى انه أخذ عهدا على نفسه،  كان التدخين هو  سبب إفلاتها ليده، مثلما تخلت هي عنه سيتخلى عنه للأبد، سيقتلعه من جذروه ويمضي.
 قرارٌ ربما أتخذه متأخراً، لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي .

           *****
 "جوهانسبرج، جنوب افريقيا ":-

 إنسحبت أسيل من بين ذراعي يوسف بخفة وهدوء، اتجهت الى الحمام دون أن تُصدر صوتاً، وقفت تحت دُش المياه وبدأت بالإغتسال، تعلم انه يفعل كُل هذا لأنه لا يريد أن يظلمها بسبب حُبه القديم، إبتسمت بخجل وهي تتذكر ما حدث بينهما، أخذتها ذاكرتها أيضا الى نهار اليوم، عندما خرجا يتجولان معاً في شوارع المدينة، كان كُل شئ مُبِهراً بعينيها، لكن للأسف أُفسِدت مُتعتها بسبب حذائها الذي أصرت على إنتعاله، بدأت تتعب بالمشي، تحول التعب الى ألم بسيط في كعبي قدميها، كانت كُل خطوة مؤلمة بالنسبة لها، بدأت تُبطئ في المشي الى أن توقفت تماما جلست على الأرض بإستسلام، انتبه يوسف لها بعد ان سبقها لمسافه صغيرة، التفت ليراها على تلك الحال، عاد مُسرعا اليها وجلس القرفصاء بجانبها يحاول فهم ما يحصل، كان كبرياءها يمنعها من أن تخبره، فقد حذرها من إنتعال هذا الحذاء سابقاً، كان الموقف مُحرجا كثيرا بالنسبة لها، أنزلت راسها تُخفي عينيها التي تجمعت بهما الدموع وأشارت لمكان الألم،"قلتُ لكِ ان السير بهذا الحذاء سيكون مُتعباً" لم ترد عليه وظلت على نفس وضعيتها، ولم تشعر الا بيديه، احداهما على ظهرها والأخرى أدخلها تحت ركبتيها، وجدته يحملها كطفلة، شعرت بالحرجِ الشديد لأنهما في مُنتصف الطريق، كُل المّارة يحدقون بهما، دفنت وجهها بصدره وتشبثت به بقوة، كم هي مُذهلة قدرته على بذل العطاء حتى من غير حُب، وضعها بأحد المقاعد الخشبية على الطريق، وجلس القرفصاء مجددا أمام قدميها وهمّ بخلع حذائها.
 أفاقت من خيط ذكرياتها على صوته يسعُل بالخارج، يبدو أن جو الغرفة قد صار بارداً، ارتدت بيجامة مُريحة وخرجت من الحمام، أطفأت التبريد ونشرت غطاءً عليه لتدفئته ثم توجهت الى المرأة تجفف شعرها، جلست وبدأت تمرر المِشط بين خصلاتها حالكة السواد، توقفت فجاءة وهي تطالع انعكاسها بمرارة، كان ليكون شعورها هذا مُضاعفاً لو كانت هذه اللحظات الجميلة مع إيهاب ليس مع غيره، إنهما معاً مُنذ ثلاث سنوات، لا تُنكر أنها أحبته كثيراً، رغم كُل ما مرت به بسببه، كم كانت تتمنى أن يعود لرشده، يقف على قدميه، يؤسس نفسه ليأتي طالباً يدها من والدها بفخر، ألحّت عليه كثيرا أن يُسافر خارج البلاد، يُضحي قليلا الآن ليعيش سعيدا لاحقاً لكنه رفض وحجته كانت أنه لن يترك والدته وشقيقته وحدهما، تذكرُ جيداً حين كان يتصل بها ليلا يُخبرها أنه أقلع عن تدخين الحشيش لأجلها، لكنه ما يلبث أن يعود اليه، تذكر أخر مكالمة بينهما، قبل يومين من حفل زفافها، أخبرها باكياً أنه اقلع عنه فعلا هذه المرة، لكنها صدّته بقسوة ، زواجها بعد يومين، لن تترك كُل شئ وتتعلق بأمل كاذب، بمجرد سراب.
 لماذا تصيح الأن، ألم يُكن هذا قرارها؟! وحدها قررت أنها لن تنتظره اكثر، عزمت على تنفيذ قرارها ومضت قُدماً، لا مجال للتراجع الان والندم لن يفيد بعد اليوم.

"ورجوتُ عيني أن تكفّ دموعها
يومَ الوداعِ نشدتُها لاتدمعي ...
اغمضتُها كي لاتفيضَ فأمطرت
ايقنتُ أنّي لستُ املكُ مدمَعي...
ورأيتُ حلماً انني ودَّعْتُهم
فبكيتُ مِن ألم الحنين وهُم معي ...
مُرٌ عليَّ بأن اودع زائرًا
كيفَ الذين حملتُهُم في أضلُعي 💚🍒.
  "أروى ماجد".
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《03》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "الحلفايا، بحري، الخرطوم":-

إرتدت تنورة طويلة وضيقة قماشية الملمس بالاسود"إسكيرت"، قميص طويل بنفس اللون، حذاء رياضي بالابيض، لفّت حجابها الفوشيا بإحكام بعد أن وضعت كمامتها، حملت حقيبة ظهر صغيرة وخرجت من غرفتها، نزلت بهدوء حتى لا يراها أحد، لا تريد أن يسألها أحد عن وجهتها، مرّت من أمام المطبخ وكانت "فاطمة" جالسة بهدوء تصنع بعض الفطائر لصغيرتيها، جوان وليلى لتفاجئهما وقت الغداء.
 تسللت  "أميرة" خارج المنزل وعيناها تحملان كثيراً من الخوف والتوتر الذي تحاول جاهدة إخفائهما ، هي حتماً واقعة بمشكلة، مشكلة كبيرة..
 إستقلت إحدى المركبات العامة ثم أخرجت هاتفها لتجري إتصالاً مُهماً..
_أ..ألوو..
=آلوو أميرة وينك إنتي؟!، فتاة تصيح على الهاتف بقلق..
_فـ..في المـ..مواصلات ماشة على المحطة الوسطى ..
=طيب إنتظرينا هناك، ح نجي عليك..
_تـ..تجو؟!، إنتي ومـ..منو ي رؤى؟ رددت أميرة بفزع وهي تتلعثم، وكانت مُشكلة التلعثم هذه احدى الأسباب التي جعلت من أميرة منطوية ووحيدة.
=أمين رسل لينا عربية، زهج خلاص من مماطلتنا..
_ طـ..طيب تـ..تمام..
 اغلقت أميرة هاتفها، أخبرها عقلها بأن تهرب، وألا تذهب لملاقاتها، هي الآن واقعة بمشكلة كبيرة جداً، كانت تعلم أنهم لن يتركونها وشأنها، شعرت منذ اللحظة التي أخذت فيها ذلك الكيس البلاستيكي من رؤى أنها ستقع بورطة، حذرها عقلها لكنها تجاهلت تحذيراته، أخذته وخرجت من الجامعة، كانت قد أخبرتها رؤى أن حرس الجامعة يشكون بها وسيقومون بتفتيشها في أي لحظة، سلمتها ذلك الكيس وطلبت منها أن تحتفظ به معها يومان فقط، وياليتها لم تستمع لها، كانت رؤى إحدى أكبر المروجات للمخدرات والحبوب الممنوعه بجامعة (**) الأهلية، كانت جامعة للنساء فقط  ، تعرفت عليها أميرة بعد قبولها بكلية نُظم المعلومات ومنذ دخولها كطالبة جديدة بتلك الجامعة.. قبل سنتين..،كانت رؤى تكبرها بثلاث سنوات، تخرجت دفعتها الدراسية لكنها لا زالت بالسنة الثالثة، وكانت تُجيد إصطياد زبائنها ببراعة، تختار فريسة، يظهر عليها الثراء، الوحدة، والضياع ترمي بحبال الوِد اليها، تُصادقها، تنصحها بتجريب إحدى حبوبها حتى تُصبح الضحية مدمنة وزبونة ثابتة، وهذا تماماً ما حدث لأميرة، كانت تتناول أقراص "الكبتاجون" الممنوعة، والتي هي شائعة بين الشباب والمراهقين هذه الايام، فقط الكبتاجون الذي ربما يُعد الأقل سوءً بين بقية الممنوعات التي تروج لها رؤى ومنها " المورفين، أقراص إكستاكسي، وحتى الكريستال ميث (آيس كريستال)، وغيرها الكثير"، وكانت تجني اموالا طائلة من ترويج هذه الممنوعات تأخذ منها نسبة بسيطة وباقي العوائد كلها ل"أمين" الذي يُلقب ب "إسكوبار"، يُعد أمين أكبر تاجر مخدرات بالخرطوم، يعمل تحت إمرته مئات المروجين، منهم طلبة بالجامعات والمدارس، موظفين، وحتى بعض "ستات الشاي". كان فاحش الثراء، يملك ثروة كبيرة، يرتدى اغلى الملابس، ويقود أفخم السيارات، يملك شركةً للإستيراد والتصدير وهي ما يغطى بها على اعماله، متزوجٌ من إبنة اثرى تُجار امدرمان، ويملك إبناً وحيداً في العاشرة من عمره.
 نزلت أميرة من الحافلة وأخذت تتلفت حولها، أخرجت هاتفها لتتصل ب رؤى، فلمحت إحداهن تخرجُ من سيارة "مرسيدس" سوداء مظللة وتلوح لها من بعيد " إنها رؤى حتماً، فتاة قصيرة بيضاء البشرة، ترتدي بنطالاً مطاطيا بالأسود وقميصا قصيراً، شعرها متوسط الطول يصل نهاية كتفيها"..أعادت هاتفها الى الحقيبة وتوجهت نحوها ..
 وصلتها وصافحتا بعضهما وتعانقتا، فتحت رؤى باب السيارة وهي تقول..
=شوفتك من نزلتي من الحافلة..
_عرفتيني كـ..كيف باللكمامة دي..
=والله من شوفتك منططة عيونك وبتتلفتي كدا عرفتك دي إنتي.
 صعدت الفتاتان الى السيارة، وانطلق بهما السائق الى وجهتهما، مقر "أمين" .
  _____
 توقفت السيارة وترجلت رؤى وبرفقتها اميرة أمام مبنى ضخم من عدة طوابق، اخذت أميرة تتلفت حولها، قرأت اللافتة الكبيرة المُعلقة في واجهة المبنى بصوت شبه مسموع "شركة بابلو للإستيراد والتصدير"..
 دلفتا المبنى، كانت رؤى تسير في المقدمة تتبعها اميرة بخطوات مترددة وخائفة، دقات قلبها كالطبول، تتعرق بشدة، وتتنفس بصعوبة خاصة مع هذه الكمامة التي ترتديها، لكنها لن تخلعها، لا تريد لأحد أن يتعرف على ملامح وجهها..
 وصلت رؤى الى مكتب المدير، طلبت من اميرة الجلوس عند السكرتارية في مكتب الاستقبال خارجاً ودلفت بعد أن طرقت الباب عدة طرقات وهي تقول "آمين دي انا رؤى"..
   __
في داخل المكتب، القت رؤى التحية على أمين ذلك الأربعيني الجالس امام مكتبه الفخيم كانت أمامه بعض الاوراق التي يوقع عليها، لم يُكلف نفسه عناء رفع عينيه عن الورقة ليرد تحيتها، كان غاضباً منها بكل تأكيد، جمع الاوراق بنظام بعد انتهاءه وقام بوضعها جانباً، وكانت رؤى واقفة قُرب الباب تنتظره، رفع اليها عينان حادتين كذئب شرسٍ، فوقهما حاجبان كثيفان غاضبان، وكأنهما يُصغيان لكل م يُقال، كانت ملامحه وسيمة ببشرته شديدة السُمرة ولحيته المُنسقة، كان حليق الشعر، تحرك من أمام مكتبه مقترباً منها بهدوء، هدوء ما قبل العاصفة ربما..
_"your welcome roaa" شرفتي.
=اهلا اميـ..
_قاطعها بحدة وصوت جهوري مخيف كأنه زئير أسد جائع: أُستااذ أمين لو  سمحتِ.
=أُستاذ أمين، أسفه..
 وقف أمامها تفصلهما خطواتٍ صغيرة، كان فارع  الطول، يبدو ضخم الجُثة وهو يقف بجانب جسدها الضئيل هكذا..
_إنشاالله جبتي معاك قروش البضاعة المرة دي..
=أطرقت رأسها بخوفٍ وحركته نفياً..
_شهر كاامل، صاح بغضب، ثم انخفض صوته واقترب منها وكأنه يهمس بإذنها: بتماطلي فيني شهر كامل يا رؤى، وإنتي عارفه أكتر حاجة بكرها بعد الواشين، المماطلين..
=أسفه أُستاذ، كلمتك أنو البت الاديتها البضاعة كانت في مركز إعادة تأهيل المدمنين وطلعت قريب، هسي جبتها معاي واقفة بره..
_ مدّ يده يلاعب خصلة من شعرها ذو الاطراف الشقراء "ميج" وهو يقول: منو البستلم مني البضاعة إنتي ولا هي ؟!..
=أنا ..
_طيب منو البسلمني قروش البضاعة دي؟!..
=برضو أنا..
_ترك خصلتها بشكل مُفاجئ ووضع كفه حول عنقها كأنه يحاول خنقها، بدأت رؤى ترتعد من الخوف إبتسم وتابع : يبقى إنتي المسؤولة الوحيدة عن الحصل، م داير أي مبررات، مفهوم؟!..
_اومأت رؤى برأسها عُدة مرات وهي تردد : مفهوم، مفهوم ..
 ترك عنقها واتجه الى مكتبه مرة أُخرى وهو يقول: قيمة أخر بضاعة استلمتيها مني كانت ٣٠٠ مليون، بدون الربح بتاعها طبعا،...يا ترجع لي البضاعة يا قيمتها، الرِبح دا خليتو لأنك زوله قديمة ومخلصة لي ما عايز أخسرك، عاد وألتفت إليها وهو يتكئ على سطح مكتبه ويمد قدميه أمامه يضع إحداهما فوق الأخرى بسيطرة وقال: دخلي البت ..
  --------
ارتعدت أميرة خوفاً حين نادتها رؤى وأشارت لها بالدخول، إبتلعت ريقها وأستجمعت كل قوتها، سألت نفسها بندم "كيف تورطت مع هؤلاء القوم!؟"..
 دلفت الى المكتب وعيناها على الارض بخوف، لم تحاول رفع رأسها او استكشاف المكان حولها، كانت خائفة من أن ترى شيئا لن يعجبها، وقفت وهي مطرقة تفرك يديها بتوتر، جاءت رؤى ووقفت بجانبها  وهي تنظر أمامها الى الشخص المتكئ على مكتبه وتشير اليها قائلة: دي هي البت ..
_كويس..
 سمعت صوته وكان يبدو هادئاً، تأملها أمين من مكانه، كانت تبدو طفلة، مع انها تُخفي نصف وجهها بالكمامة القماشية التي ترتديها، تقدم نحوها وهو يسألها: اسمك منو ؟!..
 فكرت أن تعطيه اسما مُزيفا، لكن رؤى تقف بجانبها وتخشى أن تُكذبها وينتهي أمرها في لحظات..
_أ..أمـ..ميرة، ردت بإسمها الحقيقي تتلعثم بخوف..
 كان قد وصل اليها ويقف أمامها مُباشرة "قلتي شنو م سمعتك"..
 اجابت رؤى بدلا عنها: إسمها أميرة قالت ليك.
=اممم، طيب ي أميرة، البضاعة السلمتها ليك رؤى، وديتيها وين؟!..
_كـ..كانت، في غرفتي..مـ.. قطعت جملتها يرتجف جسدها بذعر حين رأته تقدم نحوها خطوة اخرى ومّدَ يداً اليها،رفعت رأسها تنظر بفزعٍ الى عينيه تحاول قراءة م يحاول فعله، أمسك بالكمامة التي تضعها وخلعها بدون سابق إنذار، راح يتأمل ملامحها المفزوعة بتفحص، إبتسم حين رأى شفتيها ترتجفان خوفاً،  " إنها مُجرد طفلة "..
=إبتعد عائداً الى مكانه وهو يقول: إتكلمي،...م كنت سامع شي بسبب الكمامة..
_اومأت برأسها ثم قالت متلعثمة :..كـ..كانت فـ..في البـ..بيت، ورحلنا مــ..من بـ..بيتنا القديم، لم تستطع منع تلك اللعثمة الغبية التي تزداد عندما تمر بأي ضغط نفسي "خوف، توتر، إرتباك..الخ"، وعندما تكذب خاصةً، تنزعج بشدة عندما لا تستطيع إخراج الكلمات بشكل صحيح، اغمضت عينيها وتنهدت بإنزعاج وعجز والدموع تجمعت بهما، هي في أسوأ حالاتها الان، لا تستطيع حتى تبرير موقفها بكذبة صغيرة أمام الشخص الذي لربما يفكر الآن في طريقة لقتلها ورمي جثتها في البحر، أكملت رؤى عنها قائلة: قالت رحلو من البيت القديم، و م لاقية الكيس لأنو اتستف مع حاجاتها بسرعة، بس قالت إنها قاعدة تفتش عنو حاليا، غايتو دا الكلمتني بيهو قبل فترة.
  ___
خرجت أميرة من المكتب، تركت رؤى بالداخل، اخبرهما انه يريد بضاعته او أمواله خلال هذا الاسبوع وإلا فسوف لن يرحمهما، قبل أن تخرج نظر الى عينيها مرة اخيرة وهو يبتسم، لا يبدو غاضبا، نظرته لم تكن نظرة شخصٍ قد يقتلها إن لم تحضر ما أمر به ..
 بعد خروجها، سأل رؤى عن تلعثمها، أخبرته انها تعاني من هذه المشكلة منذ الصغر، تتلعثم عادةً لكن التوتر يزيد من ذلك .
  _____

 
          *****
  " خرطوم ٢، مبنى شركة (**)":-
 
 اخذ همام كوب القهوة واتكأ على مقعدة الوثير، كان يُحرك المقعد يُمنة ويسرى، مزاجه عالٍ لا يفكر في شئ غير إرتشاف هذه القهوة بيده ، وقبل أن يرتشف منها رنّ هاتفه على المكتب امامه، نظر الى الشاشة وكانت والدته المتصلة، وضع الكوب جانبا وأخذ هاتفه يرد عليها، لا تتصل به في أوقات العمل عادةً إلا إذا طرأ أمرٌ خطير..
_ نعم يا اُمي..
=همام، أميرة ماف في البيت، ما عارفاها طلعت متين..
_شنو؟، ومتين عرفتي انها ماف؟..
=م نزلت من الصباح وم اكلت شي، رسلت الشغالة ليها بصنية فطور، ف جاتني راجعة انو الغرفة فاضية وهي ماف..
  خرج همام من مكتبه مُسرعا، كان قد منعها من أن تخرج من المنزل وحدها، يجب ان تستأذن منه اولا وقبل خروجها الى اي مكان، خوفاً من أن تعود الى التعاطي مجددا، اين تراها قد ذهبت!!!..
  التقى بإيهاب عند مدخل الشركة دالفاً، رد التحية على عجل ليتابع طريقه..
 = في شنو انشالله خير..
_م خير ي إيهاب، نهائي م خير..
=تحرك إيهاب معه الى خارج المبنى يحاول فهم م يحدث، وقف همام فجاءة واطلق شتيمة بصوت مرتفع، نظر الى صديقه وقال..
_نسيت، العربية خليتها في المنطقة، ح اطلب ترحال، اخرج هاتفه لكن إيهاب اوقفه وهو يقول: م تطلب ترحال..
 تحرك عائداً وقال : انتظرني هنا، ح أجي بعد شوية..
  ____
بضعة دقائق مضت حين عاد إيهاب يحمل مفتاح سيارة في يده، أتجها الى إحدى السيارات المتوقفة في "الباركين" وهو يقول: دي عربية زميلة معاي في المكتب..
_زميلة بس؟!،وادتك مفتاح عربيتها عادي؟!..
_غمزه إيهاب ضاحكاً وهو يقول: زميلة بس 😉😂، اركب اركب يامان ..
  في الطريق، إتصل همام بأميرة كثيراً، لم تكن تجيب، زاد قلقه، شك سابقاً انها عادت تتعاطى تلك الأقراص الممنوعه، خائف من أن تتأكد شكوكه هذه المرة، بعد الكثير من الإتصالات، تكرمت أميرة واجابت، كم يود قتلها، صاح فيها غاضباً يسأل عن مكانها، أخبرته انها في الطريق الى المنزل الان، بضعة خطوات وتصل، أغلق الهاتف وطلب من صديقه أن يتجه الى الحلفايا، حيثُ منزل والدته..
   ____
 اقل من نصف ساعة وكان إيهاب يوقف السيارة أمام منزل والدة همّام، ترّجل همام غاضبا ودلف الى المنزل تبعه صديقه إيهاب يحاول تهدئته..
 وقف همام في منتصف صالة استقبال الضيوف ونادى أميرة  مُزمحراً بأعلى صوته، خرجت على إثر نداءه "فاطمه" من المطبخ تهرول بفزع، لم تره غاضبا هكذا من قبل، خرجت أميرة من غرفتها بعد دقائق بسيطة، لم تبدل ملابسها بعد، فقط خلعت الكمامة وحذاءها، نزلت حافية اليه تفكر في كذبة تبرر بها ما بدر عنها..
_كنتي وين؟!، صاح بوجهها مُزمجراً عند وقوفها أمامه..
=كـ..كنت..فـ..في، فــ..في..لم يكن هناك جواب برأسها..
_أنا موش قلتا ليك م تطلعي من البيت دا بدون ما  توريني، أنهى جُملته وهو يهوي بصفعة غاضبه على خدها، شهقت "فاطمة" بصدمة، تدَّخل صديقه إيهاب بينه وبين أميره يدفعه بعيداً عنها "أهدا أهدا يا مان م كدا" ..
  لم تتوقع إميرة أن يصفعها، نظرت بصدمه اليه،  بينما لا يزال يطالعها بغضب ينتظر منها جواباً ، ثم نقلت بصرها إلى إيهاب الذي يقف حاجزاً إياه يحاول حمايتها  من غضبه،  بحركة من رأسه أشار اليها إيهاب بالإنصراف، تجمعت الدموع بعينيها، كيف يضربها هكذا أمام هذا الغريب، لن تسامحه أبداً، ركضت أميرة باكية الى غرفتها واغلقت الباب بقوة.
 أرتمت على سريرها تنتحب بقوة، لم يضربها همام من قبل، دائما ما كان حنوناً معها، أنه مثالي كاخٍ كبير، يدللها كما يُدلل إبنتيه، يٌحضر لها كُل م يُحضر لهما، لم تتوقع يوماً انه سيرفع يده عليها..توقفت عن الإنتحاب وفتحت عينيها الواسعتان بخوف حين تذكرت أمين ذاك يمدُ يده يخلع كمامتها، ارتجفت أوصالها عندما تذكرت المُهلة التي اعطاها لهما، عادت تنتحب مجددا لكن هذه المرة بسبب خوفها مما سيفعل بها، لا تستطيع إخبار همام انها تريد مبلغ ٣٠٠ ألفٍ دون ان تخبره ما ستفعله به، لديها نصيبٌ وتركة كبيرة ورثتها عن والدها، لكنها بالبنك، لن تسحب مبلغاً كهذا دون علم همام، أخرجت هاتفها مُسرعة وفتحت تطبيق "بنكك" وجدت به ٢٣ ألفاً فقط، كيف ستخرج من هذه المصيبة التي وقعت بها، تتذكر أنها رمت ذلك الكيس في النفايات يوم علمت أن همام أكتشف تناولها لتلك الأقراص، تذكر جيدا ذلك اليوم قبل خمسة أشهر، تذكره وكأنه البارحة ..
   <<•••••••
 كانت يومها قد نست اقراص الكبتاجون خاصتها تحت وسادتها وهمت بالنزول قاصدةً الجامعة، وكانت قد اكملت تسعة أشهرٍ كمدمنة تتعاطى هذه الممنوعات رسمياً وبشكل ثابت كُل ليلة، اوكُلما خرجت مع صديقاتها، لم تتذكر أن الأقراص تحت الوسادة الا وهي في منتصف المُحاضرة، أُصيبت بذعرٍ وقلقٍ كبير، خاصة انها تترك باب غرفتها دون إغلاق يوما السبت والثلاثاء لتنظفها "الشغالة"..
 _الليلة التلاتا، همست بقلق..
 أستأذنت من المُحاضر متحججة بالمرض وخرجت من القاعة عائدة الى المنزل، قابلتها رؤى في طريقها، أخبرتها أنها تُريد الخروج لكنها تعتقد أن حرس الجامعة عند بوابة الخروج يشكون بأمرها وسيقومون بتفتيشها تفتيشاً مُفاجئا عند خروجها، وسلمتها ذلك الكيس البلاستيكي مُحكم اللف، خرجت أميرة من الجامعة وكانت قد طلبت سيارة أُجرة "ترحال" مُسبقاً، وببنما تقف في إنتظاره، رأت الحرس يسوقون رؤى الى مكتبٍ جانبي، يريدون تفتيشها والبحث في حاجياتها..
  وصلت سيارة الأُجرة وصعدت أميرة، وعندما أقتربت من المنزل، وردتها مكالمةٌ من همام، تسارعت نبضات قلبها، عرفت أن شيئاً قد حدث، شعرت أنه قد تم إكتشاف أمرها وفعلا قد كان، فعندما بدأت "الشغالة" بتنظيف الغرفة وهمّت بترتيب فراشها وجدت تلك الأقراص، عرفت الشغالة "الحبشية" بأنها اقراص ممنوعه، فتعاطي الممنوعات شائعٌ بينهم وفي وسطهم هذا، أخذت ما وجدته ونزلت به الى فاطمة تخبرها بما وجدت، إتصلت فاطمة بهمام دون تفكير واخبرته بما قيل، كانت صدمة كبيرة، تأكد همام فعلا انها ممنوعات، خرج من عمله وجلس ينتظر قدومها  بالمنزل.
 وصلت أميرة الى المنزل، وقبل دخولها وضعت ذلك الكيس الذي تحمله في مرمى النفايات بداية الشارع، خبأته جيداً على أمل أن تعود لأخذه لاحقاً، هذا إن سارت الامور على على نحو جيد.
   •••••••>>
 أفاقت من خيط ذكرياتها، إستلقت أميرة على ظهرها تحاول التفكير في حلٍ لمصيبتها.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

#لا_تعبث_بقلبي《04》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
"فندق كورنثيا، الخرطوم":-
 
" أنا غبية مُتلعثمة، لا تجيد فعل شئٍ سوى الوقوع بالمشاكل".
وصلتها هذه الرسالة على بريدها الإلكتروني، كان هذا صباح يومها الرابع بالخرطوم، وكانت "سيرين" جالسة مع والدتها على طاولة الإفطار، حين سمعت إشعار وصول رسالة، نظرت الى شاشة هاتفها، كانت "أميرة الظلام"، إتسعت عيناها بذهول، هذه الفتاة إختفت مُدة من الزمان وأنقطعت أخبارها ما يقارب خمسة أشهرٍ كاملة، تركت كُل شئ بيدها لترد على رسالتها..

 "أميرتي الصغيرة، لستِ غبية، وليس التلعثم شيئاً تُعايرين به نفسك، أو يُعايركِ به الأخرون".  أرسلتها إليها ثم شرعت تسأل عن حالها..
 _كيف حالكِ يا فتاه، أين أختفيتِ هكذا؟!..
=لستُ بخير، خرجت لتوي، أقصد منذ شهرين من مركز إعادة تأهيل المدمنين..
_رائع، يبدو أنكِ قد تخلصتِ من هذا الإدمان أخيراً، خبرٌ جيد..
=نعم تخلصتُ منه، لكنني واقعة بمشكلة أكبر الآن..
_ماذا تقصدين؟!..
=قصة طويلة، يصعُب شرحها..
_ أميرة، هل يمكننا أن نلتقي بمكان ما لتحكي لي قصتك؟..
=ولكن كيف هذا؟!، أنتِ بتركيا وأنا بالسودان😔💔.
_ اوه لم أُخبركِ بالمستجدات صحيح، أنا الان بالسودان عزيزتي💛.
=تمزحين صحيح😳.
_أبداً، هناك مقهى جميل وجدته حين كنتُ  أتمشى سابقاً، يُمكننا أن نلتقي هناك..
=للأسف، أخي يمنعني من الخروج وحدي، وأظن انه سيمنعني من الخروج مُطلقاً بعد ما حصل البارحة..
_إذن أين تعيشين، أرسلي لي "اللوكيشن" حالاً.
 حزنت سيرين لحال أميرة كثيراً، أعتقدت أن أخاها أحد أولئك الذكور المُتسلطين، شتمته بسرها وعزمت أن تصل الى منزلِ أميرة، عزمت أن تقابل هذا المعتوه المدعو أخاها لتريه ماذا بإمكان هؤلاء النسوة الضِعاف أن يفعلنّ، كانت ستركله بقسوة بين قدميه، وربما ستقرص أُذنيه أيضاً، المهم كانت ستأخذ حق أميرة كاملاً مكملاً من ذاك الظالم ثم تلوذ بالفرار وتختفي الى الأبد، إنها تكره كثيراً الظلم الواقع على السيدات خاصةً في دول العالم الثالث هذه، لماذا يحبسها بالمنزل ويمنعها من الخروج بينما تجده يتجول طوال النهار وفي جميع احياء وأزقة الخرطوم.
  أكملت إفطارها على عجل، حملت هاتفها وهمّت بالمغادرة، كانت والدتها "صوفيا" تنظر اليها دون أن تنطق كلمة ، لاحظت نظرة والدتها بعد أن أبتعدت، عادت تضحك وتقبلها على خدها تخبرها انها ستخرج قليلا، وقد تتأخر، أخذت مفتاح السيارة التي استأجراها لحظة وصولهما الخرطوم، بضعة رشفات من قنينة الماء على الطاولة ثم أختفت، تركت والدتها تهزُّ رأسها بحيرة، ثم تعود لإكمال إفطارها وهي تتنهد، تعتقد الأن أن ابنتها ربما فقدت صوابها، لكن ماذا بيدها أن تفعل.
  ____
 "٣٩دقيقة" بالتمام والكمال وكانت سيارة "سيرين" تسير على شارع الردمية مقتربة من الحلفايا، واجهت بعض الصعوبات في الطريق لكنها تجاوزتها، هناك صديقة بورطة وتحتاج إليها، لن تجلس مكفوفة اليدين ما دامت تستطيع مساعدتها..
   ___
إتصلت سيرين بأميرة تخبرها أنها على وشك الوصول، خرجت أميرة من المنزل لتقابلها عند الشارع الرئيسي، لكنها استأذنت فاطمة قبل خروجها وأخبرتها أن صديقة قادمة لزيارتها، لم تمنعها فاطمة ولكن ما إن أولتها ظهرها حتى أخذت هاتفها تخبره بما قالته لها أميرة، كان همام قد أوصى والدته بمراقبتها بتفحص، حتى لا تنتكس وتعود الى ما كانت تقوم به، أخبرها أن تُعلمه بكل حركة تقوم بها في المنزل، لمصلحتها، وهذا ما فعلته "فاطمة"، فطمئنها همام بأنه قريب وأنه في طريقه اليهم حالياً برفقة إبنتيه.
 عادت أميرة بعد بضعة دقائق وبرفقتها فتاة، تبدو غريبة، ترتدي فستانا اسوداً مطاطيا ضيقاً يصف ملامح جسدها النحيف الرشيق، كان يصل إلى ما تحت ركبتيها ببسيط، وكان عاري الأكمام، تربط قميص "كاروهات" ملوناً بخاصرتها من اكمامه، والباقي مُسدلٌ من الخلف بحرية، ترتدي بوتاً من الجلد بُني اللون يبلغ فوق كاحليها ببضعة سنتيمترات، أما شعرها فكان مُسدلا على كتفيها بحرية، ترفعه عن وجهها بتوكتين ناعمتين على جانبي شعرها.
 القت التحية على فاطمة ثم أخذتها أميرة إلى غرفتها، جلست فاطمة في الصالة علّها تسمعُ شيئاً مما سيدور بينهما من حديث.
  ____
في غرفة أميرة، دخلت سيرين واغلقت الباب خلفها، دعتها اميرة للجلوس في الكنبة المُريحة ريثما تخلع عباءتها، كانت ترتدي بيجامة قطنية قصيرة، وشعرها اختزلته في ضفيرتان سميكتان تصلان الى  بداية جزعها..
 قدمت لها بعض العصير فطلبت منها سيرين أن تجلس بجانبها فجلست ..
 سألتها عن السيدة بالخارج..
=قصدك ماما "فاطمة"؟، دي مرت أبوي..
_ضمت سيرين كفي أميرة بين كفيها وسألتها: عايشة معها مُرتاحة، مافي ضيق، مُعاملة قاسية او غيرو؟!.
=لالالالا حاشاها ماما فاطمة، مستحيل تعمل كدا، نفت مُشددة على كلامها.
_زفرت بإرتياح كبير ثم حثتها على الحديث قائلة : طيب احكي، حاصل ليك شنو يا صحبتي..
=تنهدت بعمق وكأنها تحمل اثقالاً فوق ظهرها، أخبرتها بأن اخاها صفعها البارحة بسبب..وقبل أن تكمل حديثها راحت سيرين تشتم ..
_ليه ضربك؟!، ليه م اشتكيتيه؟!..
=لالا هـ..هو كـك..كان، كان..
 في تلك اللحظات وقبل أن تكمل أميرة جملتها بسبب تلعثمها، طرق همّام الباب وهو ينادي بإسمها، عدة طرقات ثم دخل بعدها مُباشرةً.
نظرت اليه أميرة وهمست "هـ..همام؟!"، نظرت إليه سيرين نظرات نارية وهي تسأل "دا أخوكِ؟!" ثم همّت بالوقوف وتوجهت نحوه تتأبط شراً.
   كان همام مُتجمداً بمكانه لا يُصدق عينيه، كان ينظر الى سيرين بصدمة ودهشة، كيف يُمكن أن تكون في منزله، في غرفة أخته بالتحديد، يبدو الأمر كما لو أنه يحلم، نسي ما أتى لأجله، وظل يطالعها ببلاهةٍ حتى وصلت اليه وعيناها تطايران شرراً..
_إنتا ضربتها؟!، أفاق من شروده بسؤالها، "عفواً؟!" سألها متعجباً، رددت وقد بدأ صوتها يعلو "ليه  تضربها يا مُتسلط؟!، عشان انتا راجل تستقوي على المسكينة دي؟!"..
=دقيقة دقيقة، راح همّام يحول نظراته بينها وبين شقيقته، منتظراً تفسيراً من أميرة، وعندما لم يسمع شيئاً..
=إنتي حكيتي ليها ي أميرة؟!، سألها مستنكراً..
_أمسكت سيرين بياقة قميصه وجعلته ينظرُ إليها، قبل أن تجيبه أميره، نظرت بعينيه غاضبة وهي تقول "أنا البتكلم معاك، م هي"..
=إبتسم همام ونظر الى يدها الممسكة بقميصه ثم رفع سوداويتيه إلى عسليتيها، إلتقت نظراتهما لحظة، كان شعوراً غريباً، كيمياءهما الداخلية متوافقة ربما..
 سرت إرتعاشة بسيطة بجسدها إثر التقاء نظراتهما، أفلتته كالملسوعة وهي تشتم "أبجيقة لعين"..
=عقّد حاجبيه بإنزعاج: شنو؟! ..
_صاحت بوجهه تتظاهر بالقوة: قُلتا أبجيـقة لعيــن ..
= أدخل كفيه بجيوب بنطاله وإبتسم بإعجاب، انه غريب، كيف يبتسم هكذا بينما تشتمه الاخرى،  همس بصوت منخفض لتسمعه هي فقط:" وأنتِ قطة مُشاغبة، تُجيدين العبث، وتروقينني كثيراً" راحت تنظرُ اليه ضائعة بسبب كلماته، من يكون ولما قال هذا ؟!، كان مشهداً دراميا مُضحكا بالنسبة لأميرة التي وضعت يدها على فمها تحاول كتم ضحكاتها..
 وفي تلك اللحظات دخلت جوان وليلى تركضان وتناديان على أميرة بلهفة "عمتو أميرة نحنا جيناا"  توقفتا وعم الصمت لثوانٍ بسيطة حين وجدتا ذلك المشهد امامهما، ضحكت جوان بخجل تغطي فمها بكفيها، وقفت ليلى بجانبها ايضا تنظر..
 إبتعد همام عن سيرين سريعاً حين رأى الفتاتين تدلفان إلى الغرفه، صاحت جوان بفرح: بابا ح يجيب لينا أُم بابا ح يجيب لينا أُم، راحت تقفز وتجري بالارجاء وهي سعيدة تتبعها ليلى التى تقلدها في كُل حركة تقوم بها، غير أنها عاجزةٌ عن الكلام.
_جواان، بطلي البتعملي فيهو دا، نهرها والدها..
="مام" عبست بوجهه ثم تقدمت نحو سيرين التي كانت واقفة في مكانها تعجز عن إستيعاب ما يحصل، أمسكتها من ملابسها وسحبتها الى الأسفل، فجلست على ركبتيها واقتربت منها، إبتسمت جوان ثم إقتربت من أُذنها هامسة: إنتي حلوة، و ح تكوني احلى ماما واحلى عروس لبابا انا متأكدة..
_إتسعت عينا سيرين ووضعت أصابعها أمام شفاهها متفاجئة، مالذي تقوله هذه الصغيرة؟!، إنها لم تره قبل اليوم ولم تلتقي به الا الآن..
 نهضت أميرة من مكانها أخيراً،  بعد أن كادت تموت من الضحك على المشهد الكوميدي الذي يحدث أمامها ، أمسكت جوان وليلى تأخذهما الى الخارج، طلبت منهما أن ينتظراها في الصالة ريثما تنهي حديثاً مهما مع والدهما و "عروسه😂" مثلما قالتا وتأتي لتشاهد معهما حلقات جديدة من أنمي "كود غياس"، رضخت الطفلتان لكلام عمتهما، لا عجب أن تعتقد الفتاتان م اعتقدتاه عندما رأتا والدهما يطالع إمرأة غريبة بتلك النظرات ويقف قريباً منها ذلك القُرب، طول عمرهما الصغير لم ترياه إلا مع جدتهما او عمتهما الصُغرى أميرة، أغلقت أميرة الباب ثم تقدمت نحوهما وقالت..
_فـ..في سـ..سوء تـ..تفاهم..
عرفت أميرة همام على سيرين وعرفت سيرين على همّام تعريفاً لائقاً، وشرحت سوء التفاهم الذي حصل بتأني، شعرت سيرين بحرجٍ كبير واعتذرت الى همّام الذي كان في عالمٍ أخر مُخّدراً برائحة الليمون المُنعشة والتي تعبق بالغرفة، بات مؤخراً يعشق هذه الرائحة كثيراً، لديها تأثير خاص على قلبه.
 إعتذر همام من أميرة أيضاً، أخبرها أنه كاد يُجنّ من خوفه وقلقه عليها، يفعل كُل ذلك لمصلحتها وحتى لا تعود للممنوعات مجدداً، قبلت أميرة إعتذار اخاها، أخبرته أنها خرجت تلتقي بصديقة تُلّح عليها أن تلتقيا منذ مدة، والتقتا بالجامعة.
  بعد ذلك، الحّ الجميع على سيرين أن تتناول طعام الغداء معهم، فرضخت لإلحاحهم، جلسو سوياً على سُفرة الطعام وكانو يتبادلون اطراف الحديث بإريحية، إلا "فاطمة" لم تُعجبها هذه الفتاة المتحررة القادمة من الخارج، خاصةً بعدما سمعت سيل الشتائم التي القتها على إبنها وحبيب قلبها، كانت تتناول طعامها وتنظر إليها بتفحص، الجميع أحبها إلا هي.
  حكت لهم سيرين أن سبب قدومها السودان هو زواج صديقها المقرب يُوسف. ولم تخبرهم السبب الحقيقي، بينما احتفظت أميرة كذلك بسرها لنفسها ولم تخبر سيرين عن مُصيبتها، وبينما كان الجميع يحكي كانت أميرة شاردة تفكر.
 ودعتهم سيرين ووعدتهم بزيارة أُخرى، أحبتها جوان كثيراً، فطلبت منها سيرين أن تأتي وتزورها بمحل إقامتها..
_نازلين وين انتو؟!، سألها همام مُهتماً..
=فندق كورنثيا..
_بابا بابا ودينا زيارة لخالتو سيرين في فندق كورنثيا، قالت جوان بلهفة..
=حاااضر
 إبتسمت سيرين، أحبت تعلق إبنتيه به، فلو لم يكن رجلاً حنونا م كانت الصغيرتان تُحبانه كل هذا الحُب، وأعجبها أيضاً أعتذاره من أميرة، أنه شخصٌ جيد، ظلمته بتلك الصورة التي كونتها عنه سابقاً في عقلها..
     _____
بعد مغادرة سيرين، عادت اميرة إلى غرفتها، إستلقت بسريرها، زيارة سيرين هذه خففت عنها كثيرا من الضغط الواقع عليها، ضحكت ضحكة صغيرة عندما مرّ على ذاكرتها مشهد جِدال همّام وسيرين سابقاً، توقفت عن الضحك عندما وردها إتصال من رؤى، مٌفسدة اللحظات السعيدة، ماذا تريد منها الآن؟!..
 ردّت سيرين بضيق عليها، اخبرتها رؤى أن أمين طلب قدومهما غداً، "ماذا يريد هذا؟!، لا تزال أمامنا خمسة ايام"..
=لا اعلم، غداً كوني مستعدة..
_ زفرت أميرة منزعجة، كيف ستخرج من المنزل..
 ليس لديها حل سوى "سيرين" مُنقذتها الوحيدة، دخلت الفتاتان وقطعتا خيط تفكيرها، شاهدت معهما حلقتان من "لولوش" كما وعدتهما، كانت جوان تعشق هذا الأنمي كثيرا، وكانت واقعة في حُب بطله، ودائماً م كانت تقول أنه يشبه فتىً معهم بالمدرسة يُسمى "مروان" يكبرها بثلاث سنوات يدرس بالصف الخامس.
 وقبل مغادرة همام مع إبنتيه الى شقتهم، اخبرته اميرة أنها ستخرج لملاقاة سيرين غدا وربما تتناولان الإفطار خارجاً، تردد همام قبل موافقته، لم تذكُر سيرين الأمر سابقاً عندما جلسو سوياً على المائدة؟، زفر بصوت مسموع ونظر إلى عينيها، إبتسمت أميرة وتظاهرت بالبراءة، وافق اخيراً.
  ___
غادر همام والصغيرتان، عاد جو المنزل هادئا ساكناً، إنهما تضيفان جواً مرحاً على المكان.
  _____
 "صباح اليوم التالي"
 "اركويت، مدرسة (__) الإبتدائية":-
   عند إستراحة الغداء، إتجهت جوان الى مكانها المُفضل، وتحت ظل شجرة الأكاسيا جلست بمكانٍ خالٍ وأخرجت علبة إفطارها، كان مكاناً مُميزاً، ورائحة الأكاسيا العطرة تعبق به، سعيدةٌ أنها وصلت باكراً اليوم ووجدته خالياً ..
  شرعت جوان تتناول إفطارها بهدوء، رُغم شخصيتها المرحة لكنها لم تكن تملك صديقات، كانت وحيدة أغلب الاوقات، سمعت صوتاً من وراءها..
_دا محلنا، قومي لينا من هنا ي بت..
=شنو شنو؟!، التفتت مُستعدة للشجار، وجدته ذلك الفتى من الصف الخامس "مروان"، كانت مُعجبه به لكن على ما يبدو أنه ولدٌ متنمر، يتبعه إثنان من رفقائه كحارسان، كان طويل القامة ذو بشرة سمراء ، كانت ملامحه جذابة بشعره الناعم وحاجباه الكثيفان، جادٌ دائماً قلّ ما يبتسم.
 وقفت جوان أمامه وعقدت حاجباها واضعة يديها بخاصرتها وهي تقول: أنا جيت قُبالكم هنا، والمحل م مُسجل بإسم واحد منكم..
=بس إنتي عارفاه مكانا، لاننا يوميا بنقعد فيه، رد "مروان" بنبرة باردة لكن نظرته كانت حادة..
_الليلة انا قعدت أول، صاحت جوان بوجهه..
=غضب مروان كثيراً، تقدم بخطوات غاضبة نحوها إنحنى
يأخذ حقيبتها وعلبه طعامها من مكانهم وهو يقول: قلتا ليك دا مكانـ..لم يكد يُكمل جملته حتى وجد جميع محتويات الحقيبة قد إنّكبت بالارض، ومعها علبة الطعام وكل ما تحتويه، نظرت جوان الى أشيائها وإفطارها الذي قد تلوث بالتراب، ترقرقت الدموع بعينيها وتقوس فمها الى الأسفل إذاناً بموجة بُكاء في الطريق..
 تراجع صديقا مروان الى الخلف، اذا بكت وعلم المعلم سيعاقبهم لأن التنمر على الطلبة الأصغر سِناً مرفوض، نظر "مروان" إليهما ثم عاد ينظر الى جوان لا يعرف كيف يتصرف، أخبره صديقاه أنهما سيجلسان بمكان أخر ثم غادرا مُسرعَين.
 شهقت عُدة شهقات وهي تنظر للأرض بإنزعاج، مسحت دموعها سريعاً ثم جلست على الأرض تجمع أشيائها، كان قد أخبرها والدها أن البُكاء أمام الأخرين -الغرباء خاصة- ضعف، لأنها كانت كثيرة البكاء سابقاً، حاولت جاهدة ان لا تنفجر باكية، ما يؤلمها حقاً أنها ظنته مثل "لولوش" البطل، لكنه شرير على عكس بطلها، شريرٌ جداً.
همّت بجمع أشيائها ولا تزال تشهق شهقات بكاءٍ بصوت مسموع وتحاول منع دموعها من التساقط، جلس "مروان" وبدأ يساعدها، لا يدري لماذا تصرف معها بقسوة هكذا، هي فتاة صغيرة في النهاية، تركت جوان ما كانت تفعله وراحت تنظر اليه بعينان واسعتان مليئتان بالدموع، وكانت عيناها تشبه عينا أميرة كثيراً، أخذ مروان الحقيبة وأعادها الى مكانها، طلب منها ان تعود لجلوس وجلس بجانبها ثم أخرج إفطاره ومدّه اليها، أخذته جوان وشكرته، هي الآن حائرة هل هو طيب أم شرير..
_أفطري، طلب منها مروان بتهذيب..
=أبعدت جوان نظرها عنه وأطرقت رأسها بخجل وهي تأخذ قضمة كبيرة، عادت تنظر إليه مُجدداً، وجدته يحدّقُ بها ويبتسم، مدّت له ما بيدها وقالت "خلينا ناكل سوا، شكلك م فطرت برضو"..
 رفض مروان لكنها أصرت كثيراً، في النهاية رضخ لطلبها، قسّم الخُبز وأخذ لنفسه الجُزء الأصغر، إبتسمت جوان بسعادة لأنهما يتشاركان الإفطار، نظرت أمامها، وشرعا يتناولان إفطارهما في هدوء.
   

           *****
 "جوهانسبرغ، جنوب افريقيا":-

دلفّ يوسف الى الغرفة يحمل بعضاً من الدونّات إشتراها من مخبز الفندق، كانت ساخنة وشهية، أحضرها معه ل"أسيل" علّ مزاجها يتحسن، كانت متضايقة من الصباح ومنزعجة بدون سبب، لا يفهم الفتيات، فجاءة يتحولنّ لكائن مُخيف ويتغير مزاجهنّ في الثانية مئة مرة، فقد رفضت الصباح النزول معه لتناول الإفطار، كما أنها رفضت مشاركته كوب القهوة بعد ذلك.
 دخل إلى غرفة النوم، كانت الغرفة فارغة والفراش خالٍ، نظر حوله بتساؤل، تبدد تساؤله حين فُتح باب الحمام وخرجت عابسة الوجه متألمة الملامح، لم تنظر إليه حتى، إكتفت بقول "هل رجعت"؟ وهي تتجه إلى جانبها من الفراش، غطت نفسها جيدا وضمت قدميها إلى صدرها وأغمضت عينيها بقوة، وضع يوسف الدونّات على الدُرج أمامها وجلس قرب قدميها ..
_إنتِ كويسة؟..
=اومأت برأسها فقط..
_طب مالو مزاجِك مُعكّر من الصباح؟..
=ماف شـ..ي، ردت بطريقة متقطعة تلفُّ يديها على بطنها، إنها تتألم، لا شك أنها فترتها الشهرية، الأن يعلم سبب مزاجها المُتغلب ورفضها غير المبرر لكل طلباته..
_بتاخدي شنو عشان توقفي الألم دا؟، عندي حبوب مُسكن لو بتنفع؟..
=باخد حُقنة فولتريكس، الحبوب م بتنفع معاي..
 نهض يوسف من مكانه واخرج هاتفه، شغل تطبيق "Google maps"، وجد أن أقرب صيدلية تبعُد عن الفندق مسافة سبع دقائق بالأقدام، أسرع الى المطبخ وأعدّ لها كوباً من اليانسون الدافئ، كان قد سمع معلومة تقول انه مفيد في تهدئة الأعصاب وتخفيف الآلام، جلس قربها،ساعدها على النهوض والجلوس، كان حنوناً ودافئاً، ناولها رشفة منه ثم أوصاها أن تكمل الكوب كاملاً..
_ح أمشي صيدلية قريبة من هنا م بتأخر..
=إكتفت بالإيماء وعادت ترتشف من الكوب..
  ____
"١٠ دقائق"  مضت، سمعت أسيل صوت الباب وأدركت أنه قد عاد "عاد سريعا"، كان الألم قد خفّ قليلا بفعل اليانسون الدافئ الذي تناولته لكنها لا زالت تتألم..
 _____
أخذت اسيل الحُقنة المُسكنة قبل دقائق بسيطة وأرتخت أعصابها ، تسلل النوم الى جفنيها، أغمضت عينيها وتنهدت براحةٍ وإسترخاء، إنها مدينةُ له بالكثير، معاملتها بهذا اللُطف يجعلها سعيدة، تصرفاته تجعل قلبها يخفق بشدة، تخشى الآن أنها واقعة بحبه..
 ___
شعرت بحركة خلفها، كان يوسف قد أنهى ترتيب المكان خارجاً وصنع لها المزيد من اليانسون، وضعه في "بوتيل" حافظٍ للحرارة أمامها على الدُرج، ثم تسلل خلفها بهدوء يحتضنها باحتواء ويمرر أصابعه بين خصلاتها..
_حاسة كيف هسي!؟ سألها بإهتمام عندما وجدها مستيقظة.
_كويسة، الوجع راح😊💛، أجابته هامسة بحب.
_خلاص، غمضي عيونك وحاولي تنومي.
  شعرتْ بدفء وراحة كبيرين، أغمضت عينيها بهدوء وغابت في نوم عميق.
  ____
 إستيقظت "أسيل" بعد ساعتين من النوم العميق المريح، شعرت بطاقة كبيرة تدّبُ بجسدها، ومشاعر كثيرة تفيضُ داخلها، كانت تضع رأسها على عضدّه ووجهها مدفونٌ بصدره، تشعر أن رائحته المُميزة عالقة بأنفها الأن وحتى بعد ان إبتعدت ، رفعت رأسها تتأمل وجهه وملامحه وهو نائمٌ بعُمق، أنفه كبيرٌ قليلاً لكن لا بأس لا يزالُ وسيماً بنظرها، إتكأت على مرفقها تتأمل وجهه كمهووسة، لا تعلم ما أصابها مؤخراً، قلبُها ليس بخير، إنه ينبض بقوة كلما ألتقت أعينهما أو تلامست أصابعهما، تشعر بالسعادة وهي بقربه، لا تُريد أن تُكابر، نجح هذا الرجل بالتسلل الى قلبها والعبث به، غفلةً وجدت نفسها تهوي، تغرق في بحرٍ لا يبدو أن له نهاية، بحرٌ من المشاعر الرقيقة والأحاسيس الجميلة .
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••• 

#لا_تعبث_بقلبي《05》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "المحطة الوسطى،بحري":-
 الساعة ال١٢ ظُهراً:-
ترجلت "أميرة" من الحافلة وهي تنظرُ حولها، رأت نفس السيارة التي أقلتهما المرة السابقة، وتقف بنفس المكان، تحركت نحوها وهي تُحكم لف حجابها بعد أن وضعت كمامتها القماشية مجدداً.
 وكانت رؤى تنتظرها بداخل السيارة.
  ___
توقفت السيارة أمام المبنى المنشود، نفس المبنى من المرة السابقة، دلفّت رؤى تتبعها أميرة، وصلتا لمكتب أمين ودلفتا معاً هذه المرة، أخبرتهما السكرتارية بالأستقبال أنه في إنتظارهما، كانت تدور برأس كليهما الكثير من التساؤلات، وأولها "لما طلب رؤيتهما مجدداً والمهلة التي أمهلها إياهما لم تنتهي بعد!؟".
  __
_صباح الخير أمين، القت رؤى التحية عليه بينما ظلت أميرة صامتة تقف خلفها مُطرقةً رأسها .
 رد أمين التحية وعيناه تجولان على أميرة، هذه الفتاة بها شئٌ مميز، شئُ يجعله يرغب برؤيتها مجدداً، وسماع تلعثمها وهي تتحدث، كانت أميرة ترتدي تنورة طويلة ضيقة رمادية اللون، كنزة قطنية مُريحة طويلة الأكمام، باللون الأسود وحجابٌ أسود اللون كذلك، تُخفي ملامح وجهها بتلك الكمامة القماشية فلا يُرى منه إلا عينان واسعتان خائفتان، جسدها الهزيل وطول قامتها المتوسط، ليس بها شئٌ ممُيز، ليست جميلة بشكل إستثنائي، مالذي يجذبه اليها هكذا، رُبما تلكما العينان التائهتان.
 كان أمين يقف قُرب نافذة مكتبه يتأمل الخارج عندما دخلتا، يبدو أنه كان يراقبهما مُنذ وصولهما وترجلهما من السيارة، تقدم نحوهما وهو يقول "رؤى، ممكن تمشي عادي" تفاجئت رؤى من طلبه الغريب، نظرت إلى أميرة مُتسائلة فوجدتها تبادلها نفس النظرات، كان "أمين" قد وصل إليهما، نظرت إليه رؤى نظرة خاطفة وهمّت بالخروج، أمسكتها أميرة من كُمّ قميصها بيأس ترجوها ألاّ تذهب لكن بدون أن تنطق شيئاً، أشاحت رؤى بعينيها وغادرت "أسفة انا مضطرة لتركك مع هذا الرجل وحدكِ"، كان هذا أخر ما قالته عيناها قبل أن تُغلق عليهما الباب وتختفي، ظلت أميرة واقفة تنظر الى الباب وكأنها تنتظر عودتها بأي لحظة، لكنها لم تعُد، تركتها وحدها مع هذا الرجل المُخيف، بدأت تتصبب عرقاً عندما وقع عليها ظله يُنذرها بأنه يقفُ أمامها مُباشرة، لا تود الإلتفات، فقط تريد الخروج من هذا المكان سالمة، وستقطع كل ما يربطها برؤى وبهؤلاء القوم.
_م ح ترجع لو ما طلبت منها انا ترجع..
=التفتت تنظرُ اليه متسائلة، ماذا يريد منها الأن، ولما يتحدث بتعجرفٍ هكذا، لا تستطيع فهمه أو قراءة ما يدور برأسه، لا تستطيع تحديد ما يريده بالضبط.
 دعاها للجلوس، جلست على أحد المقاعد وجلس هو بالمقعد الذي يقابله، أخذ سماعة الهاتف وطلب بعض "القهوة" سألها "أم تُريدين شيئاً أخر؟" ، حركت رأسها بعشوائية لا تدري أوافقت أم نفت، كانت تجلس متأهبة وحذرة، قلبها غير مُطمئن، فزعت وبدأت يداها ترتجفان حين نهض وأقترب منها، أنحنى يمد يده نحو وجهها، علمت أنه يحاول خلع كمامتها مُجدداً كما المرة السابقة فخلعتها بسرعة قبل أن يفعل هو، يستطيع أن يطلب منها ذلك، لما يتعمّد التقرب منها دائماً!؟.
  ___
كانت تحمل كوب القهوة بيدها ترتشف منه رشفات بلا وعي، متوترة جداً من تلك العينين الحادتين المُركزتان عليها بجرأة، يبدو الأحساس كأحساس فريسة مُراقبة من قِبل حيوان مُفترس شرس، مُتعطشٍ للصيد.
عندما تعبت وفاض بها الكيل نظرت اليه بحدة وكأنها تقول "إختصر الأمر؟ ماذا تريد؟".
 إبتسم أمين وقد فهم معنى نظراتها، وضع كوب القهوة ثم اتكأ على المقعد واضعا قدماً فوق الاخرى بتعجرف، إنه مغترٌّ بنفسه أكثر من اللازم.
_لقيتي الكيس؟!..
=هـ..هو إنـ..إنتا أديتنا فُـ..فُرصة عـ..عشان نلقاه؟!، حاولت ألاّ تتلعثم قدر الإمكان، لا تدري من أين جاءتها الشجاعة لترد عليه هكذا.
_إبتسم أمين إبتسامة واسعة، هذه النظرة وتلك الكلمات المُتلعثمة تعجبه كثيراً، لا يدري كيف لكنها تفعل بقلبه الأفاعيل ..
 أخذ كوب القهوة مُجدداً وأرتشف رشفة، حاول منع نفسه من الضحك قدر المُستطاع، لا يُريد منها أن تعتقد أنه يضحك عليها، "وه!،لماذا يُراعي لمشاعرها أصلاً!؟".
_طيب..صمت قليلاً ثم أضاف بجدية: أنا عندي ليك عرض مُغري ..
=شـ..شنو؟!..
_في حالة إنك م لقيتي الكيس ولا جبتي قيمتو، ح تكوني مُضطرة إنِك تقبلي العرض.
=شنو..العـ..عـ..عرض؟!، سألت وقد بدأت تخاف منه فعلا مع تلك الإبتسامة الجانبية والنظرة الخبيثة..
_خليها لحدي يوم الأحد..
=الأحد ؟!، سألت مستنكرة، لكن إنتا أد..ديتنا أُسـ..سبوع ..
_غيرتا رأيي، إتسعت إبتسامته حتى ظهرت أنيابه قال بنبرة لا جدال بعدها "عندكم يومين بس".
  _____
خرجت أميرة من عنده، قابلتها رؤى تنتظر على أعصابها أمام المكتب، أخبرتها بكل ما قاله "أمين"، زمّت رؤى شفتيها في توتر وخوف، تعلم أنه ينوي لشئ ما لكن ما هو، حاولت التفكير مليّاً، لم تستطع معرفة ما يخطط له، تدعو الله أن لا يؤذيها بسبب هذه الحمقاء المُتلعثمة، كُل ما يحصل بسببها،  إنها تعمل مع "أمين" مُنذ خمسِ سنوات، لم ترتكب خطأً يوماً، تكاد تجزم أنها كانت المُفضلة لديه من بين مروجيه، لكنها لم تعد كذلك.
 نظرت رؤى الى أميرة شرزاً وكُرهاً، لا أحد يستطيع إتقاء بطش أمين عندما يغضب، وهما يسيران في طريق إغضابه الآن، لكن مالا تفهمه حقاً هو لما صرفها وطلب البقاء وحده معها؟!، هل يُعقل أنها تُعجبه!؟.
  عادت تنظر اليها بتفحص، هزيلة، ضعيفة، مُتلعثمة، مُترددة..لا شئ يدعوه أن يُعجب بها، طردت الفكرة من رأسها بدا لها هذا الأمر شبه مُستحيل، همست "مافي أي مُقارنة بينها وبين ثناء"، ثم سارت معها تغادران المكان.
 في طريق خروجهما، مرّ بجانبهما فتى، لم تره أميرة جيداً، او تُدقق في ملامحه؛لكنها تعجبت!، مالذي أتى بفتى في مثلِ سنه إلى هذا المكان!.
 ___
 عند عودة أميرة إلى المنزل، وجدته خاليا كبيت للأشباح، أين ذهبت "فاطمة"؟ وأين الفتاتان؟ أنه يوم الخميس، من المفترض أن يوصلهما باص المدرسة "الترحيل" الى الحلفايا يوم الخميس، ثم يأتي همام لاحقاً وتجتمع العائلة لتقضي وقتاً جميلا، أخرجت هاتفها من الحقيبة ووجدت الكثير من المكالمات الفائتة، من همّام وفاطمة أيضاً، لا تتصل بها "فاطمة" إلا نادراً، باتت تشعرُ بالقلق الأن. أتصلت بهمام وهي تصعد السلالم الى غرفتها درّجةً درّجة..
_ألوو..هـ..همام؟!..
= اي ي أميرة، وين إنتي؟ جاءها صوت همام مُتحشرجاً..
_في البـ..بيت، ولـ..لقيتو فاضي، خـ..خلا ..
=نحنا في المستشفى..
_مُـ..مُستشفى؟!، ليه؟!..
=ليلى حصل ليها حادث قدام المدرسة، نحنا في مُستشفى (**) حالياً.
 أغلقت اميرة الخط وراحت تهبط درّجات السلم ركضاً، صدمها الخبر كثيراً، ليلى المسكينة الصغيرة، كيف حصل هذا الحادث وأين، ياإلهي لُطفك ورحماك.
  ___
  "مستشفى (_)، بُري":-
ترّجلت أميرة من سيارة الأُجرة، حاسبت السائق وأسرعت بالدخول، كانت طوال الطريق تُفكر بكم الألم الذي تشعر به ليلى الآن، المسكينة هي عاجزة عن الكلام حتى، كيف ستشكو آلامها، لا تزال بالرابعة فقط، كيف ستتحمل.
   <<•••••••
كانت جوان وليلى تنتظران قدوم "الترحيل" وكان يوجد سوبر ماركت مُقابل لمدرستهما بالجهة الاخرى من الطريق، وبينما هما تقفان قرب بوابة المدرسة، رأت ليلى فتاة تخرج برفقة والدتها من السوبر ماركت المُقابل، كانت في مثل عمرها تقريباً، تمسك يد والدتها بإحكام كأنها تخاف أن تُفلتها وتحمل كيس "دوريتوس"  باليد الاخرى، راحت ليلى تطالعمها بحُب، ليتها تملك أُماً تُمسكها هكذا، لا تذكر حتى شكل والدتها فقد توفيت وهي بعمر السنتين فقط، لاحظت جوان النظرة على عينا ليلى، فهمت ما تفكر به، وشعرت بألم في قلبها، كانت جوان حساسة جداً في كل ما يخص ليلى، كانت تحبها كثيرا ودائما ما تحاول أن تلعب دور "الأُم" في حياة ليلى، خاصة وأنها تراها "عاجزة" فليلى لا تستطيع النُطق كما ترون ، أمرٌ عجيب، طفلةٌ تعتني بطفلة.
 أمسكت جوان يد أُختها وعبرتا الشارع بحذر، وبأخر نقود تملكها في حقيبتها إبتاعت لأختها كيس "دوريتوس" ثم أمسكتها مجدداً وهمّتا بالعودة، تلفتت جوان يُمنة ويسرى، الطريق خالٍ، سحبت أُختها تعبرانه مُسرعتان، وفي منتصفه، أفلتت ليلى يد جوان فجاءة، وإنحنت ترفع كيس الدوريتوس الذي أسقطته سهواً، صوت دراجة نارية مُسرعة ظهرت من العدم، صوت إحتكاك قوي واصطدامٍ وصرخة متألمة من حنجرة طفلة "بكماء".  
فقدت جوان وعيها وسقطت مغشياً عليها هي الأخرى؛حين رأت جسد ليلى الصغير يحتك بأرضية الطريق الإسفلتية، ثم يسكن على بُعد عُدة أمتار منها، بلا حركة، كجثة، كان هذا أكثر مما تستطيع رؤيته أوتحمله.
   •••••••>>
إنفجرت أميرة باكية حين علمت تفاصيل الحادث، ضمّت جوان الى صدرها وشرعتا تنتحبان معاً، تُشبهان بعضهما كثيراً، فاطمة تجلس قربهما تحاول تهدئتهما وإسكات بكائهما، أما همّام فيجلس قُرب سريرها وهي مغمضة عينيها، تئن كُلما حاولت تحريك قدمها المُصابة، رأسها ملفوف بضمادة، والكدمات تملأ جسدها، كان ممُسكا يدها يشعر كأن خنجراً يُغرسُ بقلبه كلما سمع أنينها، يمكنه تحمل كُل شئ إلا أن يبتليه ربه في حبيبتيه الصغيرتين "ليس ليلى يا ألله، لا تجعلني أجرب ألم فقدان إبنتي، لقد فقدتُ والدتها من قبل؛ لا تبتليني بهذا الألم مُجدداً".
  كانت ليلى بالذات تُشبه "سارا" كثيراً، نفسُ العينين والشفاه.
 ___
بعد مُدةٍ ليست بطويلة، ترك همّام يد ليلى أخيراً، وبدون أن يقول اي كلمة، غادر المكان وهو يُخرِجُ هاتفه، يبدو أنه سيُجري إتصالاً مُهماً.
 _____

          ******
 "أب روف، أُمدرمان":-

  على مائدة الطعام، جلس إيهاب مع والدته"حليمة" واخته "تالين" يتناولون غداءهم بهدوء.
 بات يشعرُ بتحسن كبير الآن، خفّت أثار إقلاعه عن الحشيش كثيراً، وصار لا يشتهي تدخينه إلا نادرا، كما أنه بدأ يتقبل واقع أن حبيبته "أسيل" صارت زوجة إبن خاله وصديقه "يوسف"، وفكرة أنها تنام في أحضان رجل آخر التي كان تؤجج النار بقلبه باتت أقل تأثيراً، سيكون جنوناً إن لم ينساها وينسى قصة هذا الحُب غير المكتملة.
  وبينما يتناولون طعامهم، رنّ هاتفه، لم ينوي الرد عليه لكنه غير رايه عندما رأى إسم المُتصل ، إستاذن وإبتعد، إنه "همام" لم يره مُنذ ذلك اليوم الذي التقيا فيه عند مدخل الشركة، يومها كان إيهاب يشعر بفراغٍ وسوء كبير، أصبح يرى المنزل جحيماً، فخرج قاصداً الشركة؛ علّه يُفرق عن نفسه قليلا برؤية زملاءه وأصدقائه وتبادل  بعض الأحاديث معهم ، مع أنه كان قد أخذ إجازة من العمل مدتها شهر كامل.
 ولم يكد يصل حتى غادرها مجددا برفقة همّام.
 ردّ إيهاب على المكالمة..
_اووو، شنو يا مان الليلة اتذكرتنا من وين؟!
= إيهاب كيف حالك، إنشاءالله كويس..
_بخير حال أحمد ربي..
=الحمدلله..صمت قليلا ثم اردف: قُلتا ليك رقم تلفون "أُسامة" عندك..
_اي تقريبا عندي، في شنو انشاءالله خير..
=والله نحنا مُرقدين في المستشفى حاليا..
_لالا يا زول بتقول في شنو، سلامتكم إنشاءالله..
  أخبره همّام أن شاباً طائشاً يقود دراجة ناريه مُسرعاً  أمام المدرسة صدم إبنته بدراجته وفرّ هارباً. فهم إيهاب أن همّام يريد التواصل مع أسامة لهذا السبب، كان أُسامة صديقا قديما مُشتركاً وفرداً من "الشٌلة" كما يقال، وكان يعمل بشرطة أمدرمان ً..
 أنهى إيهاب إتصاله وعاد إلى المائدة لينهي غداءه ، سألته والدته عن المتصل ..
_همّام، بتو حصل ليها حادث موتر..
_تالين بصدمة: بتو منو فيهم؟ عندو بتين..
_ليلى،.. الصغيرة..
_حليمة بتأثر: كُرعلي ي ليلى، مسكينة.
_تالين: واها، م يكون اتعوقت كتير بس..
_والله قال رجلها اتكسرت ورأسها انضرب، لكن كويسة.
_كُر علي الشافعة صغيرة لسه، ربنا يشفيها ..
 عم الصمت لثوانٍ وعادت  تالين تكسره بسؤالها..
_إنتا ي إيهاب، موش بنات همّام الاتنين بقرو في نفس المدرسة النزلت فيها ترينيج؟!
_هي..تقريبا الصغيرة دي في الروضة، لكن ...زي كدا... أي بقرو في أركويت.
 أنهى إيهاب طعامه وأخبر والدته أنه سيغادر قاصداً المشفى حيثُ همّام، إقترحت عليه تالين أن تخرج معه، يقصدان المشفى معاً ويطمئنان عليها، ثم تذهب هي الى "الطائف" القريبة من بُري، فهي قد بدأت تُعطي دروساً خصوصية بالمنزل لأحد طلابها من الصف الخامس. "تدرس تالين بكلية التربية، وفي السنة التي تسبق التخرج يُوزع طلاب وطالبات الكلية على المدارس كفترة تدريبية مؤقتة "ترينيج"، ووُزعت تالين بمدرسة (**) الإبتدائية بأركويت، وهي نفسها المدرسة التي ترتادها جوان، أما ليلى فترتاد فرعها ما قبل المدرسي "الروضة" وتقع المدرستان بجانب بعضهما".
  __
خرجت تالين برفقة إيهاب، إستقلا حافلة مُتجهان إلى مقصدهما، كانت تالين في الرابعه والعشرين من عمرها، متوسطة الطول، ذات بشرة فاتحة، ممتلئة القوام لكن ليس بشكل مُفرط، كانت عادية الملامح ما عدا عينيها، فهي تملك عينان كحيلتان جذّابتان، أما إيهاب فكان يشبه أخته، نفسُ الملامح، لكنها اكثر رجولة وخشونة، كما أنه أنحف وأطول.
   ___
وصل الإثنان إلى مقصدهما، وعند مدخل المشفى لمح إيهاب صديقه همّام وبرفقته رجلٌ ما..
 إتجه نحوهما وكانا يهمّان بالخروج، وعند إقترابه تعرف على الرجل الاخر، إنه "أُسامة"..
 ألقى إيهاب التحية عليهما وتصافحوا وتعانقوا، ثم سأل همّام عن حال ليلى فأجابه أنها بخير، إلتفت إلى أُسامة وعاد يُصافحه بشوق..
_شنو يا زول، متين لحقتا تجي..
=ضحك أُسامة وكانت ضحكته ممُيزة بسبب الغمازة التي تظهر على خده الأيمن أجابه بأن همّام إتصل به وحكى له ما حصل، وطلب منه مساعدته بأن يوصله بقسم شرطة مرور أركويت لأنه عازمٌ على معرفة سائقِ الدراجة..
_...وأنا كُنت قريب من هنا فطوالي دورت عربيتي وجيت عليهو، أكمل يُحدث صديقه.
_أيواا لالا تمام..
 نظر أُسامة خلف إيهاب ل"تالين" التي كانت تقف بتهذيب على بُعد مسافة صغيرة، إنتبه إيهاب لها، أخذه الحديث مع رفيقيه ونسي أنها برفقته، ناداها فتقدمت ألقت التحية لكنها لم تُصافح أياً منهم، ردّا تحيتها، سألت بعدها عن حال ليلى وأستأذنت أخاها أن تدخل لرؤيتها، إتصل همام بأميرة لتنتظرها عند مدخل العنبر حتى لا تتوه تالين فالغرف كثيرة، وهذا ما حدث، أخذتها أميرة الى الغرفة التي ترتاح بها ليلى، وما إن دخلت ورأتها جوان راحت تصيح بفرح وسعادة وهي تقول: أُستاذة تالين!!، حبوبة حبوبة دي أستاذة في مدرستنا..
 ومن البديهي جداً أن يعرف الطلبة كل أساتذتهم..
  ___
خرجت تالين برفقة أميرة بعد بضعة دقائق، يجب عليها المغادرة فموعد الدرس قد أقترب، وجدت الشباب الثلاثة في نفس المكان الذي تركتهم به، أقتربت الفتاتان منهم ألقت أميرة التحية على إيهاب، شعرت بشئ من الإحراج، تذكرُ أنه شهِد ما حدث قبل أيام قليلة عندما ضربها همّام، هل تُراه يذكرُ ما حدث أيضاً، تذكرت أيضاً عندما تدخل محاولاً حمايتها من غضب أخيها، راحت تتأمله بإهتمام لأول مرة، لديه عينان كحيلتان جميلتان، لكنهما مُتعبتان وضائعتان، إنتبه إيهاب لنظراتها، إرتبكت وراحت تتلفت حولها ببلاهة ودقات قلبها مُتسارعة.
 أخبرت تالين اخاها بأنها ستغادر، فتدخل أُسامة الذي كان يُراقبها من بعيد وقال..
_أنا زاتي طالع، ماشة وين ممُكن أوصلك معاي في طريقي..
_ماشة الطائف، قريب من هنا مافي داعي أتعبك معاي بركب مواصلات بس ..
_تركبي مواصلات ليه؟، انا أصلا شارع ال60 دا شارعي، مافي أي تعب ..
_إيهاب وقد أقتنع بما قاله أُسامة: خلاص خلي يوصـ..قطع جملته حين رمقته بنظرة مخيفة، نسي تماماً أنها تكره مُرافقة الغرباء -الرجال- خاصة.
 لاحظ أُسامة تلك النظرة، إبتسم، فهم أنها لا تود مرافقته، انها مُحقة ففي النهاية هو غريب عنها.
 أعتذر إيهاب من صديقه وهمس له أنها تخاف قليلاً ولا ترتاح بمرافقة شخصٍ لا تعرفه جيداً..
 لم يتحسس أُسامة من الأمر بالعكس يعجبه عندما يرى فتاةً مثلها، تختلف عن فتيات جيلها "سهلات المنال".
   __
أخذ إيهاب سيارة همّام ليوصل تالين التي تلقت إتصالاً من السيدة "ثناء" ..
_لالا الحصة قائمة، أي أي، انا جاية عليكم رُبع ساعة وأكون عندكم.
أغلقت تالين الهاتف سألها إيهاب وهو يُركزُّ نظره على الطريق أمامه..
_دي منو؟..
_دي أُم "مروان" الولد الماشة أدرسو حصة التقوية ..
_في سنة كم هو؟..
_خامس..
_اممم اومأ برأسه عُدة مرات ثم أردف: ح تنتهي الساعة كم، عشان أجي أسوقك بعدين..
_ تلاتة ساعات، نظرت الى ساعة هاتفها ثم قالت: الساعة خمسة ح اكون خلصت.
_أوكِ، لمن تنتهي أعملي لي رنّة عشان تذكِّريني.
_حاضر.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《06》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "الطائف، الخرطوم" :-
  الساعة ال٢ ظُهراً:-

 ترجّلت تالين من السيارة، وكان الفتى بإنتظارها في الشارع الرئيسي، ذلك الفتى طويل القامة جادُّ الملامح، لوحت له تالين بيدها بينما تسير إليه..
_"مروان" نهارك سعيد كيفك ؟..
_الحمدلله وإنتِ ي أُستاذة؟..
_الحمدلله برضو، أمسكته تالين من يده والتفتت تودع إيهاب ثم شرعا يمشيان معاً في الطريق المؤدي الى المنزل.
  ___
جلست تالين إلى "ثناء" والدة مروان، كانت سيدة في منتصف عقدها الرابع، جميلة بشكل ملحوظ،بشرتها حليبية ناعمة، شعرها كالليل حالك السواد، ملامحها جميلة ووجها صبوح، يظهرُ الثراء الفاحش حتى في مشيتها وطريقة حديثها، لكنها متواضعةٌ وطيبة جلست إلى تالين تسألها عن حالها وأخبرتها أنها اتصلت بها تتأكد من أن الدرس قائمٌ لأنها كانت تود الخروج وزيارة أهلها ب"أُمدرمان" ..
 كان "مروان" قد إنصرف يُجهزّ دفاتره وكتبه إستعداداً للدرس، سألتها والدته من مستوى إبنها، قالت إنه وحيدها الذي لم تُنجب غيره، تريده متفوقاً في كل المواد والمجالات، خاصة أنه سيخوض إمتحان إنتقاله للمرحلة المتوسطة السنة القادمة. إبتسمت تالين برضى، تحب عندما تجد سيدة مهتمة بالمستوى الدراسي لإبنها هكذا..
_بالمناسبة يا ثناء "مروان" دا بالذات ولد هادي جداً وما مشاغب، بحسو أكبر من عمرو واعي وذكي بس عصبي شوية، يعني أقل هبشة ممكن يقوم يخبط طوالي..
_ضحكت ثناء وهي ترد: فعلا عصبي، جاريهو أبوهو نعمل شنو..
_اذا وراثة معناها ماف شي بيدكم تعملوهو..
_مبسوطة لأنك شكرتي لي طبعو، شكراً ليك أُستاذة تالين..
_العفو..
  ___
كانت تالين مُعلمةً للغة الإنجليزية بالمرحلة الإبتدائية، وكانت مسؤولة عن الصفين الخامس والسادس،  تواصلت معها ثناء  والدة مروان تخبرها أنه يحتاج حصص تقوية لمادة اللغة الإنجليزية وطلبت منها أن تكون الدروس الخصوصية بالمنزل فوافقت تالين. رتب "مروان" نفسه وجلسا معاً في غرفة صغيرة للضيوف، أخذت دفتره وراجعت دروسه وجدتها مُكتملة، وضعت الدفتر جانبا وأخذت الكتاب وشرعا في الدرس.
 نصف ساعة مضت، أتت ثناء تحمل بعض العصير وقليل من المُكسرات ووضعته أمامهم، جلست على مقرُبة منهم تتابع ما يفعلون بإهتمام.
   عرفت تالين أن ثناء درست "التخدير" وتخرجت منذُ سنين عديدة، لكنها لم تعمل في المجال الذي درسته، كرَّست جميع وقتها لإبنها، قالت أن والده كثير الغياب عن المنزل بسبب عمله، لم تُرد أن تغيب عنه هي الأخرى، كانت تعيش الأمومة والتربيه بشغفٍ وكأنه كان حُلمها.
  __
 أنتهى الدرس وها هي تالين تقف أمام الشارع الرئيسي تنتظر إيهاب الذي أخبرها أنه في طريقه، وبجانبها يقف مروان، طلبت منه والدته أن يُرافقها وقد فعل، كان صامتاً هادئاً، تعجبت تالين، يبدو كرجلٍ عاقل ليس طفلاً بالعاشرة فقط، أرادت أن تفتح معه حديثاً وتجرّه للتحدث، سألته من أصدقائه، صمت قليلا ثم أجابها  أنه لا يملك أصدقاءً وقد إكتشف هذا مؤخراً..
_ليه بتقول كدا؟!، شايفاك بتحوم مع اتنين كدا"أواب" و...، التاني نسيت إسمو..، المُهم شايفاكم دايماً سوا.
_قصدك عمر،  صُحبتنا إنتهت من يومين صمت قليلا ثم أردف بتردد: فــي...في بت في سنة تانية، نظر إليها وقد بدت البراءة جليه بوجهه: ممكن عادي ولد وبت يتصاحبو؟!..
 صمتت تالين قليلاً، نظرت إليه فوجدته ينتظر ردّاً على سؤاله بلهفة، أومأت برأسها إيجاباً ثم قالت: عادي، مافيها شي😊.

          ****
 " مُستشفى (_)، بُري":-
 يوم الجمعة، الساعة الواحدة ظُهراً:-

 همّام وإيهاب يجلسان في كافتريا المشفى يحتسيان بعض الشاي، كانا قد عادا لتوهما من صلاة الجُمعة بأحد المساجد المجاورة، وكان إيهاب قد جاء باكراً من الصباح، يشُعرُ أن همّام يحتاجُه كصديقٍ بقُربه هذه الأيام؛ لهذا تجده يحوم حوله دائماً، لم يكونا بنفس العُمر حتى، فهمّام يكبُرُ إيهاب بستِ سنوات كاملة إن لم تكُن سبعة، جمعتهما الشركة، كان همّام يعمل بمكتب الإدارة بينما إيهاب قد عُين موظفاً جديداً بقسم المُحاسبة، لا يذكران كيف ومتى تقربا من بعضهما هكذا، ولا متى توثقت صداقتهما، فقط يذكُر إيهاب أنه قبل سنتين من الآن، كان همّام منكسراً وحيداً بعدما غادرته حبيبته "سارا" يذكُر جيداً تلك الأيام عندما كانا يجلسان معاً يُدخنان بشراهة لساعات، أقلع همّام عن التدخين بعد مُدةٍ قصيرة؛قال أن صغيرته "ليلى" تتضايق كثيراً من رائحة السجائر العالقة بملابسه، وما إن يحملها او يُعانقها تشرعُ بالسُعال، أصبحا مُقربين من بعضهما منذُ تلك الفترة وإلى الآن. أما "يوسف" فنظراً لصداقته مع إيهاب أصبح مُقرباً من همّام كذلك.
 كانا يتبادلان أطراف الحديث، حين رنّ هاتف همام، كانت أميرة تُخبره أن ليلى قد إستيقظت وتبكي بشدة تريده قُربها..
  ____
يجلسُ همّام قُرب ليلى وأصابعها الصغيرة تُمسك بيده بقوة، كان يمسح على شعرها بحنان حتى تعود إلى النوم مُجدداً، بينما جوان تقف قرب وجهها من الجهة الأخرى تراقبها بعينين مليئتين بالدموع، وخلفها مُباشرةً تقف أميرة ونفس النظرة على عينيها، تجلس  فاطمة على كُرسي لا يبعد كثيراً عنهم، بينما يقف إيهاب قُرب الباب مُتكئٌ عليه..
 أخيراً أغمضت عينيها وكفّت عن البُكاء، أخبرت "فاطمة" إبنها أنهم يحتاجون لبضعة أشياء من المنزل، وطلبت منه أن يأخذ جوان وأميرة يُحضران المطلوب ويعودون سريعاً بينما تبقى هي بجوار ليلى تحرُسها..
 همّ همام بالوقوف لكن ليلى أحكمت قبضتها تمسكه بقوة، لا تريد إفلاته، يبدو أنها لم تغرق بالنوم بعد.
 نظر همام إلى والدته بعجزٍ رافعاً كتفيه، حينها تدّخل إيهاب..
_جيب المُفتاح ي مان أنا بوصلهم وانت خليك قاعد جنب بتك..
 رمى همام بالمفتاح إليه ونظرةُ إمتنان تعلو وجهه، لا يدري كيف سيردُّ له كُل هذه الخدمات التي قدمها له، وهناك كانت أميرة تُطالعه بإعجاب خفي، ودقاتها مُتسارعة.
  ___
 قاد إيهاب السيارة مُتجهاً إلى الحلفايا، كانت جوان تجلس بالمقعد الذي بجانبه، بينما أميرة تجلسُ بالمقعد الذي خلف مقعد جوان مُباشرة، كانت حائرة من ذلك الإحساس الغريب الذي  يجتاحها، لم تشعر هكذا من قبل، تتسارع نبضات قلبها كلما رأته أو سمعت صوته، ترتبك كثيراً عندما ينظرُ إليها أو يُحدّثها مع أنه نادراً ما يحدث، إنها تغرق الآن..
 وصل الثلاثة الى مقصدهم، ترجلت الفتاتان بينما بقي إيهاب ينتظرهما بالسيارة، عدة دقائق مضت ولا تزالان تقفان لم تفتحا الباب بعد..
 نزل إليهما لينظر ما الأمر فأجابته جوان منزعجة..
_عمتو نست مُفتاح باب الشارع و م شالتو من حبوبة.
 نظر إليها إيهاب ينتظرُ تأكيداً منها، تعجب حين رأها تُطرق رأسها بخجلٍ وتتصرف بغرابة، لم يُعر الأمر إهتماماً، سألها إن كانت تحمل مفاتيح البيت الداخلية فأومأت برأسها تجيبه أن نعم، جلس على الأرض يخلع حذاءه والفتاتان تُطالعانه  مُتعجبتان مُتسائلاتان ماذا سيفعل..
  شمّر عن ساعديه وطوى أكمام قميصه وهو ينظر الى الحائط يقيس مسافته عن الأرض ثم شبّ قافزاً بالباب ليساعده على التسلق، بضعة خطوات وقفز الى الداخل، وقفت أميرة وجوان تنظران بعينين مُتسعتان مذهولتان همست جوان بدون وعي "كأنو قِرد"، ضربتها أميرة على كتفها إذ لم يُعجبها م شبهته به: قِرد ي جوان!؟، بتبالغي..
 فُتح الباب من الداخل، خرج إيهاب يحمل حذاءه مُتجهاً الى السيارة بينما دخلت الفتاتان.
  تأخرتا قليلا يجمعان ما يحتاجانه من المنزل ، شعر إيهاب بالملل فأخرج هاتفه يلهو به قليلا، دخل "الواتساب" فوجد رسالةً من إبن خاله، يُعاتبه فيها على عدم حضور حفل زواجه، ويطلب منه أن يستلم تلك الصور التي التقطها مع عروسه ليلة زفافهما من الأستديو، أخر ظهور له مُنذ ٤٥ دقيقة، ردّ عليه إيهاب، سأل من حاله وأعتذر ثم أخبره بالكُربة التي يمرُّ بها همّام حالياً، أغلق الهاتف وقد كانت الرسالة غير مقروءة، دقيقتان وعادت جوان وعمتها يحملان أشياء كثيرة، فترجل يُساعدهما.
  ____
 مساء ذلك اليوم:-
 أخبرهم الطبيب أن الطفلة ستبقى يومٌ أخر بالمشفى وستُخرّج يوم الأحد، وفرحوا كثيراً لهذا الخبر، كانت ليلى قد عادت للنوم مجدداً، خرج همّام الى صديقه الذي ينتظرُ بالخارج منذُ عودته مع أميرة وجوان، رنّ هاتفه بينما كان يسير وكان المُتصل "يوسف"، رد على المكالمة التي كانت مكالمة فيديو
_اوووو وين يا فردة مُختفي كدا، شكلو جوهانسبرغ نفعت معاك، لونك لمن فتح..
_ضحك يوسف كثيراً: باقي لينا إسبوع بس فيها ولونا يرجع زي أول، قُلتا ليك شنو، كُفارة لبتك كمان قالو عملت حادث، الكلام دا متين يا زول..
_أي حادث موتر في الظلط القدام المدرسة، كان أمس الكلام دا..
_ولميتو في سيد الموتر إنشاءالله..
_والله لسه م لمينا فيهو،...لكن إتواصلتا مع أُسامة بخصوص الموضوع دا..
_لالا تمام أُسامة ح يحل ليك الموضوع تب،...غايتو سلامتكم اها والبت كيف هسي..
_زفر همّام بتعب وقال: كويسة..
_طبعاً انا ما عرفت إلا وقت لقيت رسالة من إيهاب قبل شوية..
_حرك همّام الكاميرا نحو إيهاب الذي كان يقف مُتكئاً على سيارة همّام يُدخن سجارة عادية، مضى وقت طويل منذ رأه يدخن أخر مرة، وجه الكاميرا إليه وهو يقول:  ياهو إيهاب زاتو معاي هنا، من الصباح م فارقني..
_أووو إيهاب جنبك، أديني المان دا، مليان منو فُل يا زول، من زمن العرس.
_أخذ إيهاب الهاتف وشرع يتحدث الى إبن خاله الذي عاتبه كثيراً، أخبره أن ينتظر عودته وسيلقنه درساً، تجنب أيهاب أن يسأل يوسف عن أي شي يخصُ أسيل؛فألمه لا يزال حديثا كما يُقال، إنتفض قلبه بقوة يكاد ينفجر من قوة نبضاته حين سمع صوت إسيل من الجهة الأخرى تسأل يوسف الى من يتحدث، فقد كانت خارج الغرفة ودلفت لتوها، عاوده الحنين الى حُبه القديم مُجدداً، ترى بماذا قد شعرت عندما أجابها أنه يتحدث اليه، هل خفق قلبها بنفس الطريقة؟، هل شعرت بالحنين ولو لثانية؟، تغير مزاجه في ثوانٍ وأصبحت ملامحه منزعجة، أعاد الهاتف الى صاحبه وجلس قليلا في شرود والضيق يظهر جلياً بملامحه ثم ما لبث أن هبّ واقفاً وهو يقول: أها يا همّام أنا بعد دا ماشي..
 أنهى همّام  مكالمته والتغير المُفاجئ لحال صديقه حيره، حتى يوسف لاحظ ذلك، لحق به يخبره أن يبقى قليلا وسيوصله لاحقاً، لكن إيهاب رفض رفضاً قاطعاً وغادر المشفى فقط.
 كان يتظاهر بالقوة طيلة هذه الأيام لكنه لا يزال لم ينسى، "فكم هو صعبٌ إقتلاع جذور عشقٍ غُرست بقلوبنا وتغذت على نبضاتنا ومشاعرنا لسنوات عديدة ".

 "كان بعينيكِ شئٌ لا يخونْ، لستُ أدري كيف خانْ".

    

        ****
 "جوهانسبرغ، جنوب افريقيا":-

_ننزل نتعشى تحت ولا نطلب خدمة الغُرف بس؟!، سأل يوسف وهو مستلقٍ على الفراش يلعب "بوبجي" بهاتفه، لم يأته ردّ، أنزل هاتفه وطالع "أسيل" التي كانت جالسه أمام مرأة التسريحة في سكون تام، تُطالع نفسها بشرود، كان الحُزن بادٍ على وجهها، هل يُعقل أن هرموناتها لا تزال تؤثر على نفسيتها حتى الآن!؟ سأل نفسه ..
 تنهدت أسيل بتعب، داخلها الكثيرُ من المشاعر المُتناقضة، بدأت تُحب يوسف لكن قلبها لا يزال مُتعلقاً بخيط أخير بعد، من حُبها القديم، خيط يأبى أن ينقطع لتنسى وينسى قلبها، كم صعبٌ هو النسيان، حتى عندما تقطع مسافة طويلة، تجد أن مُجرد ذكر إسمٍ يُعيدك الى خط البداية، تشعرُ أن قلبها يتمزق بسبب هذه المشاعر المتضاربة داخلها، نظرت إلى إنعكاس يوسف على المرآة أمامها وجدته ينظرُ إليها نظرات لا تُفسر، إبتسمت إبتسامة باهتة ثم هبت واقفة، مشت نحوه تحت نظراته المتسائلة "ماذا تنوي أن تفعل" دون أن تنطق بكلمة صعدت بجانبه على الفراش، لفت يديها حول رقبته ودفنت وجهها بصدره، إنها تأوي الى ملجأها للهروب من ذلك الشعور الذي يُلاحقها، "غريب أمرُ هذه المرأة، تفتقد رجُلاً فتأوي إلى حضنِ رجلٍ آخر لتنسى".
 ظلت على هذه الحال لدقائق عُدة قبل أن يسألها: مُشتاقة ليهو؟!..
إنتفض قلبها من مكانه وأرتجفت أطرافها، ربما قد سمعته بشكل خاطئ، رفعت إليه عينين مترددتين مُتسائلتين، وجدته يبتسم بألم: شكلك فعلا مُشتاقة ليهو..
_قاصد منو ؟..سألت تراوغ..
_ إيهاب..
_إبتعدت عنه كالملسوعة، تنظرُ اليه متفاجئة، مُنذُ متى وهو يعلم!؟.
 نهضت من جانبه تغادر الغرفة فنهض خلفها يتبعها، لا تريد الإجابة، قلبها يكاد ينفجر، ودموعها على وشك التساقط، فتحت باب الغرفة لتخرج لكن يوسف أغلق الباب بقوة يمنعها من الخروج، أقترب منها يُحاصرها بين جسده   والحائط، نظراته مُتألمة كأنه يهمس "كيف فعلتِ بنا هذا".
 دفعته عنها لكنه لم يتزحزح من مكانه، كان يتنفس بسرعة وأنفاسه الساخنة تلفح وجهها، بدأت دموعها بالإنهمار وهي تقول: م عندك حق تحاسبني لأنك عملتا نفس الشي..
_عملت نفس الشي؟!، سألها مُستنكراً، ثم تابع: إنتي خليتيهو وعرستي صحبو وود عمتو عشان توجعيهو أقسى أنواع الوجع صاح؟ بدأت تهزُّ رأسها نفياً: لالا م كدا م كدا الموضوع.
_تفتكري إني لو عارف إنكم كنتو حابين بعض كنتا ح أتزوجك!؟..قاطعها يهمس بغضب.
 لم يأته رد منها، تحول الهمس الى صياح وهو يقول: ليه خليتيني أعمل في إيهاب كدا وأنتي عارفه معزتنا عند بعض؟!..
 جلست أسيل على الارض وبدأت تنتحب، إنها لم تكن تقصد أن تكسر الصديقين أحدهما بالأخر، لم تقصد جعله يوجع صديقه، كُلُ ما فكرت به هو نفسها، مستقبلها، أرادت زواجا سعيداً، زوجاً مسؤولاً، حياة هانئة مُستقرة، لم يكن إيهاب ليمنحها هذا، إنه يعجز حتى عن التحكم في نفسه ويُدخن الحشيش منذ سنوات، هددته كثيراً إن لم يُقلع عنه، ويأتي كرجلٍ سويٍ يطلبُ يدها فإنها ستتركه، نفذت تهديدها هذه المرة.
  ____
بعد هدوءه وتوقفها هي عن البُكاء، سألها، فحكت له كُل ما كان بينهما، لم تُخفي عنه شيئاً، لم يتفاجأ يوسف فقد كان يعلم أن أبن عمته يُدمن تدخين الحشيش لكن ما فاجأه علاقتهما التي ظلت في السر ثلاث سنوات، لماذا لم يحكي له يوماً عنها؟!، كانا مُقربّان من بعضهما كفاية ليحكي، هما صديقان منذُ الثانوية، كان يوسف يكبُرُ إيهاب بعامين، فعندما دخل سنته الأولى كان يوسف بأخر سنين الثانوية، صداقتهما ساعدت إيهاب على أن يعود الى رشده بعد ما لم يترك شيئاً إلا وجّربه..
  سألته كيف علم بالأمر إبتسم بمرارة تعتقد أنه أبله، كيف لن يلحظ إمرأة واقعة بحب رجلٍ أخر، كيف لن يلحظ إضطرابها ونظراتها حين يذكر إسمه، شرودها وهروبها من شعورها الحقيقي، ليس مغفلا لهذه الدرجة، تسائل طيلة الاسبوع الفائت لما لم يحضُر إيهاب حفل زفافه، كانت أعذاره واهية، ربط الأحداث ثم بصقها بوجهها، لم يكن متأكداً، كان إحتمالاً من إحتمالات كثيرة، لكن ردة فعلها هي ما جعلته يتأكد، لن يُجيبها على هذا السؤال حتى، كُل ما يفكرُ به حاليا هو ماذا عليه أن يفعل وكيف يتصرف بعدما إنكشف ما كان مخفياً!؟.
 خرج من الغرفة صافقاً الباب خلفه، يحتاج لبعض الوقت مع نفسه، ليرتب أفكاره ويتخذ قراره.
 في قانون الصداقات، مجرد النظر إلى حبيبة صديقك يُعتبر إثماً، وكم هو آثم الآن!.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《07》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
" مشفى (__)،بُري":-
 "صباح الأحد":-
 مرّ الممُرض المسؤول عن حالة ليلى بجولته الصباحية يطمئن عليها ويجري بعض الفحوصات، إنه يومها الأخير في المشفى، الجميع سُعداء، كانت "فاطمة" قد غادرت برفقة حفيدتها جوان، عادتا الى المنزل منذُ السبت، كانت الجدة قد أُرهقت بسبب المبيت بالمشفى بينما جوان كان يجب أن تستعد لذهابها المدرسة يوم الأحد -اي اليوم- بقيت أميرة برفقة همام، كانت قد نسيت تماما أمر "أمين"والمُهلة التي تنتهي اليوم، هاتفها بالحقيبة منذُ البارحة لم تتفقده، جلست ترتاح قليلا فأحست بإهتزاز في حقيبتها، كان إتصالاً والمتصلُ "رؤى"، تسارعت نبضات قلبها حين تذكرت انه الاحد، ردت على رؤى وهي تتوجه الى خارج الغرفة، وكانت الأخرى تصيح غاضبة على الهاتف..
_بتصل ليك من أمس ي زولة مالك ما بتردي؟!، لقيتي الكيس إنشاءالله.
_الـ...كـ..كيس.!؟..
_إنتي بتتغابي ولا شنو؟ اي الكيس، وشكلك ما لقيتيه صاح؟، تنهدت رؤى بنفاذ صبرٍ ثم قالت: طيب دبرتي ال٣٠٠ مليون؟..
_صمتت أميرة ولم ترد عليها..
_أسمعيني ي أميرة، أنا صبرت ليك كتير، تبيعي نفسك، تبيعي تلفونك، تشحدي في السوق المُهم ال٣٠٠ دي بحلول الساعة ١٢ تكون إدبرت..
 ثم أغلقلت الهاتف بوجهها غاضبة، بدأت أميرة تُفكر، حتى إن باعت هاتفها فسيكون سعره ١٠٠ مليون كحد أقصى، كُل بطاقاتها المصرفية جمدها همّام قبل خمسة أشهر عندما أكتشف إدمانها، لا تملك فعل شئ، التفتت بقلق وهي تقول بصوت مسموع "أعمل شنو يا ربي!"، تفاجأت بإيهاب يقف خلفها، سقط قلبها على الأرض، يبدو أنه يقف منذ مدة ليست بقصيرة، هل يمكن أنه سمع مكالمتها مع رؤى!..
_صباح الخير..، قال إيهاب.
_صـ..صباح النـ..نور، ردت وهي تُطالعه بتجوس ..
_مارة بمشكلة ولا حاجة؟!، معليش بس سمعت جزو من مكالمتك..
_إتسعت عيناها وبدأت تتلعثم بشدة، لم تستطع الرد فهزت رأسها نفياً وغادرت متوجهة الى الخارج، وقف إيهاب قليلاً ينظر إليها بتفحص، تنهد ثم تابع طريقه ودلف الغرفة حيث همّام.
  أرسلت إلى "سيرين" تستنجد بها، ليس أمامها خيار أخر، طلبت منها مبلغاً من المال، تعجبت سيرين لكنها لم تُرد أن تخذلها..
 _سأرسل لك المبلغ حالاً على حساب "بنكك" خاصتكِ، فقط عديني أنكِ لن تتناولي بها شيئاً ممنوعاً..
_أعدكِ، وسوف أُعيدها لك في وقت لاحق..
_لستُ أحتاجها، سعيدة أنكِ لجأت الي حين أحتجتِ المُساعدة، فقط أُريدكِ أن تعتبريني صديقة حقيقية، أحكي لي ما تمرين به أرجوكِ.
صمتت أميرة قليلاً  إنها حقاً تحتاج أن تحكي لأحدهم، ردت لها، "يمكننا أن نلتقي يوماً ما، بمكان ما، لأحكي لك"..
_حسناً عزيزتي، انا مُتفرغة في أي زمان..
_أشكركِ جزيلاً ..
_ أرسلي لي رقم حسابك😊💛.
 ___
 عادت أميرة الى الداخل، أخبرت همّام أنها ستغادر أولاً الى المنزل، تشعر بوهنٍ مُفاجئ..
_طيب إنتظري ترجعي معانا، ساعتين كحد أقصى، ونطلع..
_م بقدر أنتظر، تعبانة شديد..
 نظر إليها همّام مُطولاً، أقتربت منه وهمست بأذنه أنها تشعرُ بتقلصات شديدة، أنه موعد فترتها الشهرية، تنهد ثم أذن لها بالمغادرة..
_ح أطلب ترحال من هنا للبيت م تخاف..
_طيب تمام..
 أنهت حوارها مع شقيقها، أخذت حقيبتها وهمّت بالخروج، مع نظرة سريعة إلى إيهاب الجالس في مؤخرة الغرفة، وجدته يطالعها بتفحص، كأنه يشكُ بشئٍ ما، أشاحت بنظراتها عنه سريعا وغادرت الغرفة على عجل، إهتزّ هاتفها بينما كانت تسير مٌغادرةً المشفى، وصلها إشعار بنكك على الواتساب، حُوِّل الى حسابها مبلغ ٣٠٠ مليون، إبتسمت برضى، إنها سيرين.
  __
 
 " مبنى شركة بابلو للإستيراد والتصدير":-
 وقفت أمام المبنى وأخذت نفساً عميقاً إستجمعت به كُل قوتها، إنه أخر يوم ترى به هذا المكان، لم تتصل برؤى او تُخبرها بأنها قد توجهت الى الشركة حتى، نظرت الى شاشة هاتفها، الوقت لا يزال مُبكراً، إنها التاسعة صباحاً وموعدهم في الواحدة ظُهراً، دلفت الى المبنى وهي تقول" لن أستطيع الأنتظار حتى ذلك الوقت، أُريد حل الأمر الآن والى الأبد".
  __
 في مكتبه الوثير، كان أمين جالساً مُتكئا على مقعده بإسترخاء، يُدخن سيجارة من نوع "دافيدوف" وهي من أغلى أنواع السجائر المستوردة من الخارج.
 رنّ هاتفه الثابت على مكتبه، إنها سكيرتاريته بالتأكيد، رفع الهاتف الى أذنيه وهو ينفث دُخان سجارته الكثيف في الهواء..
_امين، في بت إسمها أميرة واقفة قدام مكتبك وطلبت تقابلك..
_أميرة؟!، عقّد جاجبيه مُتعجباً، رد عليها بأن تسمح لها بالدخول بينما نظر الى ساعته الثمينة على يده ليتأكد من الساعة.
 دلفت أميرة بخطوات حذرة، أغلقت الباب خلفها ووقفت أمامه..
_صـ..صباح الخـ..خير..
_وقف أمين وتحرك من أمام مكتبه مُتجهاً إليها بترحاب: يادوب صباحي بدا..
 إقترب منها فتراجعت متوجسة خطوة الى الوراء وهي تقول: جبتا ليك قروشك..
_إبتسم وأشار الى المقعد قائلاً، إتفضلي أقعدي أول، خليني أكرمك واقوم بواجب الضيافة وبعدها نتناقش في المواضيع المُهمة.
 جلست أميرة، طلب أمين القهوة كالمرة السابقة، يبدو مدمناً للكافيين، في إنتظار قهوتهما، أخذ يشفط ما تبقى من سيجارته وينفثها خارجاً، أزعجت رائحة السجائر أميرة، لاحظ إنزعاجها فاطفأها على المنفضة وهو يقول: اذا اضايقتي من أي حركة قولي عادي، م ح أكلك، أنهى جملته بضحكة ساخرة ثم رفع اليها عينين حادتين يُطالعها بطريقة غريبة، أطرقت رأسها في خوف، يتصرف بلطف معاها، ما سبب ذلك؟..
 وصلت قهوتهما وشرع يرتشفها ساخنة، بينما وضعت أميرة كوبها على الطاولة أمامها ريثما يبرد قليلاً، أخرجت هاتفها من الحقيبة وهي تقول..
_مُمكن رقم حـ..حـسابك!؟..
_أبتسم وهو يضع كوب القهوة قائلا: لشنو؟!..
_نظرت إليه بنفاذ صبر وهي تقول: كيف لـ..لـ..لشنو!!..
 نهض من مكانه مجدداً متجها اليها : مفتكرة إنو ال٣٠٠ دي قروش بالنسبة لي؟!..
 كانت تتابعه بعينيها الى أن وصل ووقف أمامها، أدخل يديه في جيوب بنطاله بغرور وتابع كلامه: أنا عندي مليارات في حسابي البنكي، ٣٠٠ مليون دي، تلفت حوله ليجد شيئاً بقيمة هذا المبلغ، أدخل يده في جيبه وأخرج علبة سجائره فضية اللون وقال: دي ثمنها ٣٠٠ مليون، أو اكتر م متذكر بالضبط..
_شعرت أميرة أن داخلها يغلي من الغضب رمته بنظرات نارية وهي تقول: طـ..طيب، مُعـ..عيشنا فـف..في فيلم الرعـ..ع..عب دا أُسبوع كـ..كامل لييه؟!..
_إتسعت إبتسامته، يحبها عندما تنظر اليه بغضب هكذا وتتلعثم، يفقد غضبها قيمته وتصبح لطيفة جداً، أنحنى عليها وحاصرها بوضع يديه على طرفي المقعد مُتكئاً عليهما، أصبح وجهه قريباً من وجهها كثيراً، عيناها مُتسعتان بتفاجئ تنظرُ اليه، يكاد يجزم أنه يسمع دقات الطبول داخلها..
 كانت رائحة سجائره المميزة تملأ أنفها، عيناه حادتان وحاجباه كثيفان، همس بوجهها قائلا بصوت لا يكاد يُسمع: "أنتِ تعجبينني كثيراً"..
_نـ..نعمم!!!..
_كنت بلمح ليك، كم مرة، بس أنتي م عارف م فهمتي تلميحاتي ولا فهمتي وعاملة رايحة المُهم..
_تتذكري العرض المُغري؟!
_اومأت برأسها: أي بتذكر..
_عاايزك تكوني لي ..
 تسمرت أميرة في مكانها وألجمت الصدمة فمها، مالذي يثرثر به هذا المختل الان!؟..
 أبتعد أمين قليلا إلتفت وأعطاها ظهره وتابع: أنا متزوج، وعندي ولد في المدرسة، بس زواجي منك ح يكون سري، إنتي لو عايزة أهلك يعرفوا م مشكلة بس أنا م عندي أستعداد أزعزع إستقرار أُسرتي بخبر زي دا خاصة إنو ولدي ح يمتحن إمتحانات الشهادة المتوسطة السنة الجاية.
_ وأنا مـ..ما عـ..ع..عندي إسـ..ستعداد أتزوجك أصلاً، لا في السـ..سر لا فـ..في العلن..
_إلتفت بحدة ونظرة مُخيفة تعلو وجهه : تؤ تؤ، شكلك م حذرتي، الرفض خيار مرفوض..
 توجه الى المقعد الذي يقابل مقعدها جلس عليه وأكمل أنه لم يتعود تلقي الرفض من قبل، كُل ما يريده يحصل عليه، كانت نبرته مخيفة عندما قال هذا، أخبرها أنه كان يستطيع الحصول عليها بدون سؤالها حتى، كانت لتختفي فجاءة دون أن يعرف أحد مكانها، يمكنه خطفها وإرسالها إلى مكانٍ لن يعلم أحدٌ بوجودها فيه..
 وهما جالسان، طُرق باب المكتب، وكانت رؤى، تفاجئت حين وجدت أميرة بالداخل، راحت تحوّل بصرها بينهما متسائلة لكنها لم تقل شيئاً، أخبرها أمين أن الأمر قد حُل، وأنه لا يريد رؤية وجهها مجدداً..
 صُدمت رؤى لهذا، جلست على الأرض تترجاه أن لا يقوم بطردها، إنها تدفع رسوم دراستها، ودراسة أخواتها الأربعة وعلاج والدها من هذا العمل الذي تقوم به لصالحه..
_معناها المفروض تكوني حريصة أكتر على شُغلك.
_بس يا أمين، أشارت رؤى بيدها على أميرة: هي السبب، أي حاجة حصلت كان بسببها انا م عندي ذنب، أنهت جملتها وهي تغطي وجهها بكفيها تتنتحب بقهر، تألمت أميرة عندما رأتها هكذا، رجلٌ بلا رحمة، قاسي ومتحجر المشاعر، شعرت بالكره إتجاهه أكثر، وضع أمين قدماً فوق الأخرى واتكأ على مقعده: ما ترمي اللوم على غيرك، خااصة، التفت الى أميرة وأبتسم وهو يتابع: لو كانت إمرأةٌ تخصُ "أمين"..
_نعم!؟، قالت رؤى من بين شهقاتها مُستنكرة، مسحت دموعها ووقفت على قدميها وهي تهزُّ رأسها بخيبة كبيرة وتبتسم بسخرية، نظرت الى أميرة الجالسة على مقعدها مغمضة عينيها ومطرقةً رأسها بعجز..
_وثناء!؟..
_مالا ثناء؟..
_ح تعمل شنو لو عرفت!؟، إبتسمت بتحدٍ تنظرُ إليه..
 نهض من مكانه وتوجه اليها بخطوات هادئة، وقف أمامها وأخرج يده اليُسرى من جيبه، أبعد خصلات من شعرها خلف أُذنها بلطف، ثم لفّ يده حول عنقها وهذه المرة يخنقها فعلا وليس مجرد تهديد..
_همس قرب أُذنها بصوت يشبه فحيح أفعى غاضبة: وثناء ح تعرف من وين إنشاءالله؟..
_خرج صوتها بصعوبة وهي تمسك يديه: انا..سـ..سألت بس ..
_ترك عنقها وإبتسم إبتسامة مصطنعة: يُستحسن م تسألي أسئلة زي دي تاني.
  ___
لا تدري كيف خرجت من هُناك، أنزلتها سيارة الأُجرة أمام منزلها، دخلت وهي تجرجر قدميها بخيبة، كانت تظن أنه أخر لقاء وجدت نفسها داخل دوامة أكبر، كيف تستطيع مجاراة هذا الذي ورطت به نفسها، من يمكنها أن تستشير؟!، لا تريد توريط همّام بهذا لأنه إذا علم لن يكون ذلك جيداً، سيقتله أمين لا محالة، إرتمت على فِراشها ودموعها تنهمرُ كالسيل، إنها تكره حياتها وغبائها الذي يوقعها بالمشاكل دائماً، تكره هذا الضعف الذي وُلدت به.
  ___

            ****
 "أركويت، مدرسة(_)الإبتدائية":-
  تحت شجرة الأكاسيا:-

 كان مروان يجلس بجانبه جوان، يتناولان إفطارهما بهدوء، صارا مؤخراً مُقرّبان من بعضهما، دائما م يجلسان معاً في مكانهما المُفضل، كان مروان يأتي بوجبتان من المنزل، إحداهما لجوان، هذه طريقته ليُعبر عن صداقته، تأخذ جوان الوجبة التي يُقدمها لها بسعادة وتشكره..
 كانت جوان تتناول طعامها مُركزة بصرها بعيداً على مجموعة من الفتيات يلعبن "نط الحبل" معاً، بينما مروان الذي يجلس قربها بتأملها بشرود، وكان قد أنهى إفطاره، إنتبهت له جوان فأشاح وجهه بخجل، أدخل يده في جيبه وأخرج بعض الشوكلا "كيت كات" ..
_هاك، قال وهو يمد لها بعضاً منها..
 رفضت جوان أخذها بحجة أنها ستسمن إن تناولت الكثير منها، وقد تناولت الكثير منذُ أصبحا أصدقاء، كان مروان ولداً غريباً، يُظهر إعجابه بكرمه، كان يُحضر لها بالإضافة الى وجبة الإفطار الكثير من الحلوى والشوكلا، مُستعدٌ أن يُحضر لها كٌل شئ فقط ليراها سعيدة تشكره..
  أخبرها بأن والدته وعدته بإحضار "جاتوه" كبير بحفل ميلاده هذه السنه، وأراد منها الحضور..
_اممم، إلا أجي مع عمتو أميرة..
_تعالي مع ناس بيتكم كلهم إنشاءالله، المُهم أنك تجي، أنهى جملته ونظره إعجاب حقيقة على عينيه اللتان كانتا تلتمعان بوضوح، تعجبت جوان من إصراره، تعلق بها في وقت قصير، راحت تنظرُ اليه بعينان مُتسعتان تفكر بداخلها لما يفعل كل هذا، لكنها لم تقل شيئاً.
 نظر بعيداً بإرتباك ثم صاح فجاءة: أُستاذة تالين، وهو يشير اليها..
_وقفت جوان على قدميها: أي دي أُستاذة تالين، أرح نسلم عليها..
 كانت تالين قد أنهت إفطارها وخرجت من مكتب المعلمات مُتجهة الى البوفيه لتطلب بعض الشاي، سمعت إسمها يتكرر من بعيد، تلفتت حولها فرأت مروان وبرفقته جوان يركضان نحوها ببراءة، إبتسمت لهما وراحت تلوح بيدها لهما.
  ____
بعد أن ألقيا التحية عليها وسألتهما عن حالهما، نظر اليها مروان بخجل وقال متردداً أنه يُريد دعوتها لحضور حفلِ ميلاده بعد يومين، إبتسمت تالين وحركّت يدها على شعره الناعم بحنان وقالت: ح أجي أكيد.
 قليلا وتذكرت تالين فسألت جوان عن حال أختها، أخبرتها بسعادة أنها تحسنت كثيراً وستخرجُ من المشفى اليوم، فوعدتها تالين بأنها ستزورها قريباً برفقة "إيهاب" ..
_أُستاذة!، قاطعهما مروان..
_نعم!؟، نظرت اليه تالين بإهتمام
_مُمكن يوم تكوني ماشة بيت ناس جوان تسوقيني معاكِ؟..
_امممم،..مُمكن بس اذا أمك موافقة..
_ح أخليها توافق، غمزها بثقة..
 ضحكت تالين كثيراً، تحب براءة هؤلاء الأطفال، كم تشكرُ ربها أنها درست التربية، وضعها الله في المكان الذي تريده تماماً، تعشق ضحكاتهم وتعابيرهم البريئة، أعينهم الواسعة الفضولية حول كُل شئ وأسئلتهم العفوية، هكذا هم الأطفال، يملؤن حياة الكِبار سعادة، يلونونها بألوانهم الخاصة بعد أن أضحت رمادية وبلا لون، يحركون بها الحياة، ويعيدون إليها الإشراق.
  __
عند نهاية الدوام، ودّعت تالين المعلمات الذين معها بالمكتب وخرجت من المدرسة تقصدُ موقف المركبات العامة، عبرت الطريق إلى الجانب الأخر وعند مرورها أمام السوبر ماركت الذي يقع مُقابل المدرسة والذي وقع أمامه حادث ليلى، توقفت قليلاً تطالع المكان، أثناء وقوفها الذي لم يطُل لمحت أحدهم يخرجُ من السوبر ماركت  وكان وجهه مألوفاً، أُسامة!!، وجدته يأتي نحوها يُحيها من بعيد، إبتسمت وردّت التحية، وقف أمامها وكان يرتدي زيّه الخاص بعمله-"كاكي" ضُباط الشرطة المعروف- وهو يقول..
_إنتي موش أُخت...إيهاب ولا انا غلطان!؟.
_أي دي أنا زاتي، تالين..
_أيوا أيوا تالين، إبتسم قليلاً وظهرت غمازته الساحرة، تعلقت عينيها بتلك الغمازة لثوانٍ فقط، أستحضرت خرافة لطيفة تقول انه عندما يُولد طفل وتُعجب به الملائكة فإنها تلمسه وفي مكان اللمسة يُترك اثرٌ وتظهر غمازة، لاحظ أُسامة أين تنظرُ عينيها فزادت إبتسامته وحك ذقنه بقليل من الإرتباك، أطرقت تالين رأسها بخجل، لم تنتبه لنفسها وهي تطالع غمازته هكذا..
_أمم جاية من وين إنتي؟..
_أنا شغالة في المدرسة دي، وأشارت الى بوابة المدرسة بيدها..
_لالا تمام تمام، أنا طبعا جيت مع واحد شغال في المرور نتفقد كميرات المُراقبة، قلنا ممكن تكون لقطت ليها حاجة من الحادث الحصل يوم الخميس ..
_ولقيتو شي إنشاءالله؟ سألته بإهتمام.
_زمّ شفتيه بخيبة وهزّ رأسه نفياً: الطريق ما فيهو كميرات، وكاميرا السوبر ماركت ادتنا كم لقطة بس م واضحة..
 صمتت قليلا ثم هتفت بحماس بعد أن تذكرت شيئاً مُهماً..
_المدرسة عندها كاميرا مُراقبة قدام البوابة.
  ____
 بعد ساعة:-
خرجت تالين برفقة أُسامة وشرطي المرور الاخر، ودعتهم تالين وهمّت بالمغادرة لكن أُسامة أستوقفها، عرض أن يوصلها، رفضت رفضاً قاطعاً كالمرة السابقة، لكنه أصر بشدة هذه المرة..
_معقول أُخت صاحبي وانا سبب تأخيرها، أخليها تركب المواصلات وعربيتي واقفة!؟
_عادي، إنت عملت العليك وهي رفضت..
_يا ستي، طب خُتي نفسك مكاني!؟..
_كنت ح أصرّ إني أوصلها لو مكانك..
_طيب وأنا مُصرّ إني أوصلك، كعربون شُكر لأنك ساعدتينا كتير..
_أُساامة! قالت بنفاذ صبر، وضع يده على صدره بطريقة درامية حين سمع إسمه يخرجُ من بين شفتيها بتلك الطريقة، تعجبت من حركته وسألته فأجاب..
_أكون صريح معاك..
_اومأت برأسها "أي".
_أول مرة أعرف إنو إسمي حلو للدرجة دي ..
_زمّت شفتيها ورمته بنظرة نارية، حاولت أن تكون جادة قدر الإمكان لكن ضحكتها تغلبت عليها، بدأت تضحك وهي تغطي فمها بيدها وتغمض عينيها الكحيلتين بقوة، شعر بأن قلبه سينفجر من فرط جمالها وهي تضحك، إبتسم وهو ينظر إليها مُعجباً، منذُ أن رأها شعر بأنها أنثى مُختلفة عن أي أُنثى أُخرى قابلها في حياته، ببساطة، إنها تعبثُ بقلبه.
 أي صُدفةً هذه التي جمعتهما أمام هذا المكان، بات الآن يؤمن كثيراً بقدسية الصُدف.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《08》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "الحلفايا، بحري":-
 على طاولة العشاء، أجتمعت العائلة ما عدا أميرة، التي لم تخرج من غرفتها مُنذُ دخلتها، كانت ليلى ستبقى في الحلفايا مع جدتها حتى تطيب قدمها، بينما من المفترض أن تعود جوان برفقة والدها الى شقتهما بالرياض، لكنها لا تريد العودة، تريد البقاء مع ليلى، فسمح لها همّام بذلك..
 _بابا، نادته جوان وهي تتناول قطعة صغيرة من الخضار أمامها..
_نعم، أجاب همّام..
_عزموني لحفلة عيد ميلاد بعد بُكرة..
_جد!؟، طيب حلو؟!، صمت قليلا ثم أردف: دي منو العزمتك!؟..
_صحبي، إسمو مروان، ردت جوان ببراءة وهي تضع قطعة من الخبز بفمها..
_توقف همّام عن الأكل وشبك أصابعه أمام وجهه، دقق عينيه يُطالعها بتفحص: صحبك!!..
_أي صحبي😊، في سنة خامس هو ..
_راح همّام يحكُّ ذقنه وهو لا يزال يطالعها بنفس النظرات: مُصاحبة ولد أكبر منك ليه؟!..
_عادي، حتى م شوفتو يا بابا بجيب لي معاهو فطور من بيتهم، وبجيب لي شوكلوتات وحلويات كتيييرة..
_نظر همّام إلى والدته التي تتناول طعامها بسكوت تام، تحاول كتم ضحكاتها، أراد منها التدخل وقول شئ لكنها التزمت الصمت فقط..
_عاد ينظرُ إلى إبنته وهو يقول بوعيد: معناها إلا أجي المدرسة دي وأشوف صحبك رمضان ولا أسمو منو البتتكلمي عنو دا..
_إسمو مروان* ي بابا عبست بوجهه تصحح خطأه..
_مروان عثمان رضوان كلو واحد ..
_عادت جوان تتناول طعامها مُنزعجة بينما نظر همّام حوله يسأل عن أميرة..
_م نزلت من رجعت من المستشفى، ردت فاطمة..
_بتكون مالا ياربي!؟، سأل همّام وهو ينظر إتجاه الدرّج المؤدي إلى غرفتها..
_ رفعت فاطمة كتفيها وعادت تكمل تناول طعامها، بينما تنهد همّام بشرود وتعب، يتذكر كلام إيهاب عندما زاره صباح اليوم بالمشفى، نبهه أن أميرة واقعة بأمر ما، أمرٍ يظنه خطيراً، أخبره أنه سمعها تتحدث بالهاتف خارجاً، وأن مكالمتها مُثيرة للشكوك، هل يمكن أن إيهاب مُحق، ظل يُفكر بما سمعه منه ولم يتوقف عقله عن التفكير ولا ثانية، عاد للتنهد مجدداً، لاحظت ليلى التي تجلس قربه شروده، لكزته بيدها وهي تنظر لعينيه بقلق، نظر إليها فحركت يدها "ما الأمر؟"..
_إبتسم لها همّام هزّ رأسه نفياً ثم أقترب وطبع قُبلة على خدها وهو يقول: كملي أكلك، مافي شي ي ليلي..
 أكمل همّام طعامه سريعاً ثم نهض من المائدة واتجه الى غرفة أُخته..
 ____
 في غرفتها، كانت تغرقُ بنومٍ عميق، حل الظلام، تنام هكذا منذُ عودتها من عند أمين شعرت بإنهاك كبير بعد ان أنتحبت كل ذلك الوقت، أرهقها التفكير كيف يجب أن تتصرف، أصبح الأمر أكبر منها، تخاف توريط عائلتها بهذا فإن أمين رجلٌ خطيرٌ كما تعلم.
 طرقات مُتتالية على باب غُرفتها، أيقظتها من نومها مفزوعة، وجدت المكان مُظلماً كثيراً، ردت وهي تتجه نحو الباب..
_أي أي صـ..صحيت..
 فتحت الباب ووجدت همام يقف أمامه يُطالعها بتفحص..
_هـ..همام!، قالت وهي تفرك عينيها بنُعاس..
_ممكن أدخل!؟..
_أكـ..اكيد خُش..
  ___
 كان همّام يجلسُ قُربها في السرير، ينظرُ إليها بأسى، لا يُعجبه حالها، وحيدة طوال الوقت، مكتئبة لا تختلط بالأخرين، ما بالها هذه الصغيرة منطفئة هكذا إنه يحاول لأجلها بكُلِ م يملكه لكنها لا تساعده، كتومة جداً، كانت تجلس قربه لكن عقلها غائبٌ في مكان أخر، شاردة تُطالع يديها اللتان تشبكهما أمامها، تنهد همّام بصوت مسموع، رفعت عينيها تنظر اليه بإهتمام، مد يده الى وجهها، حرّك سبابته تحت عينيها يتلمس هالتيها العظيمتين، همس بأسى "عندك أرق؟!".
_شـ..شنو!..
_بتعاني من صعوبة في النوم يعني!..
_ امم، حركت رأسها بضياع قليلا ثم قالت : مرات..
 أبعد يده عن وجهها، ثم قال: مارة بمشكلة من أي نوع ي أميرة؟!..
_ صمتت وأطرقت رأسها تُفكر، لا يُمكنها إخباره، لكن لا تستطيعُ الخروج مما تورطت به من دون مساعدته، حسناً ستحكي لسيرين ثم تستشيرها هل تخبره أم لا..
_أميره، أيقظها من دوامة أفكارها بنداءه..
_ نظرت إليه مُبتسمة ثم هزّت رأسها نفيا لتطمئنه..
_تنهد بعجز، وخيبة، نهض من جانبها ووقف يقول قبل خروجه: طيب أوعديني، لو مارة بأي مُشكلة مهما كانت صغيرة تكلميني، وخليك مُتأكدة إني مُستحيل أخذلك أو أبخل عليك بالمساعدة..
_إبتسمت إبتسامة واسعة وسعادة حقيقية تغمُرها: حـ..حااضر💛.
  ___
بعد جلسة المُصارحة الأخوية والتي لم تُصرح فيها عن شئٍ لأخيها، أخذت حماماً دافئاً ثم نزلت إلى المطبخ لترى ماذا ستتناول، وجدت بعض قطع "الهوت دوغ" بالثلاجة، شرعت تُسخنها لتصنع لنفسها سندويتشاً، كانت تقف بهدوء والمكان ساكن الكُل خلد إلى فراشه بعد العشاء، وهمّام عاد الى شقته، بينما تقف تدندن بعض الألحان العالقة برأسها شعرت بحركة خلفها جعلت قلبها يسقط على الأرض خوفاً، يدٌ صغيرة تُمسك بطرف بجامتها، كادت تبلل نفسها من الذعر التفتت لتجد جوان تقف خلفها مبتسمة ببلاهة، هذه الصغيرة! كم تود صفعها بقوة، لقد جعلت الدم يجف في عروقها؛ لوهلة تبادر إلى ذهنها أن المنزل مسكونٌ بالأشباح.
صنعت أميرة قطعتين من السندوتش لها ولجوان، رافقت جوان عمتها الى غرفتها، أغلقتا الباب وتحكرت في وسط السرير وشرعت تتناول طعامها، إبتسمت أميرة وجلست على الكنبة تنظرُ إليها تأكل بنهْم..
_مـ..م أتعشــ..شيتي قبيل ولا شنو؟..
_أشارت بيدها "إستني" كان فمها مُمتلئاً، إبتلعت ما به ثم أجابتها: أكلتا بس جوعتا تاني، في شنو عمتو..
_ماف شــ..شي، أُكلي ولـ..لو ما شبعتي تـ..تـ..تاني بعمل ليك سـ..سندويشة..
_شُكراً عمتو، وعادت تأخذ قضمة كبيرة بسعادة، نهضت أميرة وأخرجت ظرف عصير "فوستر كلاركس" من خزانتها وشرعت تُحضر بعض العصير لهما، أخبرتها جوان بأنها تريدها أن تُرافقها إلى منزل صديقها، سألتها عن من يكون صديقها هذا، فحكت لها كُل شئٍ عنه..
_يـ..يعني بعد بعد بُـ..بُـ..بُكرة عــعيد ميلادو؟
_أي..
_أممم.. طـ..طيب ح امشي معاك، كــ..كلمتي بابا؟..
_أومأت جوان برأسها "أجل"، ناولتها أميرة كأسا وأخذت الأخر، أخبرتها جوان بأن تالين ستحضر أيضاً، فشعرت ببعض الإطمئنان؛سيكون بالحفل شخصٌ تعرفه على الأقل، حتى لو لم تكن معرفة وثيقة. جلست أميرة بجانب جوان وألتقطت حاسوبها الشخصي "اللاب توب" وهي تقول: ر..ر..رأيك شنو نـ..نحضر حـ..حلقة من لولوش؟!.
_ هتفت جوان بفرح وحماس: موافقة.
 ____
 صباح اليوم التالي:-
 إستيقظت أميرة مُتأخرة، خرجت من غرفتها فلم تجد أحداً سوى ليلى التي كانت تجلس في الأريكة أمام شاشة التلفاز تُشاهد بهدوء، كانت ترفع قدمها على مسندٍ حتى لا تؤلمها، وحولها كُل ما قد تحتاج إليه، كانت فاطمة قد خرجت للتسوق، قالت إنها ستُحضر لها بعض الأطعمة "البلدية" والتي قد تُساعد في إلتئام الكسر، هكذا كتبت لها في المُلاحظة المُعلقة على باب الثلاجة..
  أعدت بعض الشاي وجلست بقُرب ليلى وشرعت تحتسيه، وكانت ليلى تشاهد برنامجاً كرتونياً على قناة CN، "ليث ذا كينغ" الذي جعل أميرة تضحك كثيراً وهي تقول..
_عـ..عايني، الغنماية بتتكلم سوداني😂..
_ أومأت ليلى برأسها، إنه كرتونها المُفضل.
  على عكس جوان فليلى قليلة الضحك، جامدة قليلاً، ربما لعجزها عن الكلام يترأى للجميع أنها قليلة التعبير عما يُخالجها من أحاسيس، أنهت أميرة كوب الشاي ثم عادت الى غرفتها..
 "عزيزتي، هل حُلت مُشكلتكِ؟"..
 وجدت رسالة من سيرين، تريد الإطمئنان عليها، لا بد أن بالها مشغول بسبب طلبها المُفاجئ لذلك المبلغ..
"لستُ بخير، أين يُمكننا أن نلتقي؟"..
_سأرسل لك "اللوكيشن"..
 إتصلت أميرة بهمّام تستأذنه بالخروج، أجابها بأنه سيأتي ليوصلها، منعها من الخروج وحدها، تعلم أنه يشكُ بوقوعها في أمر عظيم، لكنه لا يستطيع أن يُخمن، إنه أمرٌ أعظم مما يتوقعه حتى، أرتدت عباءة بلون الكرز وحجاباً بنفس اللون، توجهت الى غرفة ليلى وأخذت بعض الملابس وأتت تُجهزها، مؤكدٌ لن تتركها وحدها بالمنزل..
   ___

             ***
  " خرطوم ٢ ، شركة (__)المحدودة":-

  _أها أنا ماشي، قال همّام وهو يجمع بعض الاوراق يُدخلها على دُرج المكتب، نهض من مقعده متوجها الى الحمام، سيهذب نفسه قليلاً، ستذهب أميرة لملاقاة سيرين كما أخبرته، ويجبُ أن يكون مظهره لائقاً. ترك إيهاب-الذي إعتاد مؤخراً القدوم إلى الشركة ومُجالسة صديقه رُغم أخذه إجازة- جالسا على المقعد منشغلاً بهاتفه، خرج همّام بعد عُدة دقائق، وقال مُخاطباً إيهاب..
_قوم يا زول أرح أوصلك في طريقي..
_دقيقة بس، داخل لي روم.
_بتلعب مع يوسف؟، سأله وهو يُحرك أصابعه على شعره الناعم يعيده إلى الخلف..
_لأ بلعب "فري فاير"، يوسف بلعب "بوبجي"، دقيقة دقيقة يا مان لالالا ياااخ، ضرب إيهاب سطح المكتب بإنزعاج وهو يقول: جابونا..
_توجه نحوه همّام يحثه على النهوض : م مشكلة، بعدين بدخل معاكم "قيم" كامل ونجيب حقكم..
_أوو، الماستر بحد زاتو ح يدخل معانا قيم، عديييلة ي مان، نهض وأدخل هاتفه بجيب بنطاله وهو يقول: ماشي وين قلتا لي ؟..
_أوصل أميرة، ماشة تلاقي صحبتها
_إبتسم إيهاب إبتسامة جانبية: وأنت ماشي توصلها ليه، خليها تطلب ترحال..
_رسم همّام ملامح جادة على وجهه : كلامك بتاع المرة الفاتت لسه لافي في راسي..
_بخصوص الكلام دا عملتا شنو صحي؟، قاطعه إيهاب..
_م حكت لي شي ..
_اممم حرك رأسه بتفهم..
  ____
في طريقهما الى الحلفايا، رنّ هاتف همّام، وكان المُتصل أُسامة، أخبرهم بأنهم قد حصلو على بعض اللقطات من كاميرا المدرسة تظهر بها لوحة الدراجة، وحصلو على معلومات صاحب الدراجة وأُلقي القبض عليه، وهو بقسم شرطة بحري الآن..
_أها وقال شنو، و ح تعملو ليهو شنو؟..
_القرار بيدك، مُمكن تجينا في القسم ونشوف عايز تعمل شنو..
_تمام، نُص ساعة او ساعة بالكتير واكون عندكم..
_يلا سلام..
  أخبر همّام إيهاب بكُل ما قيل، زاد سرعة سيارته وهو يقول: نشوف ح نعمل معاه شنو..
  ___
اخذت أميرة خافي العيوب "الكونسيلر" وشرعت بوضعه تحت عينيها، لم تعلم بأن إيهاب قادمٌ مع أخاها، وضعت بعض البودرة على وجهها، جرت خط آيلانير فوق عينيها ووضعت "lipgloss" شفاف على شفتيها، تبدو اجمل وأكثر حيوية، تحاول جاهدة لفت انتباهه، نزلت على نداءات همّام لها مُسرعة، وجدته ينتظرها عند أسفل الدّرج، واول ما قاله عندما رأها..
_منتظرينك لينا ساعة، موش قلتي جاهزة قبيل؟..
_أي..بـ..بس، كـ..كـ..كنتا..بـ..بفتش جوزلاني..
_أها تمام ولقيتيه؟..
_أومأت برأسها "نعم"..
  مع إيماءها كانت قد هبطت أخر درّجة ووصلته، نظر إليها همّام بتمعن، دقق سوداوتيه في حيرة، لا يُصدق ما يراه، إنها تضع بعض المكياج، إرتبكت أميرة وأشاحت وجهها سريعاً تتظاهر بأنها تتضع شيئاً في حقيبتها..
  __
في السيارة، كانت أميرة تجلسُ في المقعد الذي يلي مقعد السائق -همّام- تسترق نظرات خجولة بين الفينة والأخرى الى ذلك الجالس مجاوراً لأخاها، لم يُلقِ عليها نظرة أو يلحظ تغيرها اليوم، شعرت ببعض من خيبة الأمل، أعتقدت أنه لن يُبعد عينيه الكحيلتين عنها عندما يراها، للأسف كانت نظرته عادية، يكاد لا يلحظُ وجودها كالعادة، تنهدت بصوت مسموع والتفتت تتطالع الخارج بخيبة..
  __
اوصلها همّام الى "زلالينو" أصرّ على النزول معها، كان في الواقع يتوق لرؤية "سيرين"، بينما بقي إيهاب برفقة ليلى في السيارة، دلفو إلى المحل، جالت أعينهم على المكان بالكامل، لا وجود لها، أخرجت أميرة هاتفها، عُدة رنّات على رقم "سيرين" ثم ردت قائلة..
_أنا وراكم..
 ملأت رائحة عطر الليمون أنفه، كان في الحقيقة قد علِم بوصولها قبل أن ترد على المكالمة، لديه أنفٌ حساسٌ لا يُخطئ، لاسيما لو كانت رائحة ممُيزة، تعبثُ بقلبه بشكل خاص..
 إلتفت همّام سريعاً وإذا به يراها واقفة خلفهم، بدأت دقات قلبه بالتسارع عندما ألتقت أعينهما، إبتسمت له بعفوية وحيته بيدها..
_سيرين، هتفت أميرة بلهفة، عانقتها سيرين بحرارة، تمنى لو أنّ هذا العناق كان من نصيبه، أغيظه من خيط أُمنياته صوتها وهي تقول: همّام كيفك!..
_ب..بخير بخير، كيفك إنتِ!..
_تماام..
  ___
 ودعهما همّام ثم توجه الى السيارة عائداً، لم يهدأ قلبه المُضطرب بعد، وضع يده على صدره وأبتسم بشرود، إنه يغرق الأن، صاحبة عِطر الليمون تلك تُنعش قلبه الذي كساه العفن بسبب الحُزن منذُ زمن، تنبش الذكريات والأحاسيس الجميلة، تنفِضُ غبار الفقد من عليه وتُعيد ترميمه، إنها تعبثُ به كيفما شائت وبمجرد نظرة، بمجرد ضحكة وإبتسامة.
 صعد إلى السيارة يتبسمُ ببلاهة، بينما صديقه الذي لا يفوته تفصيل يُطالعه بتفحص، يعلم أن هناك أُنثى تتسلل الى قلبه الآن، هكذا هم الرجال، يُصبحون بُلهاء حين يقعون بالحب..
    __
أوقف همّام سيارته أمام مبنى قسم شرطة بحري، أجرى إتصالاً اخيراً يُعلم به أُسامة بوصولهم، ثم سلّم هاتفه ل "ليلى" تتسلى به ريثما يعودون، تركها بالسيارة، وترجل برفقة إيهاب، قابلهما أُسامة عند المدخل، بعد تبادل السلام والتحية، سارا برفقته ..
_أُسامة: طبعاً أُختك تالين كان ليها دور كبير لو ما هي م كان لقينا اللقطات دي..
_تالين؟، سأل إيهاب مُتعجباً..
 حكى له أُسامه عن لقاءهما أمام مدرسة (**)..
_إتخيلو، لمن قبضناه لقينا عندو كمية من المخدرات والحبوب الممنوعة، طلع مُروج..
_معقولة!!، قال همّام..
_الحاجات الممنوعة دي إنتشرت إنتشار مُبالغ فيه الأيام دي، طالب الثانوي تلقاه مُدمن، إبتسم إيهاب على محادثتهما دون التعقيب عليها، أكمل أُسامة: الأيام دي متعاونين مع قسم مُكافحة المُخدرات، في تاجر كبير في الخرطوم مُشركّين ليهو..
_إنتا عارف يااا..أُسامة، لو قبضتو التاجر دا تكون كل مشاكلكم إتحلت..
_أصلاً، بس م عندنا اي معلومة توصلنا ليهو ولااا حتى صورة، كُل البنعرفو لقبو ...."أسكوبار".
 دارت مُحادثة طويلة بينهما، عرف إيهاب منها أن "أميرة" خضعت لإعادة تأهيل في أحد المراكز، يكاد لا يُصدق أن تلك الصغيرة تعاطت الممنوعات، لا بُد أنها تمرُّ بالكثير، يعرف جيداً ما يدفع الإنسان للإدمان، الوحدة، الحُزن، الفراغ، الضغط، هو مُجربٌ كما تعلم وقيل قديماً "أسال مُجرباً ولا تسأل طبيباً".
 مرّ على ذاكرته ذلك الجزء الصغير مما سمعه من محادثتها، هل يُمكن أنها تتعرضُ للتهديد والإبتزاز من أحد أولئك الموزعين!، إنه إحتمال وارد الحدوث، يعلم جيداً كيف يتحول أولئك الموزعون إلى وحوش شرسة عندما يتورط معهم أحدٌ ما، تنهد وهو يُفكر بتلك المسكينة ومدى خطورة ما تمرُّ به، لكن...كيف سيدفعونها للتحدث ويحثونها على البوح ليُعلم ماهية ما هي متورطة به بالضبط؟!، كيف؟!.
 سحبه صوت هاتفه وهو يرنّ من دوامة أفكاره، كانت المُتصلة أُخته تالين، تخبره بأن صديقه يوسف وعروسه أسيل قد وصلا إلى مطار الخرطوم الدولي اليوم.

           ***
 "مطار الخرطوم الدولي":-
  يسيرُ أمامها يسبقها بخطوات، تنظرُ إليه بحسرة وألم، لقد تغير تغيراً مُخيفاً، أصبح أشبه بمُكعب ثلج يسيرُ على قدميه، منذُ حكت له ما كان بينها وبين إبن عمته إيهاب، أصبح يعاملها ببرود وإختصار، عاد كما الأول بل أسوأ، يراها مُذنبة بفعلتها هذه، يُعاقبها بالسكوت والتجاهل، لا ينظرُ إليها لا يُحدثها ولا ينام معها، أصبح يخرجُ ليلاً ويعود مُتأخراً وهي نائمة، لا تدري أين يسهر ويقضي كل هذا الوقت ببلد غريب، يتركها وحيدة كطائر محبوس، لكنه ليس محبوساً بقفص بل لعدم وجود مكانٍ يطير إليه..
 تنهدت بتعب وهي تُخرج هاتفها من حقيبتها، أخبرها أن تُخبر والديها بوصولها، طلبت رقم والدتها وأخبرتها تتظاهر بأن كُل شئٍ بخير،  وقلبها الوحيد الذي يعلم "ليس هناك شيئٌ بخير" فرحت والدتها كثيراً، أخبرتها بأنها بمنزل "حليمة" والدة إيهاب، وأنها ستعود حالاً إلى المنزل تُحضر وجبة كبيرة بمناسبة قدومهما..
 تنهدت مُجدداً وهي تعيد الهاتف إلى حقيبتها، ما هذا!؟، لما الأرض تدور تحت قدميها؟!، شعرت بثقلٍ مُفاجئ ودوار شديد، جلست على الأرض لئلا تسقط، إنها ليست بخير منذُ بضعة أيام، هل يُمكن بأنها حُبلى؟، لكن دورتها أتت بموعدها تماماً، إغتسلت قبل البارحة فقط ولم يقربها يوسف منذُ أيام.
 شعرت برأسها يزنُّ بقوة، حاولت النهوض لكن قدماها لا تحملانها، تأوهت بتعب وأستسلمت للسقوط فشعرت بيدان قويتان تُمسكانها، رفعت عينيها لتجده يوسف يُطالعها بقلق..
_في شنو مالك ي أسيل!؟..
_هزّت رأسها نفيا وهي تقول: أ..أنا م كويسة يا..ي..
 أغمضت عينيها وأستسلمت للإغماء بين ذراعيه، حملها يوسف واتجه بها إلى أقرب كرسي، ثم طلب الإسعاف بسرعة.
   ___
تتنفس بصوت مسموع، تفتح عينيها ببطء ثم تُعيد إغلاقهما، تسمع أصواتاً حولها " دكتور دكتور البيشن صحت" ..
 إنها تستعيد وعيها الآن، وتصحو من حالة الإغماء، تلفتت حولها بضياع، والدتها وأُختها الصُغرى، بينما على جانبها الأيمن يقفُ والدها و..و.."يوسف".
 دلف الطبيب وهو يحمل نتيجة التحاليل التي أُجريت لها بين يديه يُطالعها بتفحص ويهزُّ رأسه ..
 بدأت الممُرضة تفحصها بينما تقدم الطبيب نحوهم يرسمُ إبتسامة على وجهه وهو يقول "مبروك، بتكم حامل في الأسبوع التاني"..
 إتسعت عينيها بذهول وعدم تصديق، صفقت والدتها من الفرحة ضحك والدها فرحاً  بهذا الخبر الذي بُشر به، أرادت سؤال الطبيب، كيف وقد إغتسلت من دورتها قبل يومين، وجدت أنهما يسألان في نفس اللحظة نفس السؤال، تبادلا النظرات وألتقت أعينهما، تسارعت دقات قلبها أشاحت ببصرها عنه وتركته يُحدق بها نظراتٍ غريبة، عاودت النظر الى الطبيب الذي قال: دي ما كانت دورة، كان نزيف بسبب إنغراس البويضة في الرحم، ودي حالة شائعة بتحصل كتير..
_بـ..بس كانت الأعراضـ..
_قصدك التقلصات والألم؟!، قاطعها الطبيب .. أومأت برأسها "نعم"..
_دا بكون لأسباب سايكولجية "نفسية" توتر أو قلق أو حتى إحساسك بالضغط النفسي لأنك لسه عروس جديدة زي م شايف، المُهم مبروك تاني..
 غادر الطبيب برفقة الممرضة، توجهت روضة خارج الغرفة وأخرجت هاتفها تزفُّ الخبر الى بقية العائلة، تبعها زوجها وأبنتها، والأن بقي هما  الاتنان فقط..
 زمّت أسيل شفتيها تنظرُ أمامها بإرتباك، تشعرُ بالغرابة كثيراً، لم تحاول رفع عينيها لتنظر إليه حتى، إبتسم ثم أقترب منها جالساً على طرف سريرها، تسارعت نبضاتها ولا تزال تتجنب النظر إليه، كأنها تُعاتبه، مدّ يده وأخذ كفها الصغير بين أصابعه، تحسس بلطفٍ مكان الحُقنة التي سحبت من وريدها الدم، تبدو متورمة قليلاً..
_تنهد بصوت مسموع وهو يقول: أسمعي..
_نظرت اليه أخيراً، تابع وهو ينظرُ لعينيها : مبروك..
_إبتسمت وعادت تُطرق رأسها، رفع يده الى وجهها، تحسس شفاهها بسبابته وهي مُطرقة، أمسك بذقنها ورفع وجهها إليه، لا يدري كيف يعبرُ عما يختلجُ داخله، تغمره سعادة كبيرة الآن، لا يجدُ طريقة أفضل ليُعبر بها من "قُبلة"، إقترب من شفاهها وأخذها في قبلة دافئة يبثُ بها كُل ما يعتمل داخله.
  "أحياناً لا يولدُ الحبُ من أول لحظة، وبسبب نظرة، ربما يُخلقُ شعور الحُب داخلنا بسبب إحساسٍ جميلٍ تشاركناه سوياً"
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《09》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "زلابينو، شارع النيل":-
 شهقت مفزوعه واضعة أصابعها تغطى فمها بصدمة، عادت تنظرُ الى أميرة غير مُصدقةٍ ما سمعته، كيف تورطت بشئ كهذا!؟، لا تستطيع إستيعاب أنها كانت تحبس وتكتم كل ذلك داخلها، لا يوجد من تحكي أو تفضفض له حتى،  ليس لديها من يُطبطب على ظهرها لتضع رأساً على كتفه تبكي وتُخرج ما يؤرقها..
 إنها تُعاني من الوحدة، إبتسمت سيرين إبتسامة باهتة تحاول طمئنتها وهي تقول: ح نلقى حل..
_همّام لو عـ..عرف..
_لازم يعرف ي أميرة..
_هـ..همّام أحـ..حمق..
_هو أخوكِ الكبير في النهاية، وهو المسؤل منك وراجل البيت، "أمين" زي م قلتي زول خطير، ممكن يأذيك لو رفضتي..
_ومـ..ممكن يـ..يأذي همّـ..مّام..برضو..
_تنهدت سيرين وهي تقول: طيب ح نعمل شنو؟!، شعرت أميرة أن قلبها ينبض عندما سمعت كلمة  "نعمل"، صارت المصيبة التي وقعت بها وحدها مصيبتهما معاً، لطالما تسائلت عن شعور أن يكون لك صديق مٌقرب، كانت تتمنى أن تحصل على صديقة تكون لها كالأخت، تشعر الأن أن أُمنياتها بدأت تتحقق، تملك سيرين مقدرة هائلة على الإحتواء، تُشعرك بأنها تعيش حياةً خالية من المشكلات، متفائلة وقوية، ليتها كانت مثلها، كانت لتواجه كٌل العقبات بقوة وثبات..
_سـ..سيرين؟!..
_نعم..
_إ..إنتي صـ..صحي م وريتيني سبب جـ..جيتك لسودان..
_اممم، شردت قليلا وكأنها تذكرت للتو ماذا كان السبب ، إبتسمت بمرارة مختلطة بسخرية وردت: جيت أحضر عرس الزول الكان حبيبي، إتخيلي!..
_شـ..شنو!؟، عقدت أميرة حاجبيها غير مستوعبة ما سمعته، عادت سيرين تبتبسم وأخبرتها بأنه تم التخلي عنها، أخبرتها أنه هجرها بدون تقديم أي أعذار سوى أن والديه يرفضانها، وتزوج إحدى قريباته..
_مـ..ما بسـ..ستحقك، ح تلقي الأحـ..حسن منو، قالت أميرة بتأثر..
_ههه، ضحكت سيرين بسخرية ثم قالت: من ناحية ح ألقى الأحسن فأكيد ح ألقى، كُتااار الأحسن منو، تغيرت ملامحها وظهر بعض الحزن بوجهها: بس أنا حبيتو بكل كياني، حتى لو لقيت الأحسن يا ترى الشرخ العملو جواي دا مُمكن يلتئم؟..
_مدت أميرة يديها تمسك بكفي سيرين تحتويهما بين كفيها وتقول: هـ..هو الخـ..خـ..خسران ، وين يلقى ز..زيك تــ..تاني..
_إبتسمت سيرين بحزن: انا الغلطانة، م عرفت أختار، حبيت واحد شخصيتو ضعيفة في أول مطب لاقانا إتخلى عني ومشى، على كُلٍ  الموضوع م مؤثر فيني شديد كدا، نظرت حولها تحاول تغيير الأجواء وقالت: رأيك شنو في المحل دا، ظابط صاح؟..
_نظرت أميرة حولها وابتسمت بقليل من الحُزن وهي تقول: دا كـ..كان مـ..مكان همّـ..مّام المُـ..مُفضل..
_جد، وانا قايلة نفسي إكتشفت مكان ظابط هههه..
_عـ..عندو ذكريات كـ..كتيرة هنا، أول لـ..لقاء بـ..بينو وبين مـ..مرتو الله يـ..يرحمها كـ..كان هنا..
_مرتو متوفية!، سألت سيرين بصدمة..
_أومأت أميرة برأسها وهي تزمُّ شفتيها بتأثر..
_يعني جوان وليلى أُمهم متوفية المسكينات..
_أومأت أميرة مُجدداً..
  ___
بعد الكثير من التفكير والتنهد والضياع، أقتنعت أميرة بضرورة إخبار همّام، كان هذا هو الحل الوحيد منُذُ البداية لكنها كانت مُصرّة على المُكابرة، ستتحمل نتيجة أخطائها مهما كانت ردّة فعله..رنّ هاتف سيرين بينما هما تجلسان، وكانت والدتها "صوفيا" تسأل عن مكان تواجدها فأخبرتها، أنهت مُكالمتها وهي تقول..
_بالمناسبة م وريتك إني ح أزور مسقط رأسي هنا في السودان..
_مـ..مسقط رأسك و..و..وين؟؟..
_(**)..
_شهقت أميرة بسعادة وهي تقول: د..د..دي بـ..بلد أهـ..هل أُمي..
_جد؟..
_أومأت أميرة برأسها بسعادة..
_يا محاسن الصُدف، طبعاً أنا وعدت جدو إني أزور مسقط رأسو قبل م أجي، مع أنو ناس جدو طلعو بدري من السودان دا، وقال كان عندو أخو وااحد شقيقو كان متواصلين لحدي فترة قريبة لكن إتوفى قبل عشرة سنوات كدا.
  اخذت سيرين هاتفها بلهفة وشرعت تُريها بعض الصور لجديها ووالدها، كانت هُناك الكثير منها، من بينهم صورة شعرت أميرة أنها مألوفة جداً، كانت قد إلتقطتها سيرين من صورة فوتوغرافية قديمة يحتفظُ بها جدها، كانت تجمعه هو وأخوه عندما كانا لا يزالان شابين، وكانت قديمة جداً وغير ملونة، توقفت أميرة تُطالعها مدة من الزمان، شعرت أنها قد رأتها من قبل لكن كيف يُعقل هذا، أين ستكون قد رأتها!!..
 أيقظها من شرودها صوت إمرأة تقول: سلاام..
_وعليكم السلام، ردت وهي تُطالع سيدة جميلة ملونة العينين وذات شعر ذهبي، وقفت سيرين وهي تعرفها على والدتها وتقول: أعرفك على "ماما" إسمها صوفيا، ودي أميرة ي ماما، كلمتك عنها قبل كدا..
_وقفت أميرة ومدّت يدها تُحي السيدة صوفيا، إبتسمت صوفيا برقّة وعانقتها بحنان..
 جلست إليهم صوفيا يتبادلون أطراف الحديث.
 بضعة دقائق واتصل همّام يُعلمها أنه في طريقه إليها، ليعيدها وليلى الى المنزل، أنتظروا دقائق بسيطة وكان يتصل بها مُجدداً يُخبرها انه يقف بسيارته أمام المقهى، خرجت سيرين برفقتها توصلها الى السيارة، كانت تُشجعها وتذكرها أن عليها إخباره بأقرب فرصة ممكنة، خرجا معاً ليجدا همّام يقف مُتكئاً على سيارته ينتظرهما ..
_م أكون قطعتا ونستكم، قال همّام عند وصولهما اليه..
_هزّت أميرة رأسها نفياً، قليلا وتذكرت أنها نسيت هاتفها على سطح الطاولة، عادت سريعا وهي تقول: نـ..نسيت تـ..تلفوني..
  ضحكت سيرين عليها وهي تراقبها حتى دخلت المقهى، إستغل همّام الفُرصة وراح يتأملها بإعجاب، لم تكن تنتبه لنظراته ولم تُلاحظ إعجابه حتى الآن، لا تضع بعقلها إحتمالية ولو بسيطة بوقوعها في حُب أحدهم، إكتفت من هؤلاء البُلهاء ومصائبهم، لن تتورط مع رجلٍ أخر لتعض بعده أصابعها ندماً يكفيها الضرية التي حصلت عليها من "جوزيف" ..
 إلتفتت سيرين بشكل مُفاجئ لتجده يُحدق بها، إلتقت أعينهما، عقدت حاجبيها متعجبة، لما كان يتأملها هكذا!، إبتسم همّام مُرتبكاً وهو يقول: امم، ح تطولي في البلد دي؟..
_وضعت سيرين يديها بجيوب بنطال الجينز الواسع الذي ترتديه، رفعت أعينها للسماء : أممم، لسه ح اقعد فترة كدا..
_اها تمام، أيوا إتذكرت، عندي صحبي عريس رجع من شهر عسلو الليلة ومُفكر أعمل ليهو حاجة بسيطة بمناسبة زواجو، فـ..لو حاابة يعني..
_ح أشوف لو م عندي شي اكيد ح أجي..
_تمام، إبتسم همّام بإنتصار، أولى محاولاته للتقرّب منها تسير بنحوٍ جيد، هذا إذا حضرت.
 عادت أميرة وودعت سيرين، ثم تحركت السيارة مُتجهة الى الحلفايا.
  ___
 

         ******
 "أب روف، أُمدرمان":-

 فتحت تالين باب المنزل ودلفت مغلقة إياه خلفها، منذُ خبر عودة أسيل من "جوهانسبرغ" وهي ووالدتها بمنزل روضة، لم تتغير كثيراً لكنها تبدو مُتعبة قليلاً، لا بُد أنها أعراض الحمل المُبكرة، دخلت المطبخ لتضع الأشياء التي جلبتها معها من تلك المائدة الشهية التي أعدتها روضة بمساعدتهما، فقد طلبت منها روضة أن تأخذ بعضاً منه لإيهاب، عند خروجها من المطبخ رأته يدلفُ إلى الغرفة بملامح مُنطفئة بائسة، لا تدري متى عاد، تأملته يسير بخطوات مُتثاقلة، كم هو مسكينٌ هذا الفتى، لا بد أن ألم الحنين قد عاوده مُجدداً عندما علم بعودتها وأنه الآن لا تفصلهما سوى عُدة كيلومترات فقط، تنهدت وهي تناديه..
_إيهاب..
_نعم، توقف وردّ عليها ..
_أخت ليك تتعشا؟..
م جعان، حرّك يده بلامبالاة ثم تابع طريقه، تسمّر في مكانه وأحس بشئٍ يُغرز في قلبه بقسوة حين قالت: أسيل حامل يا إيهاب، قصدت أن تُلقي عليه هذا الخبر-المُفرح للجميع والمؤلم بالنسبة له وحده
 حبيبته التي لم تعُد كذلك، تحمل الآن طفل رجل أخر بين أحشائها، ما الغريب!، ماذا توقع!، إنه زوجها في النهاية، تنهد بألم وتابع طريقه بدون أن يقول شيئاً، لقد عاهد نفسه على التجاوز، لقد تواعد مع قلبه على النسيان، ماذا يحدثُ الآن ولما يؤلمه قلبه بهذه الطريقة؟، هل سيحنث بوعده!.
 إرتمى على فراشه كجُثة، هو الان جثة حقاً، ماذا يُسمى الإنسان عندما يفقد الشخص الذي كان ينبض له القلب حُباً؟، لقد توقف عن النبض بالحُب الآن؛ كلُ ما ينبض به هو الألم والحنين والصبابة .
 أخذ هاتفه ليجد رسالة من همّام تنبئه بموضوع الحفل البسيط على مقهى نيلي إحتفالاً بزواج صديقهما، إبتسم بسخرية من القدر، بينما يُقيم تأبيناً وجنازة يُشيع بها حُبه الى الأبد، يريد الأخر إقامة حفل ..
 طلب منه دعوة أُخته تالين وصديقهما أُسامة أيضاً، سيكون الحفل نهاية الأسبوع في "زلابينو" ذلك المقهى الذي يضّجُ بكثير من الذكريات والحُب بالنسبة لهمّام.
  __
وفي جهة أُخرى من نفس الحي:-
 خرجت من الصالة متوجهة إلى غرفتها، تشعرُ بإرهاق كبير، مع أن والدتها طلبت منها البقاء مُرتاحة بالغرفة فقد عُرف أمر حملها اليوم فقط لكنها أصرّت على الخروج والبقاء معهم وتبادل الأحاديث، إشتاقت كثيراً لكل هؤلاء الرفاق، ولكن وكما توقعت إيهاب لم يحضر، ظلت تُلحّ على أُمها وتذكرها بأن تُخبر تالين أن تأخذ له بعضاً مما أُعد، بطريقة ما هي لا زالت تهتم لأمره، دلفّت الى الغرفة التي كانت بها إحدى أخواتها، إتجهت إلى الخزانة تُخرج شيئاً مُريحا فجلباب الإستقبال الذي ترتديه أصبح يُزعجها..
_البت البتغسل العدة مشت وين؟ العدة متندلة مالية المطبخ، سألت أُختها وهي تخلع م ترتديه ..
_قالت ح تجي بعد المُغرب غايتو، ردت عليها وهي منشغلة بهاتفها..
_وأنتي زولك خبرو شنو صحي؟، شايفاك ماسكة تلفونك من قبيل تخلطي..
 أنهت جملتها بضحكة ذات مغزى لكنها لم تتلق رداً، إنتهت من إرتداء قميصٍ بيتي مُريح ووضعت الأخر داخل الخزانة وهي تقول: بنضم معاك ي بت م تعملي رايحة..
 إلتفتت بحدة وهي تصيح: يا بتـ..قطعت جملتها حين وجدت يوسف يقف خلفها يتأملها مُبتسماً واضعا كفيه بجيوب بنطاله، جالت بعينيها على الغرفة التي كانت خالية، لا تدري متى خرجت أُختها بينما تسلل هذا داخلاً.
_حاسة كيف هسي، سأل وهو يقتربُ منها..
_كويسة، أطرقت رأسها قليلاً وهي ترد..
_م تكوني أرهقتي نفسك ونسيتي أنك لازم ترتاحي لمن لقيتي اللمة والونسة السمحة دي..
_رفعت كتفيها: يعني، م عملت شي مُرهق لكن حاسة بشوية تعب..
_أمسكها يوسف من يدها وأقتادها إلى السرير لترتاح قليلاً، أخبرها بأن صديقه "همّام" سيقيم حفلاً بسيطاً على شرفهما، أراد أن يعرف إن كانت تستطيع الذهاب فردت بأنها حتماً تستطيع، سكت قليلا وأطرق رأسه ثم أضاف: إيهاب ح يكون هناك..
_تنهدت بتعب ثم مدّت يدها تضعها على كتفه قائلة: موش إتفقنا نقفل السيرة دي ونبدا صفحة جديدة..
_نظر اليها بعينين حزينتين: م عارف ح أقدر أعاين في وشو كيف..
_تنهدت مٌجدداً وهي تنظرُ حولها، لا تدري كيف سينسى هذه القصة، يلقي عليها اللوم دائماً ويُشعرها بالذنب بطريقة أو بأخرى حتى من غير قصدٍ منه، ظنت أن هذا الخبر السعيد سينسيه لكنها كانت مُخطئة، رفع عينيه ليجدها شاردة تُحدث نفسها، لا يُريد لومها بعد الان لكنه لا يستطيع، هي كانت حُرة في إختيار من سيسعدها بغض النظر عن علاقتهما، أرادت تكوين أسرة والاستقرار، رأته الخيار المُناسب، أخر ما يُريده الآن هو خُزلانها، خاصة وقد أضحت تحمل طفله بين أحشائها..
 مدّ يده يتحسس بطنها، ليست مُنتفخة حتى، إبتسم وهو يقول محاولاً تغير الموضوع: ح تسميه منو لو طلع ولد ؟!..
_إبتسمت بخجل وهي تقول: م فكرت لسه..
_رفع يده الأخرى يقرص خدها بلطف: حاسي إنها بت وبتشبهك كدا..
  وهما على هذا الوضع دلفّت روضة على عجلٍ وهي تقول: مطبقتي كنتا خاتاها هنـ..قطعت جُملتها وهي تنظرُ إليهما، تمنت أسيل لو أن الأرض تنشق وتبلعها بينما أستوى يوسف واقفاً وهو يقول: أُخدي راحتك أنا ماشي..
  غادر يوسف مُسرعاً بينما هزّت روضة رأسها وهي تقول: أجرو الشقة القلتو ح تأجروها دي سريع، الفضايح م حبابا، ثم واصلت تبحث عن محفظتها.
  __

           ****
 "الحلفايا، بحري":-
  مستلقية على فراشها منذُ ساعات تُفكر بشرود، متى ستكون اللحظة المناسية لتخبر همّام، مر على ذاكرتها كُل ما حصل بالمقهى صباح اليوم، جلستها مع سيرين تلك تمنحها طاقة إيجابية وتخفف عنها أعباء روحها دوماً، ليتها كانت تملك  أُختاً مثلها، بل ليتها كانت أُختها، تذكرت تلك الصور التي أرتها إياها، نهضت مسرعة وراحت تبحث عن ألبوم صورٍ قديم كان يخصُ والدتها، مُتأكدة أنها رأت تلك الصورة بمكان ما، بحثت كثيراً لكنها لا تتذكرُ أين وضعت أشياء والدتها القديمة، في المخزن ربما، أو في تلك الحقيبة القديمة التي تحتفظُ بها خلف خزانتها، أسرعت بإخراجها، إنها تتعرق وتتنفس بصعوبة الآن، الحقيبة ثقيلة جداً، رمتها بمنتصف الغرفة، ملأ غبارها المكان وجعلها تسعلُ بقوة، وضعت كمامتها ونفضت كُل ذلك الغبار من عليها، الكثيرُ منه والكثير من الذكريات كذلك..
 فتحتها ببطء، شعرت أن قلبها يرتجف، ما هذا الشعور الغريب الذي تحسه، كأن طيف والدتها يطوف بالمكان، كُل هذه الأشياء تخصُ والدتها، هذه الحقيبة وما تحتويه هي الشئ الوحيد الذي أخذته من منزلهم القديم قبل إنتقالها للعيش تحت رعاية همّام-أخاها غير الشقيق- تتذكرُ الآن تلك الأيام المُعتمة الحزينة، تذكرت كيف وفي لحظة صارت يتيمة الوالدين، وحيدة وبائسة، شعرت بشئ دافئٍ يسيلُ على خدها، إنها دموع، مسحت دموعها وشرعت تبحثُ بين تلك الأشياء التي تعبق برائحة الذكريات، وجدت بضعة أشياءٍ تخصها، دُمية كان قد أهداها لها والدها عندما أحرزت العلامة الكاملة بالرياضيات، وهذا الوشاح يخصُ والدتها، إتسعت عيناها بحماس حين وجدت ذلك الألبوم، أخذته وأسرعت إلى سريرها ترتمي بتعب وحماس في نفس الوقت وتبدأ تصفُحهُ..
  بعد أن تصفحت الكثير، تسارعت دقات قلبها حين وجدتها، يداها ترتجفان والأدرنالين يسري بكُل جسدها من فرط حماسها، إنها نفس الصورة، لكن لماذا تملك سيرين نسخة اُخرى من الصورة التي تملكها والدتها!!!..
 قلبت الصورة من الخلف "١٩٦٣م" مكتوب تاريخ إلتقاطها وبعض الاسماء "كريم الدين وعبدالإله" إذا كان كريم الدين الذي هو والد والدتها والذي توفي قبل سنوات عديدة-لا تدري متى ولكنها كانت صغيرة جداً لا تزال بالإبتدائية- والأخر هو اخاه "عبدالإله" الذي هو جدُّ سيرين، والذي اخبرها أن هذه الصورة أُلتقطت له ولأخاه فهذا يعني أن جدّ سيرين "والد والدها" وجدّ أميرة "والد والدتها" هم في الحقيقة أشقاء!!!...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 

#لا_تعبث_بقلبي《10》
#بقلم_إيمان_ماجد

ــہہہـ٨ـــ٨ــــہہـ٨ــــہہہـ٨ـــ٨ــــــہہـ٨ــــ♡❥​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏
 ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​ ‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​ ​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏ ​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​‏​​‏​​‏​​‏​​‏​​
 "االحلفايا، بحري":-

 _سيرين، هل تذكُرين كيف تعرفنا على بعضنا!؟..
_كيف لي أن أنسى، كنتِ قد نشرتِ منشوراً على إحدى وسائل الميديا، لا اذكرها بالضبط، قلتي أنكِ تغرقين وحيدة في الظلام وتشعرين بالوحدة، أتذكر أني قد أرسلتُ لكِ وقتها، شعرتُ بأن ألمكِ هو ألمي؛مع أنني لستُ حساسة هكذا في الغالب..
_بلى، أنتِ حساسة كثيراً، وتملكين قلباً كبيراً، أعرف هذا..
_لمِا السؤال المُفاجئ يا صغيرة!.
_لمْ يجمعنا القدر هكذا من فراغ، كان شيئاً مُقدراً يا سيرين، نحنُ قريبتان..
_ماذا!!..
 أرسلت أميرة تلك الصورة التي إلتقطتها إلى سيرين، كان شيئاً يُشبه الخيال، لم تستطع سيرين إستيعاب الأمر إلا بعد جُهد جهيد بذلته أميرة لتُفهمها..
_إذن أقربائي الذين ب(**) هُم نفسهم أقرباء والدتك!.
_أجل، لكنني لا أعرفهم معرفة وثيقة، علاقتي بأقرباء والدتي مُنعدمة تقريياً، لم أذهب إلى (**) سوى مرتين فقط في حياتي قبل وفاة أُمي، وبعد وفاتها إنقطعت كُلياً عنهم..
_ما...ما رأيك أن نذهب معاً برفقة والدتي يا فتاة!؟..
_أتمنى هذا، هذا إن سمح لي همّام..
_أرجو أن يسمح لك، أوتعلمين!؟....... سعادة كبيرة تغمُرني بسبب هذا الخبر الجميل.
_أنا ايضاً..
_هيي يا صغيرة، هل أخبرتي أخاكِ بذلك الأمر؟..
_ليس بعد، أتصيدُ الفُرصة المُناسبة..
_لا تُماطلي كثيراً، أنه أمرٌ خطير.
_حسناً....يا "أُختي الكبيرة😊".
  ____
وضعت اميرة هاتفها جانباً كانت تتنهد بصوت مسموع، عينيها مليئتان بالدموع، دموعُ الفرح، قلبها ينبضُ بسرعة، الدوبامين-هرمون السعادة- يسري بكلِ جسدها، لا تذكرُ متى كانت أخر مرة شعرت بها هكذا، تنهدت مُجدداً وانقلبت على جهتها اليُسرى، وإبتسامة عريضة لم تُفارغ فاهها منذُ ساعات، تذكرت أنها ستُرافق إبنة أخيها " جوان" غداً إلى منزل رفيقها، نهضت من فراشها بحماس، إتجهت نحو الخزانة وشرعت تبحثُ عن شئ أنيق ترتديه غداً، تود حقاً التأنق..
 وضعت بعض السيروم على وجهها ونزلت متوجهة الى المطبخ، اخذت خياراً وقطعته الى قطع دائرية صغيرة، عادت الى غرفتها واستقلت على سريرها واضعةً قطع الخيار الدائرية على عينيها الواسعتين لتُخفف تلك الهالات الكبيرة تحتهما..
  ___
 صباح اليوم التالي:-
وبعد ذهاب جوان إلى المدرسة، كانت فاطمة تجلس تُشاهد التلفاز وبجانبها ليلى تلعب على جهازها اللوحي، كانتا قد أحتسيتا الشاي للتو، راحت الإثنتان تُطالعان "أميرة" بتعجب حين ظهرت تهبط من الدّرج بمزاجٍ عالٍ تدندن بعض الألحان، تابعتاها بنفس النظرات وهي تتجه للمطبخ، حيتهما بسعادة وشرعت تُحضر بعض الشاي لنفسها..
_نظرت "فاطمة" ل"ليلى" وحركّت يدها "مابها؟"، أجابت ليلى برفع كتفيها "لا أدري".
 جلست أميرة معهما في الصالة وهي تقول: ماما "فاطمة" إتـ..تخيلي!!..
_أتخيل شنو يا بتي؟ سألتها والحيرة تملأ عينيها..
_أنا وسـ..سـ..سيرين بنـ..نقرب بـ..بعض..
_شنو!!..
  بدأت أميرة تحكي تلك القصة الطويلة وهما تُصغيان بإهتمام.
   

   *****
  "شركة بابلو للإستيراد والتصدير":-

دخل أمين مكتبه وطلب من مساعدته إحضار قهوته المُعتادة، وقف أمام نافذته يُطالع الخارج بشرود، أخرج علبة سجائره الفضية والولّاعه ليُشعل سجارة، فإذا به يسمع صوت هاتفه يرنّ، أشعل سجارته وأخذ نفساً عميقاً ثم نفثه خارح صدره وهو مُغمض عينيه بإستمتاع وهدوء، إتجه إلى مكتبه وأخذ هاتفه، إنه تذكير بأن عليه حضور حفلِ مروان إبنه اليوم، يكره هذه الحفلات السخيفة، كُل العائلة ستكون هناك وهو لا يشعرُ جيداً بوجود كثير من الناس حوله، لكنه لا يستطيع التخلف، لقد جاء "مروان" بنفسه إلى الشركة ذاك اليوم يذكّره بالحضور، أخذ نفساً أخر وهو يذكرُ ما حدث البارحة، عندما جاءت زوجته ثناء إلى الشركة، وكانت عيناها تتطايران شرراً، أخبرته بأنها تعلم بتلك الفتاة التي تحوم حوله والتي وضع عينيه عليها، هددته أنها ستطلب الطلاق وتبيعُ أسهمها التي بالشركة لألد أعداءه "باسل" والذي ينافسه في عمله منافسة قوية، والذي صادف أيضاً أن يكون إبن خالتها وتربيا معاً بنفس البيت-وكان من أشد الرافضين لزواج إبنة خالته من هذا الغريب-كان "باسل" يكرهه كُرهاً لا يحاول إخفاءه والبغضاء تبدو جلية بنظراته، يملك أسهماً بسيطة بهذه الشركة؛لكنه مُستعد أن يدفع كُل ما يملكه ليزيد حصته من الأسهم ويُدمر "أمين".
 كما أن ثناء تعلمُ بأنه يقوم ببعض الأعمال غير المشروعة بالرغم من أنها لا تعلم تفصيلاً ماهية هذه الأعمال، إكتشفت ذلك صُدفة حين سمعته يُهدد أحد مروجيه هاتفياً، إحتفظت بسره الصغير لكنها مُستعدة أن تُضحي بوالد إبنها كي تحفظ كرامتها ومكانتها، لن تقبل بأن يتزوج عليها، ليست إبنة حُسين الجعفري من تأتي إمرأة فوقها، يتذكر عندما أتت البارحة  بكبرياءها وغرورها المُعتاد والمُزعج أحياناً، تخبره أنها تعلم بكل شئ وأنها لن تسمح بحدوث هذا، هددته بأسهمها وقوّت موقفها بأسهم والدها الذي لن يتوانى عن بيعها رضوخاً لطلب إبنته وإنتقاماً منه، إنها إمرأة قوية، خطيرة، ومخيفة.
 تنهد بتعب وهو يُفكر، هل يُعقل أن يرضخ لتهديدات إمرأة!، جلس على مقعده وهو يشفط دخان سجارته بقوة، يُصبح شرهاً للتدخين عندما يتورط بشئ ويفكر بشكل زائد، مهلاً لحظة، كيف علمت ثناء بأمر أميرة!؟..
 عقد حاجبيه غاضباً وهو يهمس "اللعنة عليكِ يا رؤى".
 طلب من مساعدته الإتصال بها يأمرها بالحضور، رؤى هي الوحيدة التي لديها إتصالٌ وعلاقة مُباشرة  بزوجته، فمعرفتها بثناء في الحقيقة تسبق معرفتها به شخصياً، فقد كانت تأتي للمنزل وتقوم ببعض الأعمال مُقابل مبلغ مالي بسيط تمنحه إياها ثناء، عرف حوجتها المُلحّة للمال وأنها مُستعدة أن تقوم بأي عمل ما دام عائده جيداً، فأصبحت إحدى مروجاته لكن علاقتها بزوجته لم تنقطع كُلياً، كما أنها تعرف قوة ثناء وخطورتها حين تُقرر أن تُشكل خطراً، بالإضافة إلى أنها الوحيدة التي تعلم بأمر أميرة، عادت السكرتيرة تخبره أنها لا تُجيب على إتصالاتها، فاتصلت بإدارة المجمع السكني-الداخلية- الذي تُقيم به وعلمت منهم بأن رؤى تركت المكان منذُ عُدة أيام مضت، "لقد هربت" لقد فعلتها تلك السا*قطة، لن يرحمها إذا وقعت بين يديه، ستنال عقاباً قاسياً؛فهي تعلمُ جيداً عقوبة الواشين.
 أطفأ سجارته على المنفضة بغضب واضح، أحضرت المساعدة القهوة التي طلبها، تركتها أمامه وأنصرفت مُسرعة، كانت عيناه تُطالعان الفراغ بشرود، نظرة وعيد مُخيفة، فتحتِ على نفسكِ أبواب الجحيم يا غبية، لقد وضعكِ برأسه الأن.
 نهض من مقعده دون أن يحتسي قهوته حتى، غادر الشركة مُتجها لأحد معارفه وبعدها سيقصد المنزل، يُري وجهه لضيوف الحفل، ويلبي طلب إبنه ثم يغادر.

      *****
  "الطائف، الخرطوم":-
ترجلّت أميرة من سيارة الأُجرة وبرفقتها جوان، حاسبت السائق ثم قرعت الجرس، نظرت جوان إلى عمتها بإعجاب وإبتسمت: طالعة حلوة الليلة يا عمتو..
_شـ..شُكراً وإنـ..نتي كـ..كمان حـ..حلوة..
 نظرت "جوان" الى فُستانها المنفوش الذي يأخذُ لون السماء، حذاءها الجلدي اللامع ذو اللون الاسود والكعب الصغير، شعرُها الذي جمعته في ربطة واحدة إلى الخلف برباط يحمل نفس لون الفُستان، كانت في مُنتهى البراءة والجمال، بينما أرتدت أميرة فُستاناً ضيقاً نبيذي اللون مع أكمام طويلة أطرافها مُطرزة بخيوط فضية دقيقة، كان قماشه ناعماً به لمعة بسيطة لكن ليس بشكل مُفرط، فتحتان صغيرتان على جانبيه، حذاء ذو كعب عالٍ فضي كذلك، ولم تنسى وضع الحجاب الذي أخذ لوناً مُحايداً، بينما أتقنت وضع مُستحضرات التجميل فبدت جذابة جداً، فُتح الباب وأخذتهما "الشغالة" إلى مكان اللقاء، في طريقهما وقبل وصولهما،  ألتقيا "مروان" الذي كان خارجاً من غرفته مُتجها الى نفس المكان، كان مُتأنقاً يرتدي بذلة رسمية مع بنطال قصير وقميص بلون فاتح تحتها، كما يضع ربطة عُنق صغيرة لتكتمل طلته، وجدته أميرة لطيفاً جداً بينما رأته جوان وسيماً، أسرع إليهما فور رؤيتهما، كان يُطالع جوان بنظرات إعجاب واضحة لم تخفى عن أميرة، لم يُنزل عينيه عنها إلا عندما عرفته بعمتها، أخذهما إلى والدته التي كانت مشغولة بترتيب كُل شئ، وتوجيه العاملات ماذا يصنعن، وقدمهما إليها، حيتهما ثناء بترحاب كببر، كانت متأنقة وجميلة جداً، جلست على الأرض بلطف، مُقتربة من جوان ووضعت كفيها على خدي جوان المُمتلئان وقبلتها وهي تقول: وأخيراً إتقابلنا يا جوان..
 نظرت جوان لأميرة بحيرة وعادت تنظر إليها، إبتسمت ثناء وهي تقول: مروان بكلمني عنكِ يومياً، وشددت على كلمة "يومياً" بشكل ملحوظ، نظرت جوان لمروان الذي يقف خلف أُمه فشعر بخجل شديد، أقترب بسرعة وأمسك جوان من يدها وجرّها معه على عجلٍ وهو يقول: أرح اوريك الهدية الجابتها لي أُمي..
 عادت ثناء تقف وهي تضحك على تصرفاته ثم أخذت أميرة لصالة إستقبال الضيوف المُعدة والمجهزة جيداً، وكانت مُزينة من كُل الجوانب، قليلاً ووصلت تالين، وجلست بجانب أميرة وهما يتبادلان الأحاديث ويؤنسان بعضهما، كان المكان قد بدأ يضجُّ بالضيوف، ولم يكن حفلاً بسيطاً كما وصفه مروان، وبالحديث عن مروان فهو لم يُفلت يد جوان لحظة منذُ أمسكها، كانا معاً في كُل مكان، حتى حين أطفأ الشموع كانت تقف بجانبه تُصفق بسعادة وتغني له مع بقية الضيوف، قُطِّع الجاتوه ووزَّع على الجميع، كانت ثناء تقف بجانب أميرة وتالين حين جاء مروان راكضاً إليها بسعادة وهو يهتف يُعلمها بوصول والده: أبوي جا يا أُمي..
 في نفس اللحظة إقتربت جوان من أميرة ومدّت لها كأس المشروب الغازي الذي كانت تحمله وهي تقول: بطني إتملت، تناولته أميرة من يدها، وأشارت لها ان تجلس بمكان قريب، سمعت صوتاً ليس بغريب، عقدت حاجبيها تنظرُ لوالد مروان الذي يقف إلى ثناء يُحيها وهي تردّ بإقتضاب، إتسعت عيناها بصدمة، صوت نبضات قلبها كالطبول من قوتها، وشعرت بأن أنفاسها قد توقفت، همست بصدمة: أ. أمين!!..
 وكأنه سمع همسها، رفع عيناه الحادتين إليها مع نهاية ما نطقته وألتقت نظراتهما، إرتجف جسدها بقوة، لم تُدرك أنها أسقطت الكأس الذي بيدها إلا عندما شهقت تالين التي بجانبها وهي تقول: يا بت يدينك ديل مالهم برجفو كدا؟!..
 نزعت عينيها من  عينيه وهي تُطالع الأسفل، تلوث فُستانها وشظايا الزجاج المكسورة تملأ المكان..
_أميرة، زحي كدا القزاز دا م يجرحك، قالت ثناء وهي تُبعدها قليلاً وتنادي "الشغالة" لتنظف المكان، نظرة خاطفة إلى ذلك الواقف خلف زوجته، وجدته يُحدّق بها بجرأة وإبتسامة جانبية على شفتيه، توجهت إلى الحمام مُسرعة وهي تلهثُ؛تحاول إلتقاط أنفاسها، يداها لا تزالان ترتعشان بشدة، كُل ما تريده الأن هو مغادرة هذا المكان اللعين.

      ****
  "أب روف، أُمدرمان":-
 شعر بباب غرفته يُفتح بقوة يليه سحب الغطاء الذي يُدثر به نفسه، فتح عينيه مُتكاسلاً: في شنو يااخ..
_قوم يا زول نايم ليها شنو؟..
_إتسعت عينيه وهمس مُتفاجئاً: يوسف!!..
   ___
غسل وجهه وعاد إلى غرفته حيث ينتظره يوسف الذي أيقظه من النوم، قال أنه إشتاقه كثيرا ولم يعُد قادراً على التحمل أكثر، سأله مُعاتباً "إنتا مُحاربني ولا شنو يا زول"، كيف كان سيُجيب على هذا السؤال، فأكتفى أن يُجيب نفيا وهو يهزُّ رأسه ففاجئه بأن همّام قد أخبره "ليه قلت إنك م ح تقدر تحضر اللمة العاملها همّام في زلابينو طيب؟!"..
 عاد ليجده يجلس مُتكئاً على فخذيه يفكر بشرود، كأنه يحمل هماً كبيراً، حاول الإبتسام وأن يبدو طبيعياً قدر الإمكان، أقترب منه وهو يُربت على كتفه بلطف، ليستيقظ الأخر من خيط أفكاره وشروده، كان بيوسف شئٌ مُختلف لاحظه إيهاب، لم يكُن قادراً على النظر بعينيه، وكان يتجنب إلتقاء نظراتهما، أنبأه إحساسه أن يوسف ربما قد عرف قصة حُبه مع "أسيل"، يشعرُ بالذنب بالرغم من أنه ليس مُذنباً..
_في شنو ي مان؟ قطعت لي نومة سمحة خلاص..قال إيهاب محاولاً تلطيف الجو..
_إبتسم يوسف قليلاً ثم عاد يُطرق رأسه، ساد الصمت لعدّة دقائق كسره يوسف وهو يسأل بصوت متحشرجٍ يملأه الشعور بالذنب: في كُره في قلبك إتجاهي!؟..
_شنو؟ سأل إيهاب مُتعجباً..
_رفع يوسف عيناه الناعستين ليُقابل تلِكما الكحيلتان المتألمتان وهو يُعيد: بقيت بتكرهني!؟..
_دا كلام شنو يا مان!، شارب شنو إنتا؟..
_قال ونفس النظرة مُثبتة على عينيه: عرفت كُل الكان بينك وبين أسيل..
  صمت إيهاب وأشاح بوجهه ينظرُ لخارج الغرفة، لا عجب أنه قد إكتشف الأمر بهذه السرعة؛لطالما كان مُتقدُّ البصيرة، ودقيق المُلاحظة، أتاه صوت إبن خاله باكياً يترجاه: أنا اسف، لو كنت عارفـ..
_قاطعه إيهاب بإبتسامة: دي قصة وإنتهت، أتجاوزنا الموضوع دا زمان، مافي داعي تعتذر.
_بسـ..
_يوسف، قلنا خلااص..
_نهض يوسف إلى صديقه يُعانقه وهو يقول: كُنتا خايف صداقتنا تنتهي بسبب الموضوع دا..
_ردّ إيهاب وهو يربت على كتفه يحاول مُداراة ألمه قدر المُستطاع بإبتسامة باهتة: معقول يا مان! البينا أكبر من إنو تنهيه بت.

 "ما بيننا أكبر من أن تُنهيه إمرأة حمقاء يا صديقي".
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
 
☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال